سلطت صحيفة «نيويورك تايمز» اليوم الجمعة، الضوء على موقف الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا من الأزمة الدائرة في سوريا، في ظل مخاوف تعتريها من أن تقضي موجة الإسلام الأصولي التي بذخت بشكل واضح بعد أحداث الربيع العربي على الأقليات المسيحية في منطقة الشرق الأوسط ومعظمها من الطائفة الأرثوذكسية. وذكرت الصحيفة -في سياق تعليق أوردته على موقعها على شبكة الإنترنت- أنه في الوقت الذي يسعى فيه الغرب للضغط على الكرملين كي يسهم في وقف عمليات القتل ضد أبناء الشعب السوري، استقبل الدبلوماسيين الوافدين من دمشق داخل واحدة من أهم المزارات الروسية الأرثوذكسية- بحفاوة بالغة.
وأشارت إلى أن الدبلوماسيين السوريين ورجال الدين والقساوسة الروس قد تشاركوا مشاعر الحزن والمخاوف المشتركة إزاء مستقبل سوريا، حال ما أجبر الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي وترك السلطة، وذلك خلال افتتاح أحد العروض المكرسة للمسيحيين السوريين داخل كاتدرائية تقع بالقرب من الكرملين.
وأضافت، أنه: "بعدما اتضح موقف الحكومة الروسية المعارض بشكل تام لأي تدخل أجنبي لحل الأزمة السورية -حليفتها التاريخية وآخر موطىء قدم راسخ لها في المنطقة -لا يزال موقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية غير مطروح بشكل واضح."
وأكدت أنه حتى لو استبعدت فكرة تدخل الكنسية في تحديد المعالم الرئيسية للسياسة الروسية، غير أنها تعد واحدة من العوامل التي تجعل من "المواءمة مع الغرب" أمرًا بعيد المنال" لاسيما في وقت تعم فيه الضبابية على المناخ السياسي في البلاد.
وأردفت الصحيفة، تقول: "إن فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي الجديد، قد سعى منذ ثلاثة أشهر ونصف من أجل تحقيق فوز ساحق إلى حشد دعم الرموز الدينية في بلاده، متعهدا بتخصيص عشرات الملايين من الدولارات لإعادة بناء أماكن للعبادة، وتمويل الدولة للمدارس الدينية، غير أن رئيس الدائرة البطريركية للعلاقات الخارجية بالكنيسة المطران هيلياريون، قد طلب من الرئيس بوتين بدلا من المال إعطاءه وعدًا بحماية الأقليات الدينية في المنطقة."
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أنه على الرغم من أن المحللين الغربيين قد أقروا بالفعل وجود مخاطر، تُحدّق بالأقليات المسيحية في سوريا، غير أنهم ارتأوا أنه من الحكمة أن تنأى الكنيسة بنفسها عن حكومة الأسد، وتُمهد الطريق أمام انتقال سياسي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تعقد مقابلات بشكل منتظم مع وزارة الخارجية الروسية، لمناقشة أجندتها خارج الحدود الروسية، إذ استشعر لديها بعض الخبراء حماسًا لدعم الكرملين في مواقفه.
ولكن -وبحسب ما أوردت الصحيفة- توجد هناك بعض اللحظات والمواقف التي بدت فيها السياسة الخارجية للكنيسة "مختلفة". مشيرة إلى الجدل والتوترات التي أثيرت حول الزيارة التي قام بها أحد البطاركة الروس ويُدعى كيرل إلى العاصمة السورية دمشق العام الماضي.
و نقلت الصحيفة عن البطريرك هيلاريون، قوله: "إن بعض الخبراء قد حاولوا ثني البطريرك من الذهاب إلى سوريا كونها تشهد اضطرابات وعدم استقرار، بجانب العزلة الدولية وكم الضغوط الهائلة التي يواجهها نظام الأسد، غير أنه لم يتراجع عن قراره في وجه الصعوبات التي قابلته"، فيما رأى نائب رئيس دائرة البطريركية للعلاقات الخارجية بالكنيسة نيكولاي بالاشوف، أن الزيارة نجحت في تسليط الضوء على الاهتمام الروسي بالأوضاع في سوريا، متغلبة على ما أسماه "بحصار معلوماتي" تعتمده التغطية الإعلامية الأحادية للصراع القائم في البلاد.
وأضاف بالاشوف -ختاما-: "إن الأزمة الأخيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط زادت من أهمية تدخل الكنيسة بشكل مباشر في السياسات الخارجية."