فى اتجاه كلية طب جامعة عين شمس تسير ماريان وشيماء وغادة وهن يتحدثن عن أزمة المرور وصعوبة المواصلات العامة، ولا تعبأ أى منهن، كما قلن، بالجدل الدائر حول الرئيس القادم، وما إذا سيكون «توافقيا» يحظى بدعم المجلس الاعلى للقوات المسلحة والاخوان المسلمين، وربما السلفيين وبعض الأحزاب السياسية، أو ما إذا سيكون «مستقلا» يطرح نفسه على الشارع المصرى ويقدم برنامجا انتخابيا يقنع به الناخبين يوم التصويت. الفتيات الثلاث، من سكان أحياء الطبقة المتوسطة الصغرى فى القاهرة، شددن على أن الرئيس القادم فى كل الأحوال «سيكون لزاما عليه ان يتحرك بسرعة للتعامل مع الكثير من المشاكل المتراكمة والمتفاقمة بما فى ذلك: المرور واحوال المواطنين المعيشية، والتعليم الجامعى على رأسها حسبما اتفقن، ومصير الشباب الذى يمضى سنوات طويلة فى التعليم بمراحله المختلفة ليجد جنيهات قليلة فى انتظاره بعد التخرج.
ماريان، المصرية القبطية، غير منزعجة، بل غير مهتمة حسبما قالت من احتمال أن يكون الرئيس القادم من اتجاهات الاسلام السياسى، «انا عارفة ان دى حاجة ممكنة، لكن ما افتكرش ان ده هيفرق كتير مع اوضاع الأقباط فى مصر لأن الأوضاع أصلا سيئة، وكمان يمكن العكس يكون صحيح، يعنى لما يكون الرئيس من التيار الإسلامى يحاول يأكد انه غير منحاز ضد الأقباط ويعمل بعض الإجراءات لتحسين الاوضاع شوية».
الإجراءات التى ترى ماريان ان الرئيس القادم يمكنه من خلالها تحسين أوضاع الاقباط فى مصر ليست بالعسيرة، فهى تريد إجراءات واضحة لبناء وترميم الكنائس فى مصر وتريد حقا واضحا لاى مصرى، بما فى ذلك الاقباط، فى الوصول لاى وظيفة على اساس الكفاءة المهنية وألا تكون الديانة معيارا للترقى الوظيفى ولكن الالتزام فى العمل. «وانا ما يهمنيش مين اللى هيعمل كده، وانا طبعا عارفة انه عمره ما هيكون فى مصر رئيس مسيحى لأننا مش فى وضع نقرر ننتخب فيه الرئيس على أساس برنامجه وليس على اساس ديانته».
شيماء وغادة، مسلمتان ترتديان غطاء للرأس وملابس بأكمام طويلة، على العكس من ماريان لا تريدان إسلاميا لحكم مصر لأن فى ذلك، بحسب رأيهما، خشية على أوضاع المرأة فى مصر.
«يعنى أنا مش داخلة كلية الطب علشان بعد كده اقعد فى البيت ومش عايزة ضرورة أكون طبيبة اطفال أو (أمراض) نساء.. لو الرئيس كان واحد زى (المرشح السلفى المحتمل حازم ابو إسماعيل ممكن بعد شوية يقول الستات الدكاترة يشتغلوا فى مجالات معينة بس،» هكذا تقول شيماء التى تعتقد فعليا أن ابوإسماعيل لديه فرصة حقيقية فى أن يفوز بالانتخابات لأن «فى ناس كتير جدا عارفاه وفى ناس كتير جدا بتقول إنه بيتكلم كويس وعنده أفكار كويسة وإنه بتاع ربنا».
شيماء التى ترى انه من المهم بالتأكيد أن يكون الرئيس متدينا «لأن دى حاجة كويسة عموما ومعناها انه هيراعى ربنا فى الشعب» لا ترى ان ذلك يعنى بالتبعية ان يكون الرئيس له انتماءات لأحد اجنحة تيار الإسلام السياسى، كما أنها لا ترى فى اى من المرشحين الرئاسيين المحتملين الرئيس الحلم، مؤكدة أنها لم تكن لتصوت لمحمد البرادعى، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى يرتبط اسمه بدعوة التغيير وإسقاط نظام حكم الرئيس المتنحى حسنى مبارك.
قالت شيماء واتفقت معها غادة، أيضا، إن «الرئيس القادم سيكون فى الارجح عمرو موسى، الامين العام السابق لجامعة الدول العربية»، لأنه، حسبما قررت غادة: «فى ناس كتيرة جدا عارفاه وممكن تديله صوتها على الاساس ده».
طالبات الطب الثلاث اللاتى تحلمن بمستقبل افضل لهن ولاسرهن اتفقن على أن الخيار سيكون بين موسى وأبوإسماعيل، والمهم هو ضمان التزام الرئيس القادم أيا من كان بوضع مصالح الشعب نصب عينيه.
محمود وهاجر..ممكن موسى وممكن أبوالفتوح
فى محطة قطار القاهرة، يسير محمود، الموظف الثلاثينى إلى جوار زوجته هاجر، بعد أن وصلا من أسيوط لزيارة لبعض الأقارب، يتحدثان عن صعوبة إيجاد سيارة تاكسى تقلهما إلى وجهتهما فى الهرم، بالجيزة، الجرائد اليومية الثلاث، التى يحملها محمود معه، والتى يقول انه طالعها خلال رحلة القطار، توشى مباشرة باهتمام بالشأن العام ومتابعة للاحداث اليومية.
فى رده على سؤال حول توقعه لمن سيكون الرئيس القادم، انتقد محمود التغطية الصحفية لنشاط مرشحى الرئاسة المحتملين «لأن الصحف اليومية تتحدث بإسهاب عن تفاصيل نشاط المرشحين المحتملين دون ان توضح للقارئ، حسبما يقول، طريقة تفكير هؤلاء المرشحين المحتملين ولا ما يمكن ان يقدموه للشعب المصرى عدا ما ينشر من تصريحات على لسان المرشحين المحتملين من خلال المؤتمرات والجولات الصحفية التى يقومون بها.
«صعب ان الواحد يقرر من خلال قراءة الجرائد مين يقدر يعمل ايه، لكن من خلال متابعة الجرائد ممكن الواحد يقدر مين عنده تواجد وحضور ومين لأ،» يقول محمود وتتفق معه هاجر بإيماءة ايجاب من الرأس.
«طبعا عمرو موسى عنده تواجد كبير والراجل ده كل يوم فى مكان وكل يوم بيتكلم مع الناس ويتواصل معاهم، كمان الدكتور (عبدالمنعم) ابوالفتوح (العضو المنشق عن جماعة الاخوان المسلمين وصاحب التاريخ السياسى الطويل) له تواجد، غير كده ما اقدرش اقول ان فى حد له تواجد».
وعلى هذا الاساس قرر محمود أن الرئيس القادم سيكون أحد الاثنين: موسى أو أبوالفتوح.
أما هاجر فتختلف قليلا حيث انها لا تجد لابوالفتوح فرصة حقيقية بين «الناس اللى مش بتقرا الجرائد كل يوم زى محمود، لكن الاكيد ان كل الناس عارفة عمرو موسى كويس، يعنى لو سألتِ اى حد مين عمرو موسى هيعرف».
وهاجر، التى تعمل مدرسة بمدرسة ابتدائية، لا ترى فى أن موسى عمل وزيرا للخارجية فى عقد التسعينيات وقت أن كان مبارك رئيسا، يمكن أن يثير الحفيظة ضده لدى جموع الناخبين، وقالت: «ممكن فى ناس بتفكر كده لكن دول مش الاغلبية، مش الناس العادية يعنى، الناس عموما بتفكر فى انها تختار الاصلح حتى لو كان اشتغل مع مبارك، مش هى دى اهم حاجة دلوقتى، اهم حاجة اللى يقدر يعدل الاوضاع».
والمطالب الرئيسية التى يرى محمود وزوجته هاجر ان الرئيس القادم، سواء كان موسى او ابوالفتوح او غيرهما، عليه ان يعنى بها تتعلق بالاساس بتحسين اوضاع المعيشة، فالناس، حسب رأى الزوجين الذين ينتظران اول مولد لهما خلال اسابيع قليلة، قامت بالثورة لانها كانت يائسة من تحسن الاوضاع ومن شيوع الفساد والمحسوبية وبالتالى فالرئيس القادم عليه ان يثبت قدرة وفعلا، كما يتفقان، على مواجهة هذه المشاكل.
بمعنى آخر فإن محمود وهاجر غير معنيين بالخلفية السياسية للرئيس القادم، وما إذا كان من الاسماء المرتبطة بانطلاق الثورة فى 25 يناير من العام القادم ام لا؛ لأنهما ايضا لم يشاركا بصورة مباشرة فى الثورة حتى لو كانا داعمين لها.
«المهم اللى جاى ده هيقدر يعمل ايه، وهيقدر يعمل حاجة كويسة بجد ولا هنكرر قصة مبارك ويقعد يقول لنا اعدكم وانا تاريخى كذا وبس على كده».
مصطفى ومحمود وبدر.. أبوإسماعيل أو العوا
الرئيس القادم سيكون بالضرورة من التيار الاسلامى، شاء من شاء وأبى من أبى، بحسب رأى مصطفى ومحمود وبدر، اللذين يعمل اثنان منهم سائقين فى احدى شركات النقل بين المحافظات فى حين يعمل الثالث نادلا فى احد مقاهى الاسكندرية.
تتراوح أعمار الرجال الثلاثة بين نهاية العشرينيات ومطلع الاربعينيات، وغير معنيين بالهوية السياسية للرئيس القادم مثلما لا يهتمون، أيضا، بما إذا كانت له خلفية عسكرية أو لا، لأن بيت القصيد بالنسبة لهم هو تحسين الاوضاع الاقتصادية.
«المعايش صعبة والواحد ساعات يقول يا ريت مبارك كان فضل قاعد احسن من كده»، هكذا يقول مصطفى.
ويستبعد مصطفى ومحمود أن يأتى الرئيس القادم من غير الاسلاميين لأن المساجد، حسبما يقرران، معبأة بالدعوات سواء من الشيوخ او حتى من بعض الرواد الدائمين بالتأكيد على المصلين بضرورة ان يمنحوا صوتهم الانتخابى لاحد المرشحين الاسلاميين.
وقال بدر إن شيخ المسجد الذى يرتاده فى احد الاحياء الفقيرة للاسكندرية يحث المصلين صراحة على التصويت لأبوإسماعيل، فى حين تحدث مصطفى ومحمود عن دعوات فى بعض المساجد التى يرتادانها سواء فى الاسكندرية او فى محافظات اخرى خلال فترة عملهما عن دعوات للتصويت لمحمد سليم العوا، المحامى الاسلامى.
الرجال الثلاثة مقتنعون، حسبما قالوا ل«الشروق»، ان الصوت الانتخابى لابد وان يكون من نصيب احدهم، «ربنا يولى من يصلح سواء كان ده او ده، احنا طبعا ناس مسلمة ولازم كده ولا كده هننتخب اللى يمشى بكلام ربنا،» هكذا يقرر بدر.
حنان وسها.. لا موسى ولا شفيق وممكن أبوالفتوح أو أى حد جديد يطلع باتجاه محطة مترو الشهداء، التى كانت تحمل حتى يوم ليس ببعيد اسم مبارك، تسير حنان وسها ليستقلا مترو الانفاق باتجاه المعادى حيث تلتقيان مع مجموعة من الفتيات والشباب الذين يشتركون فى الاعداد لمعرض للوحات الزينية.
فى نهاية العشرينيات من العمر، تتحدث حنان وسها بحماس عن ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تعنيه لجيلهما وما يجب ان تعنيه لمصر كلها: «الثورة دى ما حصلتش علشان فى النهاية يكون الرئيس القادم موسى أو (أحمد) شفيق (آخر رئيس وزراء لمبارك قبيل تنحيه)، الثورة قامت علشان يكون فى نظام جديد بالكامل وهنعمل ايه لو جبنا واحد كان بيشتغل مع مبارك،» تقول سها. ولا تهم سها كثيرا كما لا تهتم حنان بالقدرات السياسية او الخبرات التى قد يتمتع بها أى من المرشحين.
«مش مهم، لما موسى كان وزير خارجية كنا بنقول راجل كويس، ما حدش قال حاجة، وشفيق يمكن كمان يكون راجل كويس برده ما حدش قال حاجة لكن انا عملت ثورة ليه، عملت ثورة علشان اجيب واحد اشتغل مع مبارك، طبعا لأ،» هكذا تقول حنان.
سها وحنان لا تريان أنهما فى الاقلية المحدودة فى المجتمع المصرى، ولديهما قناعة انه فى النهاية فإن الناخب المصرى لن يعطى صوته لرجل كان بصورة أو أخرى جزءا من نظام مبارك، ولهذا فإن أبوالفتوح ستكون لديه حظوظ جيدة لأنه كان دوما من المعارضة ولأنه يقدم، حسبما تقولان، طرحا سياسيا يمكن أن يقنع ناس كثيرة.
«فى ناس كتيرة بتقول ان الرئيس هيكون اكيد موسى او شفيق لكن انا اراهن انه لأ، وكمان ممكن اراهن ان ابوالفتوح عنده فرص كويسة جدا لانه مش بس هياخذ أصوات من الإسلاميين لكن كمان هياخذ أصوات كانت هتروح للبرادعى»، تضيف سها.
المهم عندما يتم انتخاب أبوالفتوح، حسبما تتوقع سها وحنان، أن يسارع باتخاذ حزمة من الإجراءات لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأن ده هو الهم الحقيقى للناس فى عمومها.