بين فترات العمل الطويلة، كان يخرج من قسم التصوير، وعلى سلالم الدور الرابع بالجريدة، يقف وظهره للحائط، يثنى إحدى قدميه إلى الخلف، يشعل سيجارة، وبجواره كوب «النسكافيه»، ومن خلف نظارته و«كابه» المميز الذى يخفى عينين باسمتين يقول «فاكِس»، أو «إشطات». هكذا كان يعبر زميلنا ب«الشروق» المصور الصحفى الراحل، محمد حسن، عن تقييمه للصور التى يلتقطها، إذا ما سألته عنها. فى يوم 16 نوفمبر 2010، كانت الصدمة تنتظر كل من يدخل مقر الجريدة فى الصباح الباكر، بعدما ينظر حوله فلا يجد غير عيون باكية ووجوه شاحبة، وإجابة وحيدة على تساؤلات شتى، «محمد حسن مات»، ليضيف بها ذكرى أخيرة أليمة، لذكريات ضاحكة باسمة، جمعتنا به طوال عمله فى الجريدة منذ الأعداد التجريبية التى سبقت صدور العدد الأول فى فبراير 2009.
«أدعو لك دوما يا صديقى.. عمرو صلاح الدين»، و«رحمة الله عليك يا صديقى.. مصطفى عصام»، «وحشتنى أوى يا ميكو.. إيمان هلال»..
صور، وكلمات رثاء، ومواقف وذكريات، وجدت طريقها على صفحته الشخصية على موقع «فيس بوك»، التى توقف صاحبها عن الاطلاع عليها لتاريخ يسبق قيام ثورة 25 يناير، التى شارك بها حسن بصوره التى سجلت نضالات العمال والنشطاء السياسيين فى شوارع المحروسة، والتى كانت فتيل اشتعال الثورة.
لكن حسن لم يشتهر فقط بصور التقطها، لكن بصور كان بطلها والتقطها له زملاؤه وهو «يعافر» من أجل التقاط «كادر» فى قلب مظاهرة حاشدة، أو وسط خطر داهم، فى طريق مصر إلى الثورة كان محمد حسن، ومعه مصورو الشروق فى كل مكان يرصدون تصاعد موجات الغضب، وتباشير الانتفاض.
«كان شابا مميزا وموهوبا وطموحا»، اشترك زملاء حسن فى مهنة التصوير الصحفى على هذه الصفات فى حديثهم عنه، مضيفين «تميز بقصصه المصورة وصوره التى تجمع بين البساطة والقوة»، ورغم قصر المدة التى عمل بها كمصور صحفى، إلا أنه حاز العديد من الجوائز وأهمها، جائزة نقابة الصحفيين فى مسابقة مصر عامى 2009، و2010، وجائزة مسابقة الاتحاد الأوروبى للتصوير، ومنحة للتصوير الصحفى فى تركيا.
مات محمد حسن قبل أن يُنهى مشروعه التوثيقى الأول عن الصناعات اليدوية فى مصابغ عين الصيرة، و«الشروق» تتذكره فى ذكرى الاحتفال باليوم العالمى للصحفى، وتعيد نشر صوره، التى تميز بها على مدار مشواره الصحفى القصير.
نتذكره كلما صعدنا درجات السلم، وكلما طالعنا أرشيف الذكريات، وكلما وجدنا «بروفايله» على الفيس بوك حيا يستقبل الدعوات والرحمات، وكلما رأينا صوره تُسلب فى الصحف «الناشئة».. نتذكره لأننا لا ننساه.