علاقة مختلفة تلك التى تجمع بين الفنان خالد عبدالله والشارع المصرى طيلة أحداث ثورة يناير وتبعاتها، فعقب فض اعتصام 9 مارس، وجد عبدالله أن هناك فجوة كبيرة بين ما تبثه شاشات الإعلام الرسمى والخاص وما يحدث على أرض الواقع.. ومن هنا فكر هو ومجموعة من الشباب المحترفين والهواة، فى إقامة كيان خاص تحت مسمى «مصرّّين» بهدف دعم الإعلام الشعبى البديل الشاهد الحقيقى على ما يحدث.. خالد ورفاقه يجمعون كل ما يتم تصويره لجميع الأحداث لإعادة بثه عبر قناة تبث عبر «يوتيوب» ليعرف المواطن ماذا يحدث من حوله. يقول خالد عبدالله، الذى غادر هوليوود مفضلا البقاء بالقاهرة للتفاعل مع الثورة: «مصرّين» هو كيان يحاول أساسا دعم الصحافة الشعبية من أجل الضغط على جميع وسائل الإعلام الأخرى فى إظهار الحقيقة، ففى بداية الثورة كانت هناك فجوة كبيرة بين ما يقدمه الإعلام الرسمى والواقع بدليل كل الأشياء التى رأيناها مثل خلو ميدان التحرير أو ما حدث أمام ماسبيرو من تجاوزات ولا شىء يظهر.
والصحافة الشعبية تدعم الصحفى الذى لديه ضمير وقادر على قول الحقيقة، وهذا النوع ليس لديه حدود ولا يخضع لرقابة.
وفى «مصرين» كنشطاء وسينمائيين وأناس عاديين مقتنعون بالثورة تجمعنا مع بعض بعد محاولة فض اعتصام 9 مارس، والتى كان يوجد بها أزمة أن كل واحد بيصور ممكن يعمل مونتاج بمفرده دون مساعدة أحد أى أنه كان عملا فرديا، ونحن نعلم أن هناك مصالح تتحرك وتتحكم فى مجريات الأمور لكن الناس بعد الثورة باتوا مصرون على فعل شىء، وهذا هو سبب الاسم وروح المشروع الذى نقوم فيه بالتوثيق، ونحن جزء من شبكة أوسع من الأفراد المستقلين فلا يوجد أحد له ميول حزبية، ولا نتقاضى تمويلا من أحد، ونحاول توفير مكان ليتقابل به الناس ويعملوا به، وندرب بعضنا البعض على تعليم التصوير مثلا وغيرها من الأنشطة والأدوات التى يحتاجها الصحفى الشعبى لأداء عمله.
ونحن نجمع حاليا أرشيفا مصورا ل25 يناير ليكون أكبر أرشيف للمادة المصورة لتلك الأحداث، والحكاية بدأت عن طريق أصدقائنا فيما سمى ب«خيمة الإعلام» التى كانت موجودة أثناء ال 18 يوما، والتى كانت البذرة الأولى للأرشيف، وبمرور الوقت بدأ بعض الناس يعرفوننا ويستأمنوننا على الأشياء التى صوروها بالإضافة إلى أننا نتيح المادة مجانا لمن يريد استخدامها.. ومن الأشياء التى فعلناها «تحرير سينما» نعرض كل يوم فى الميدان مادة مصورة من الأرشيف للتوعية والمشاركة.
● تحاولون أن تعرضوا للناس وجها آخر للحدث؟ - نعم، نحاول عرض صورة أخرى، ليس هذا فحسب ولكن صورة صورها المواطن بنفسه، فنحن لا نعرض الصور التى أنتجها الإعلام الخاص، ولكن منتج المواطن.. نقوم بتصوير الأحداث ونرفع بعضها على اليوتيوب على القناة الخاصة بنا وهى قناة غير هادفة للربح وزاد عدد المشاهدات عليها حتى وصل لثلاثة ملايين مشاهدة.
● هل فكرت فى قراءة أفكار محركى الثورة أم أن وظيفتك نقل الصورة فقط؟ - لا أعتبر أن نقل الصورة من وظيفة التفكير فى الغد، نحن لسنا حركة سياسية، فالمواطن العادى يفكر فى تأثير ما يفعله اليوم على الغد وليس مطلوبا منه لأن يخطط مثلا لاقتصاد البلد، ولكن عندما يرى الحقيقة ويطلب للشهادة يفعل ذلك، فجزء من فكرة الثورة بالنسبة لى أننا نريد المحاسبة، وهذا من أهم الأفكار اللازمة للغد وجزء من الموضوع توعية ومعالجة وخلق وسائط أخرى لنشر الأفكار.
● أترى أن ماسبيرو وحده مسئول عن مأساة الإعلام أم أن القنوات الفضائية الخاصة أيضا شريكة فى المسئولية؟ - فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء كان الإعلام الخاص يحاول أخذ موقف محايد، ويحاول التحايل مع المجلس العسكرى فى المواقف التى كان من الواضح أنها كانت خاطئة.
● من منطلق المادة التى قمتم بتصوريها.. ما هى نسبة تخلف القنوات الخاصة والحكومية عن ذلك الواقع الذى تم تصويره؟ - على حسب الموضوع، ولكن شعرنا كثيرا أنهم فى وادى ونحن فى واد آخر، فنحن فى الشارع ونرى ما يحدث، وهم على مبان مرتفعة ويصورون من فوقها وبناء عليها يأخذ المسئولون بتلك القنوات القرار والرأى وفق خلفياتهم.
فهناك فرق بين تشكيل الرأى وفق ما تراه أو وفق ما تريد أن تراه فقط من خلال كاميرات.
وأى أرشيف يتم صنعه للتاريخ، ولكن جريمة أن يتم عمله ليوضع فى خزنة، فنحن نحاول أن نستخدم ذلك الأرشيف، والهدف منه أن يوجد منه نسخة فى كل محافظات مصر، وعلى الانترنت، وتكتشف منه الناس أشياء كانت تجهلها، ويخلقوا منه أفلاما، وكذلك أن يصبح من موارد الثورة وهذا شىء مهم.
● وأنت فى قلب الصورة لديك المواطن والثورى والعسكرى والبلطجى والسياسى.. فكيف رأيت كل هؤلاء داخل الصورة؟ - الكاميرا لا تميز بتلك الطريقة، وهناك فرق فى أننا نتحدث من قلب الحدث أو أننا نتحدث عن نوع الحدث نفسه، ففى كل موقف الصورة تتغير، واللحظة الأساسية التى تجعل شخص يخرج الهاتف من جيبه ويقرر التصوير هى لحظة لا يوجد بها تفكير تمييزى، ولكن فيها أن شيئا يحدث أمامى ولابد من تسجيله.
● لو اعتبرت أن هذه عناصر ضمن عمل سينمائى.. فكيف ستوظفها فيه، وما شكل الصورة؟ - الصورة ستمجد الشهداء والثورة، والاثنان ليس لهما اتجاه سياسى واضح، ومن رأيى أنها ستمجد الفقير أيضا، وهذه هى الصورة الأساسية وليس الميل السياسى.
و من الناحية السينمائية، أرى أنه من أجمل الأشياء التى ستفعلها الثورة أنها ستغير السينما المصرية، فلأول مرة منذ سنوات طويلة يحدث أن علاقتك بمن تصوره نابعة من الروح والقلب وليست علاقة مزيفة، فالناس بدأت تبنى علاقة بالكاميرا، وهذه بشرى للسينما المصرية.
● هذا على مستوى الصورة.. فماذا عن الموضوع؟ - الأفلام التسجيلية ستصبح أكثر بكثير عن الروائية، وما زال مبكرا الحديث عن عمل أفلام روائية عن الثورة لأنها لم تكتمل بعد، والأحداث تنقلب.. فمن شرع فى كتابة فيلم بدءا من 11 فبراير سيختلف عمن بدأ فى كتابة فيلم من يوليو، وكذلك فى علاقته بالثورة والمجتمع والتاريخ، وما أخشى منه هو اللحظة التى تتحول فيها الثورة لسلعة وهذا ما حدث مع البعض.
● كيف ترى علاقة السينما المصرية مع جمهورها؟ - شىء يشبه علاقة السلطة مع الشعب والتى لا يوجد بها أى احترام لكن هناك لحظة ستأتى تصبح فيها السينما المستقلة هى الحصان الرابح والتوجه الاساسى، والمعادلة ستتغير والنجوم سيتغيرون أيضا.
● ومن سيمول تلك الأفلام المستقلة؟ - تلك النوعية ستجد من يهتم بها تدريجيا، وأنا لست ضد السينما التجارية إطلاقا لأن السينما يجب أن تغطى تكاليفها، ولكن العلاقة مع الجمهور يجب أن تختلف، فهناك جيل سيضحى من أجل جيل آخر.
● ما مصير فيلمك «آخر أيام المدينة» ؟ - استغرقت 3 سنوات حتى الآن فى عمل الفيلم الذى انتهينا من تصويره فى نوفمبر 2010 وسيتم اطلاقه قريبا.