فى عام 2004، تحدثت الايكونوميست، أحد أبرز الاصدارات المعبرة عن رؤية مجتمع الأعمال الدولى، عن «لوبى جمال مبارك»، الذى يسعى من داخل نظام مبارك الأب لدفع التغيير، ويتعرض لمقاومة قوية من «القوى الرجعية» فى الحزب الوطنى، وفى عام 2012، اعتبرت المجلة الاقتصادية المتخصصة أن نظام مبارك كان مثالا ل«رأسمالية المحاسيب». ولم تهتم الكثير من المقالات الاقتصادية الدولية بتحديد المسئولين عن هذا النهب، الذى شهده هذا الحكم، وبإعادة تقييم فريق جمال مبارك وسياساته فى التحرر الاقتصادى التى قادت الى الثورة، ولكنهم أصبحوا يتحدثون كثيرا عن قوى الإسلام السياسى، خاصة بعد حصادهم لنحو 70% من مقاعد البرلمان، فهل يصبح تيار الاسلام السياسى الصديق الأقرب لمجتمع الأعمال الدولى فى مصر بعد الثورة؟ «المدافع القوى عن الاصلاح فى مصر»، كان ذلك وصف وزير مالية آخر حكومات مبارك، يوسف بطرس غالى، فى حوار منشور على موقع قناة «سى إن إن» الأمريكية عام 2006، ضمن العديد من الألقاب التى حصدها أحد أبرز رجال حكومة أحمد نظيف خلال فترة توليه منصبه، كتلقيبه بأفضل وزير مالية فى الأسواق الناشئة لعامين على التوالى، 2005 و2006، واختياره كأول وزير مالية من الأسواق الناشئة رئيسا للجنة السياسات بصندوق النقد الدولى عام 2008.
ومع اختفاء غالى ومجموعة جمال مبارك تماما عن المشهد بعد ثورة يناير، وصعود قوى الإسلام السياسى، بدأت العديد من الإصدارات الدولية تسلط الضوء على بعض الرموز الاقتصادية فى هذه القوى، والتى كان من أبرزها القيادى بجماعة الاخوان المسلمين « خيرت الشاطر»، الذى وصفه تحقيق لصحيفة الفاينانشال تايمز ب«المدافع القوى عن حرية السوق»، وهو ما قد يعكس رؤية قطاع كبير من مجتمع الأعمال الدولى للشاطر، بل واعتبر تحقيق بصحيفة الواشنطن بوست أن الرؤية الاقتصادية للإخوان قريبة للغاية من رؤية «حزب الشاى الامريكى»، وهو مسمى يطلق على تيار منحاز للسياسات اليمينية اقتصاديا فى الولاياتالمتحدة.
وكان ملفتا للنظر أن يكون رجل الأعمال الأبرز فى جماعة الإخوان المسلمين، التى أسست حزب الحرية والعدالة أكبر الأحزاب المسيطرة على البرلمان المصرى حاليا، من الشخصيات التى تم اختيارها من مصر ضمن تقييمها السنوى لأهم مائة مفكر فى العالم، بسبب عمله على التوفيق بين التيار الإسلامى والديمقراطية، مما يجعل الشاطر يظهر فى عيون مجتمع الأعمال الدولى بالرجل الذى يجمع بين الإيمان بحرية السوق والحريات السياسية، فى مقابل غالى الذى واجهته السى إن إن فى حوارها، عام 2006، بسؤالها «لماذا لا ينتقل الاصلاح من المجال الاقتصادى الى المجال السياسى؟، فرد غالى بإجابة غير واضحة: «لقد انتقل الاصلاح الى المجال السياسى بالفعل ولكن بديناميكية مختلفة».
الشعبية السياسية التى يتمتع بها تيار الاسلام السياسى فى مصر، مع ايمان رموزه بالكثير من قيم حرية السوق التى ينادى بها مجتمع الأعمال الدولى، تجعل منه قوى سياسية جذابة للمؤسسات الاقتصادية الدولية، لثقتهم فى قدرته على كسب تأييد شعبى لتلك السياسات التحررية، بعكس حكومة نظيف التى كانت تطبق أجندة صندوق النقد والبنك الدوليين، ولكن فى ظل سخط شعبى عارم، بسبب تردى الوضع الاجتماعى والإصرار على توريث المنصب الرئاسى لمبارك الابن، لذا بينما كانت مؤسسات مالية مثل ميريل لينش تثنى على طفرات النمو الاقتصادى التى كانت تتحقق فى مصر خلال السنوات الأولى من حكومة نظيف، والتى ولدت أرباحا هائلة للمستثمرين الأجانب، ألحت المؤسسة الأمريكية فى تقرير حديث لها على ضرورة «اعطاء الإسلاميين فرصة» مشيرة إلى اكتساحهم لنتائج انتخاب البرلمان ورضاء قطاعات واسعة من المجتمع المصرى عن تلك النتائج.
إلا أن الحماس لتيار الإسلام السياسى فى مصر من المجتمع الدولى لا ينفى وجود بعض التحفظات، لا تقتصر فقط على مناداة بعض رموزه بفرض قيود أخلاقية على أنشطة مثل تداول الخمور، قد تعوق النشاط السياحى.
ولكن محللين مثل ثيودور ماى، فى مقال على موقع السى إن إن، تساءل عن كيفية تعامل الإخوان مع ملف «الدعم»، من حيث تخفيض ميزانيته لتقليل أعبائه المالية على الموازنة العامة، فى الوقت الذى كان فيه صعود الإخوان معتمدا على شعبية الخدمات التى يقدمونها للجمهور.
فيما قد يراهن آخرون على أن الممارسة السياسية العملية لتيار الإسلام السياسى قد تغير من رؤاهم السياسية، حيث أشار تحقيق فى صحيفة النيويورك تايمز الى ابداء الإخوان مرونة فى المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض ب 3.2 مليار دولار بعد عقود من الحديث عن الاستعمار الغربى والاستقلال العربى.
قد يكون من الصعب الحكم على التوجهات الاقتصادية لتيار الإسلام السياسى، قبل تشكيل حكومة ائتلافية تعبر عن التيار الأبرز فى أول مجلس شعب منتخب بنزاهة فى مصر، الا أن صورة اسلاميى حزب الشاى، التى يغازلها الكثيرين من مجتمع الأعمال الدولى فى الوقت الحالى، قد تضعهم فى اختبار صعب، اذا ما طالبت القوى الشعبية بتطبيق سياسات قد لا يفضلها بعض المستثمرين الأجانب كفرض ضرائب تصاعدية مرتفعة على الدخول العالية، وسياسات أكثر فاعلية لمكافحة الممارسات الاحتكارية، وتوفير الحماية القانونية للتنظيمات النقابية المستقلة التى تنامت بسرعة كبيرة بعد ثورة يناير، فتطلع قطاع من مجتمع الأعمال الدولى الى الاسلاميين كصديق جديد لهم فى مصر بعد لوبى جمال مبارك، قد يكون فى اطار الرغبة فى اعادة السيطرة على مصر من جديد بعد الثورة، والتى تحدث عنها المفكر الأمريكى نعوم تشومسكى فى مقال حديث له بصحيفة الجارديان، والذى اعتبر فيه أن سياسات الولاياتالمتحدة تجاه ثورات الربيع العربى استمرت على نفس الخط قبل الثورة وهو دعم القوى الأسهل فى التحكم فيها.