انتقدت استاذة الصحافة بكلية الاعلام الدكتورة عواطف عبدالرحمن نظام الاعلام العالمى الراهن، ووصفته بانه يتسم بالخلل وأوجه التفاوت الخطير سواء على المستويات القومية أو الدولية والتى تتمثل فى الانسياب غير المتوازن للمعلومات والذى يتدفق من المراكز إلى الاطراف ومن الحكومات الى الافراد ومن الثقافة المسيطرة الى الثقافات التابعة ومن الدول الغنية الى الدول الفقيرة فى الجنوب . وقالت استاذة الصحافة بكلية الاعلام فى ندوة " الثورة والدستور فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر " انه رغم حرص جميع النظم الديمقراطية والشمولية على تأكيد ضمانات دستورية لحرية الصحافة الا ان هذه الضمانات غالبا ما تناقضت مع النصوص القانونية والممارسات الاعلامية لحرية الرأى والتعبير ، مما يؤكد ان الدساتير لا تصنع الحريات وانما الحرية هى التى تصنع الدساتير .
وأكدت عبد الرحمن على أن المتتبع لتاريخ التشريعات الصحفية فى مصر يلاحظ جنوح المشرع المصرى الى الاخذ بالمنهج الجنائى فى التعامل مع جرائم الصحافة والنشر حيث توالت القوانين وتعديلاتها فى مختلف العهود بفلسفة عقابية تبقى على رصيد القوانين القديمة وتضيف إليها بتغليظ العقوبات واستحداث جرائم جديدة بعبارات غامضة ومطاطة تستهدف فى الاساس إرهاب الصحفيين وردعهم والحيلولة دون قيام الصحافة بواجبها فى التصدى للفساد والاستبداد.
وأوضحت أن الدساتير العربية اجمعت على أن حرية الصحافة مكفولة فى حدود القانون وتضمنت الدساتير المصرية المتتابعة القواعد المنظمة لحرية الصحافة، حيث نصت المادة 15 من دستور 1923 على أن الصحافة حرة فى حدود القانون، والرقابة محظورة وانذار الصحف او وقفها او الغائها بالطريق الادارى محظور كذلك، الا اذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعى.
وأشارت الدكتور عواطف عبدالرحمن استاذة الصحافة بكلية الاعلام إلى توسع المشرع الدستورى فى فرض الضوابط على حرية الصحافة ، وبوجه خاص فى الدساتير التى صدرت بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، الامر الذى يمثل تراجعا عن الحرية التى شهدتها الصحافة المصرية خلال الحقبة الليبرالية خلال الفترة من 1924 وحتى 1952 .
كما أشارت إلى انه اذا كان دستور 1923 قد قيد حرية الصحافة وقاية للنظام الاجتماعى مستندا اليه كذريعة للرقابة على الصحف وانذارها، ووقفها، والغاؤها فان الدساتير التى اعقبته استحدثت قيودا جديدة تحت مسميات مختلفة مثل مصالح الشعب وسلامة البناء الوطنى والنقد البناء والطوارى والسلامة العامة والامن القومى،وسلامة الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعى ، بينما خلت دساتير ما بعد الثورة تنظيمات تعكس رغبة السلطة السياسية فى فرض هيمنتها على الصحافة مثل الاتحاد القومى، والاتحاد الاشتراكى، ومجلس الشورى، والمجلس الاعلى للصحافة.
واستعرضت الدكتور عواطف عبدالرحمن فى الندوة تاريخ حرية الصحافة فى مصر، وارتباطها بالحركة الوطنية المصرية ، وحدوث اول مظاهرة شعبية ضمت عشرة آلاف متظاهر يوم الجمعة 26 مارس 1909 للاحتجاج على اعادة قانون المطبوعات وتجددت المظاهرات يوم الاربعاء 31 مارس ثم الخميس اول ابريل 1909 احتجاجا على تفاوض حكومة بطرس غالى مع "تيودور هرتزل" حول تهجير اليهود الى سيناء ومد مياه النيل اليها ، وحتى توالت التشريعات المقيدة للحرية والمغلظة للعقوبات فى عهد حكومات أحمد زيور (1925) وإسماعيل صدقى (1930) ومحمد محمود (1928) وعندما تقدم أحد النواب عام (1951) بمشروع قانون استهدف تقييد نشر أخبار القصر الملكى نشطت الافلام الوطنية والاصوات الحرة داخل البرلمان لاسقاط هذا المشروع.
واضافت الدكتور عواطف عبدالرحمن استاذة الصحافة بكلية الاعلام انه فى عهد حكومات ثورة يوليو تجددت الازمات بإلغاء الاحزاب وتوقف صحفها عام 1953 وفرض الرقابة على الصحف وتولى ضباط الجيش مسئولية المؤسسات الصحفية ثم تأميم الصحف من خلال قانون تنظيم الصحافة رقم 156 لسنة 1960 ونقل الصحفيين الى مؤسسات لاعلاقة بها بالعمل الصحفى خلال السنوات 1964 و 1966 و 1973 و 1981 " .
و قالت إنه رغم " أن السادات قد بادر بإلغاء الرقابة على الصحف فى إطار التحول الى التعدد الحزبى وعودة الصحافة الحزبية بعد توقف دام قرابة الربع قرن فإنه لم يحتمل حرية الصحافة طويلا فواجهها بسلسلة من القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات حتى بلغت الازمة ذروتها بإجراءات سبتمبر 1981،.
ونوهت بان " الثمانينيات والتسعينيات شهدتا هامشا أوسع من حرية الصحافة تخللته فترات توتر وصدام ورغبه فى تحجيم هذه الحرية عبر عنها القانون 93 لسنة 1995 والذى أثار أزمة سياسية ودستورية امتدت لعام كامل شهدت أروع ملحمة من النضال من أجل حرية الصحافة إلتأمت فيها وحدة الصحفيين بمختلف أجيالهم وتياراتهم واتجاهاتهم لتنتهى الازمة بسقوط القانون 93 لسنة 1995 وانتصار حرية الصحافة" .
وقالت الدكتور عواطف عبدالرحمن إن الصحافة المصرية توارثت رصيدا ضخما من القوانين بلغ مايقرب من 184 قانونا وتعديلا صدر معظمها فى ظروف استثنائية لمواجهة صحف بعينها وصحفيين وكتاب بعينهم ، واردفت " إذا استبعدنا القوانين الملغاة يتبين أن الاطار القانونى الراهن للصحافة المصرية يتضمن 22 قانونا.
وقالت انه فى ضوء هذه القوانين تتعدد الجهات التى تتعامل مع الصحافة سواء بمنح التراخيص والموافقات أوبتنظيم تدفق المعلومات وحظرها أو بالتأديب والمساءلة الجنائية والسياسية ومن بين هذه الجهات مجلس الشورى والمجلس الاعلى للصحافة ونقابة الصحفيين ووزارات الاعلام والداخلية والعدل والمخابرات العسكرية والقضاء العادى ومحاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية وجهاز المدعى الاشتراكى وجهاز الكسب غير المشروع ومصلحة الشركات والاتحاد العام للتعاونيات.
وأضافت انه فى إطار تكامل حلقات التشريع وتداخلها تبرز عدة حقائق أولها ، سيادة المنهج الجنائى والفلسفة العقابية فى كافة العهود الخديوية والملكية والجمهورية وثانيهما التطور المعاكس لحركة التاريخ والتطور الديمقراطى حيث تدرجت معظم التشريعات من المنح إلى المنع ومن المرونة إلى التغليظ وثالثهما حرص المشرع المصرى على الابقاء على التراكم التشريعى المقيد والمعوق لحرية الصحافة دونما مراعاة لطبيعة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى شهدتها مصر على امتداد القرنين التاسع عشر والعشرين.