رغم أنه الفنان التشكيلى الأغنى والأغلى فى العالم بين كل أقرانه الأحياء، فقد أكد داميان هيرست أنه مازال على قناعته بأن الفن أقوى وأكثر أهمية من المال . وقالت صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية، إنه من المقرر أن يفتتح معرض كبير لهيرست فى شهر إبريل المقبل بلندن، وهو الذى ذهب من قبل إلى أن اللوحات التشكيلية التى توضع فى المتاحف لابد وأن تكون لفنانين رحلوا عن هذه الحياة الدنيا .
والمعرض المنتظر لهيرست الذى سيقام فى قاعة "تيت مودرن" اللندنية أقرب لخارطة لحياته الثرية كفنان يشكل نسيجا وحده وسيجمع هذا "المعرض الاستعادى" بين أشهر روائعه وأعماله الأولى فى مرحلة البدايات.
ومن الغريب أن داميان هيرست البالغ من العمر 46 عاما بدا فى مقابلته مع "الاوبزرفر" مشغولا ومهموما بقضية الموت بعد أن فقد بعض أعز الأصدقاء وأحدهم وهو أنجيوس فيرهورست الذي انتحر عام 2008 ، فيما يعتبر أنه بلغ سنا لم يعد يليق معه أن يملأ العالم صياحا واحتجاجا كما كان يفعل من قبل .
وفى عام 2007 رصع داميان هيرست جمجمة من القرن الثامن عشر بأكثر من ثمانية آلاف حبة الماس كتأمل جذرى احتجاجى على تفاهة الحياة، فيما بيع هذا العمل بمائة مليون دولار أمريكى.
ورأى هيرست فى سياق مقابلته مع "الأوبزرفر" أن مدرسة الفن التصورى قد انتهت تماما ولم تعد نظرياتها مجدية كأنما يمنح شرعية لشغفه الفريد بالألوان واستخدامه لها كقيم مختلفة فى حد ذاتها وهو الفنان الذى يعمد لابتكار حدث فنى كل عام تقريبا .
وباتت أعمال هيرست على مدى ال 25 عاما الأخيرة بمثابة علامة النبوغ والتفرد المسجلة فى سوق الفن وقد أثر فى جيل بأكمله من شباب الفنانين الموهوبين الذين ظهروا فى بداية العقد الأخير من القرن الماضى .ولم يخف داميان هيرست فى مقابلته مع صحيفة "الأوبزرفر" شعوره بالفخر حيال منجزه الفنى على مدى 25 عاما فيما ذهب إلى أنه يشعر بالحيرة أحيانا عندما يطرح السؤال: "كيف حدث كل ذلك؟" .
ومن الطريف أن الصحيفة البريطانية الشهيرة اعتبرت من جانبها أن هذا السؤال بدوره لابد وأنه يؤرق حساد داميان هيرست ومنافسيه فى عالم الفن الذين يستبد بهم العجب وهم يرون الفتى القادم من بيئة عمالية فقيرة فى مدينة بريستول وقد أصبح أغنى فنان تشكيلى على قيد الحياة فى العالم وقدرت ثروته منذ نحو عامين ب 215 مليون جنيه استرلينى .
ورأت صحيفة "الأوبزرفر" أن إجابة سؤال كهذا لابد وأن تكون طويلة ومعقدة بقدر ما هى مرتبطة بشدة بالتحولات الجذرية فى الثقافة على مدى ال 25 عاما الأخيرة سواء على مستوى بريطانيا أو على مستوى العالم قاطبة ومولد نوع جديد من "ثقافة الجاليرى". وفيما تشكل معارضه حدثا فنيا وتباع أعماله بأعلى الأسعار فى أشهر مزادات الفن واعرقها، يتعرض داميان هيرست لاتهامات من فنانين ونقاد بشأن ميوله التجارية والربحية بل اعتبره البعض علامة على تسليع الفن رغم قناعته بأن الفن أقوى من المال .
ويقر كثير من خصومه بأنه صاحب مفردات صادمة ابتكرها على وجه الخصوص فى بداية مشواره، غير أنهم يشككون فى القيمة الفنية لبعض أعماله اللاحقة ذات الطابع الاستعراضى، مؤكدين من جديد أن هذه الأعمال التى تباع بأسعار خيالية تعكس براعته التجارية وفهمه لحركة السوق وعلاقاته الوثيقة بالمتحكمين فى سوق الفن . غير أن تاريخ الفن حافل بفنانين كبار حققوا المجد الفنى والثراء المادى معا مثل بيكاسو وديور ولوجريكو وتيتيان وكوربيه .
أما داميان هيرست ذاته فقد ذكر للصحيفة أنه كان منذ طفولته يطمح لأن يكون شخصا مميزا وكبيرا ولكن ليس الأكثر تميزا والأكبر على الاطلاق، معتبرا أن لكل شخص الحق فى تحديد النجاح حسب معاييره ومعطياته الخاصة .لكن الأمر المؤكد كما تقول "الأوبزرفر" أن داميان هيرست ماض فى رحلة الألوان والفن والحياة ولاشىء يمكن أن يثبط همته فى العمل وكلما سطع نجمه تعرض لمزيد من الهجاء وهجمات أشد وهذا حال الدنيا .