قضى الأسير المقدسي محمود عيسى (44 عامًا) أطول مدة يقضيها أسير فلسطيني على الإطلاق في العزل الانفرادي داخل السجون الإسرائيلية، حيث لم يسمح له بالاتصال بذويه أو رؤية أحد غير سجانيه زهاء عشر سنوات.
ولم يستطع الأسير الفلسطيني طوال هذه المدة رؤية والدته التي يبلغ عمرها 75 عامًا سوى دقائق معدودة قبل نحو ثمانية أعوام.
وجاء خروج الأسير عيسى من العزل الانفرادي تحقيقًا لمطلب نحو 1500 أسير فلسطيني أضربوا 48 يومًا عن الطعام للمطالبة بمجموعة حقوق بينها إنهاء العزل الانفرادي بحق 19 أسيرًا عزلوا منذ عدة سنوات فترات متفاوتة.
واعتقلت إسرائيل الأسير محمود عيسى من بلدة "عناتا" شرقي القدس في الثالث من يونيو 1993، وحكمت عليه بالسجن المؤبد ثلاث مرات يضاف إليها 40 عامًا، ثم حاكمته مجددًا عام 1998 وأضافت إليه ست سنوات بتهمة تشكيل خلايا للمقاومة.
وتقول والدته الحاجة عائشة خضر (أم محمد)، إنها واظبت على زيارة ابنها منذ اعتقاله وحتى عزله في 29 من أغسطس 2002، لكنها لم تستطع زيارته منذ ذلك الوقت سوى بضع دقائق بعد انتزاع قرار قضائي بزيارته لمدة نصف ساعة أواسط 2004.
وتؤكد أم محمد، أنها فوجئت حتى خلال الفترة التي سبقت العزل في كثير من المرات بعدم إتمام الزيارة، بذريعة نقل ابنها إلى سجن آخر أو إلى المحكمة، دون أن يتم إبلاغها بذلك قبل بدء الزيارة.
وتصف أم محمد مشهد الزيارة الوحيدة التي تمكنت فيها من رؤية ابنها منذ عشر سنوات قائلة "أخرج السجانون ابني إلى غرفة الزيارة مقيد اليدين والقدمين، وأجلسوه قبالتي وبيننا حاجز زجاجي فتحدث إلي من خلال سماعة هاتف.. لكن السجانين أخرجوه قبل انتهاء الوقت المخصص للزيارة".
وتشكو والدة محمود من ندرة المعلومات المتوفرة عن ابنها المعزول عن العالم، وتقول إن الرسائل التي ينقلها أحيانًا المحامون واللجنة الدولية للصليب الأحمر غير كافية لإقناعها بأن ابنها على ما يرام.
وتأبى المسنة الفلسطينية نسيان المعاملة المهينة والقاسية التي تعرضت لها على أبواب سجون عسقلان ونفحة وبئر السبع والرملة، مؤكدة تعرضها للتفتيش المهين وإجبارها على خلع ملابسها بحجة التفتيش قبل أن يسمح لها بلقائه.
وبعد إخراج محمود من العزل، توجهت والدته إلى مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتقدمت بطلب للحصول على تصريح زيارة له في سجن "هداريم"، مناشدة المنظمات الحقوقية وحكومات عربية بمساعدتها.
وذكرت، أن المنع من الزيارة طال أبناءها وبناتها التسعة، وأن محمود لا يعرف أحفادها الذين زاد عددهم بعد اعتقاله، كما أشارت إلى أن والد محمود توفي بعد عام من اعتقاله.
ويوضح مدير مركز "أحرار لشؤون الأسرى" فؤاد الخفش، أن الأسير عيسى وباقي الأسرى الذي سيخرجون من العزل سيؤدون صلاة الجمعة مع رفاق السجن، وهي الصلاة التي حرموا منها سنوات.
ويضيف "لأول مرة منذ عشر سنوات سيجلس ويعيش الأسير محمود عيسى وباقي الأسرى المعزولين مع أناس آخرين من بني جلدتهم ورفاق السجن، وسيصافحون بعضهم ويتعانقون ويتحدثون لغتهم العربية".
أما مستشار الصحة النفسية الدكتور محمد بريغيث، فيرى أن الإنسان في الوضع الطبيعي لا يتحمل العزل عن البشر أكثر من 72 ساعة، وفي حال عزله أكثر من ذلك فإن العزل يترك تأثيرات سلبية بينها الانطواء على الذات والعزلة، والسوداوية وتشتت الذهن وأحيانًا التفكير في الانتحار.
أما في حالة الأسرى الفلسطينيين، فقال إن الأسير يخرج من العزل بنفسية جيدة ويبدي المشاعر الإيجابية مستعينًا بحالة المقاومة التي ضحى من أجلها، لكنه يحاول إخفاء المشاعر السلبية في داخله ويبدأ في مواجهة الصعوبات مع بداية انخراطه في المجتمع.