ضمن إستعداداتها للإحتفال بمرور خمسمائة عام على إنشاء قناطر الغوري المعروفة باسم مجرى العيون، تصدر الهيئة العامة لقصور الثقافة كتابا تذكاريا بهذه المناسبة بعنوان "مجرى العيون شئون البلاد وسقاية العباد". وتمثل قناطر الغوري واحدة من أهم المنشآت المائية التي خلفها لنا العصر المملوكي، التى أظهرت خبرات المصريين في العمارة والهندسة الميكانيكية والتعامل مع نهر النيل بمهارة فائقة.
يأتي ذلك قبل بزوغ عصر الميكنة الذي نقل الحياة البشرية من طور إلى طور؛ فإجتمعت في هذه القناطر مجموعة من الخصائص الفريدة، جعلتها مثالا شديد البراعة والإدهاش، بدءا من التخطيط الهندسي المحكم لبرج مأخذ المياه ، مرورا بنظام عمل السواقي النقالة ، وتصميم الآبار وسور المجرى والعقود الحاملة للقناطر، التي أستخدم فى بنائها الحجر الجيري المعروف بقدرته الفائقة على التعامل مع المياه، وامتصاص شوائبها وملوحتها، خصوصا المياه الجوفية.
ويعمل هذا الكتاب على تقديم بانوراما، تسهم في تكوين صورة مكتملة الأركان عن هذه القناطر وظروف ودوافع إنشائها، وأهميتها التاريخية بالنسبة لمدينة القاهرة، وعلاقتها بالنيل.
والكتاب ينظر، في قسمه الأول الذي اضطلع به الكاتب فؤاد مرسي، إلى قناطر الغوري بوصفها حلقة اتصال بين النيل ومدينة القاهرة، مرورا بالوقوف على بقية العناصر المرتبطة عضويا بمجرى العيون وأغراض إنشائه، مثل قلعة صلاح الدين، التي أنشئت القناطر خصيصا من أجل توفير احتياجاتها المتنامية من الماء بعد أن صارت مقرا دائما للحكم .
ويتناول الكتاب الخليج المصري الذي أقيمت القناطر على حافة فمه، مرورا بنظام السقاية الذي اتبعته مدينة القاهرة على مدار تاريخها، قبل منح امتياز ضخ المياه إلى كوردييه فى عهد الخديو إسماعيل، الذي أقام محطة لضخ المياه بالقرب من قصر العيني عند فم الخليج ، راحت تمد أنابيب المياه إلى بعض الأحياء فقلت فائدة الخليج المصري وراحت تلقى به فضلات البيوت المطلة عليه ومياهها القذرة، وتحول إلى بؤرة للأمراض.
وفي الجزء الثاني، يستعرض الكتاب التكوين الهندسي للسور وتقنية بنائه وتصميم آباره وسواقيه، والظروف التاريخية التي أحاطت بإنشائه ورحلة حياته منذ إطلاق العمل به ، حتى توقفه وتعرضه للإهمال والتعديات المستمرة التي انتهكت قيمته.
ويوضح الكتاب أن وزارة الثقافة أعادت إحياءه كأثر من جديد وإنقاذ ما تبقى منه، ضمن مشروع القاهرة التاريخية الذي نهضت به مع نهايات القرن العشرين ، وقام على كتابة الجزء الثاني الدكتور عماد عجوة، والباحث الأثري جمال مصطفى.يذكر أن هذه الطبعة سوف تصدر بلغتين "العربية والإنجليزية" داخلنفس الكتاب، كما يحتوى على بعض الصور التوضيحية لسور مجرى العيون.