قبل يومين رفضت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة التصريح لمتنصر يدعى ماهر أحمد المعتصم بالله الجوهرى بكتابة كلمة «مسيحى» فى أوراقه الثبوتية، وتتكرر هذه الصورة من آن لآخر تارة مع المتنصرين وأخرى مع البهائيين، وتزداد الصورة قتامة عندما نقرأ عبر وسائل الإعلام عن التنصر بشكل «مستفز»، يثير حفيظة الكثيرين، الذين قد يندفعون ويشمرون السواعد «ويقومون بالواجب» كما فعلوا مع البهائيين وحرقوا منازلهم! ويرى البعض أن المتحول «مرتد» يجب أن يقتل، استنادًا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : «من بدَّل دينه فاقتلوه»، بينما يرى دعاة الحرية أن التحول ليس إلا حرية عقيدة، استنادًا إلى قوله تعالى: «لا إكراه فى الدين».. وما بين الفريقين يحار الكثيرون، ولكن علماءنا اليوم، يضعون نقاطا مستنيرة فوق الحروف الملتهبة بالتعصب، يحددون أسباب التحول، مؤكدين أن حرية الاعتقاد مكفولة، بشرط عدم إثارة الفتنة، ف «لا إكراه فى الدين»..والإسلام ليس فى حاجة لغثاء السيل، ولا المنافقين. الدكتور نبيل عبدالفتاح الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية يلخص أسباب التحول الدينى فى مصر فى قضايا الأحوال الشخصية، سواء بحثا عن الطلاق كما يحدث مع الاقباط، أو الارتباط بمشاعر والزواج من مختلفى الديانة، كما تأتى الإغراءات المالية،كأحد الأسباب،حيث تلجأ قلة إلى السفارات الاجنبية وتتحول للمسيحية وتطلب اللجوء للخارج، وهؤلاء بحسب عبدالفتاح يعودون ويتخذون من الدين مطية، وتعد «خشبية» الخطاب الدينى سواء الإسلامى أو القبطى من الأسباب الفرعية فى التحول. وأشار إلى أن ما يصاحب عملية «التنصر» من «شو إعلامى» فى ظل التزمت الدينى الراهن يؤدى إلى إثارة انفجارات تمس وحدة المجتمع، مطالبا بالتوقف عن بث مثل تلك المشاهد والبرامج، وتطبيق الميثاق المهنى حفاظا على الوطن، وإجراء بحوث متعمقة حول أسباب التحول. أما الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الازهر فيرصد مجموعة أخرى من أسباب التحول المرضية، التى يراها ناتجة عن خلل فى كيمياء المخ، أو إحساس الشخصية بعدم التوافق مع البيئة المحيطة ومحاولة إيلام من حوله، وكذا الشخصيات «الهستيرية» التى تبحث عن جذب الاهتمام بأى طريقة، ومنها تغيير الدين فتتبنى أعمالا مدوية للفت نظر الجماهير كمن يدعى أنه «المهدى المنتظر»، والشخصيات متقلبة المزاج، ومرضى «الزهام» أو الفصام ،مشيرا إلى أن بعض المتحولين تتكون لديهم قناعات فكرية حقيقية باختيار دين دون الآخر. المتحول يدعو غيره لكن هل يؤثر المرتد على المجتمع، بمعنى أدق هل سيدعو غيره لاتباع دينه الجديد؟. الدكتور ياسر العدل الأستاذ بجامعة المنصورة يقول إن هذه القضية ترتبط بثقافة الفرد نفسه وواقع الثقافة المجتمعية السائدة. فعامة الناس ترى الدين باعتباره إحدى الوسائل اليومية للتعامل مع الحياة بشكل يؤدى لمنافع مباشرة،وهذه لا تنشر دينها الجديد، إن تحولت، وهناك مستوى آخر هو مستوى الخاصة من الأفراد، وهؤلاء يندفعون إلى حالة من العزلة الاجتماعية، أما الأخير فهو مستوى خاصة الخاصة من الأفراد، ويكون التحول الدينى فى هذا المستوى بمثابة هدف معرفى كبير يسعى فيه الفرد لنشر الدين الجديد بين الآخرين. أما الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين فيرى أن مناط محاسبة المتحول هو ما يعلنه جهرة بلسانه أو قلمه أو فعله، وهو ما يكون كفرا بواحا صريحا لا مجال فيه لتأويل أو احتمال. ويضيف «ومهما يكن من جرم المرتد فنحن لا نشق عن قلبه، ولا نقتحم عليه بيته فى غفلة منه، ولا نحاسبه إلا على ما يعلنه»،فالتحول الدينى ليس موقفا عقليا، بل هو أيضا تغيير للولاء، وتبديل للهوية، وتحويل للانتماء.. والإسلام لم يكره أحدا على اعتناقه، ولا على الخروج من دينه إلى دين ما، لأن الإيمان المعتد به هو ما كان عن اختيار واقتناع..ويجب استتابة المرتد للأبد، أى طوال عمره. المرتد المجاهر يعاقب ويشير الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر إلى أن الحكم بالردة مرتبط بإثارة الفتنة، فالمجاهرون المسيئون للإسلام «لن نسمح لهم بإهانة ديننا»، ويجب أن تطبق عليهم العقوبة حماية لهوية المجتمع وحفاظا على أسسه ووحدته، فلا توجد دولة أو مجتمع إلا ويرتكز على أساسيات لا يسمح بالنيل منها، مثل: الهوية والانتماء والولاء، فلا يقبل أى عمل لتغيير هوية المجتمع أو تحويل ولائه لغيره، ويعتبر هذا خيانة عظمى للوطن.. فما بالنا بالدين؟،ولذلك فإن البهائى والمتنصر الذين لم يسيئوا للاسلام ولم ينشروا الفتنة فلا شأن لنا بهم، أما إذا أيقظوا الفتنة وأساءوا للدين فالعقوبة هى الرادع. «من بدَّل دينه...» ويرى الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامى المعروف أن فكرة الارتداد كنوع من ممارسة حرية العقيدة كانت مستبعدة فى تقدير الفقهاء والبعض منهم فرق فقط بين القبض على المرتد قبل أن يجاهر بالمحاربة أو بعدها، فالعقوبة على ما يقترفه المرتد من حرب أو خيانة للبلاد، ومن هنا فإن الجريمة تكون «الخيانة العظمى» وليست الردة.. وقال إن هذه هى الطريقة الوحيدة التى تمنع أن نقع فى تناقض حين نقرر قتل المرتد حدا، ونقرر فى الوقت نفسه حرية العقيدة، التى كفلها الإسلام بقوله تعالى: «لا إكراه فى الدين». حتى الاستتابة مرفوضة ولأن القتل ممنوع فالاستتابة يراها فقهاء مثل القرضاوى حلا وسطا، بل يرى أن تظل الاستتابة «أبدا»، أى يحاول العلماء من آن لآخر أن يقنعوا المرتد بخطأ ما ذهب إليه، وأن يتوب ويعود، وفى الفقه الإسلامى آراء أكثر قسوة ترى أن يستتاب المرتد لمدة 3 أيام فإن لم يعلن توبته يقتل!، لكن الكاتب جمال البنا يرفض الاستتابة، ويقول إن «الاستتابة للرجال كبيت الطاعة للنساء»، فإذا رفضها المرتد، وفضل أن يُقتل فى سبيل رأيه فإن هذا الموقف سيجعله شهيدا من شهداء حرية الرأى، ولذلك فتركه وحاله أولى. ويرى المفكر الإسلامى طه جابر علوانى أن عقوبة الردة أخروية، وأن الحساب عليها خاص بالله عز وجل لا يجاوزه إلى سواه، وقال إن كل الآيات القرآنية تتوعد المرتد بالعقاب الأخروى فقط دون ترتيب عقوبة دنيوية، وأن أمر التوبة عن الردة والرجوع عنها بعد السقوط فيها وقبولها أو عدم قبولها شأن إلهى بين الله وعباده لا شأن للحاكمين أو غيرهم فيه. إذن، فلندعهم وشأنهم، فالإسلام فى غنى عمن يكفر به، بشرط عدم إثارة الفتنة، ومنع «الشو» الإعلامى.