رئيس جامعة السادات: مشاركتنا بافتتاح المرحلة الأولى من مدينة مستقبل مصر تأكيد لمساهمتنا بجهود التنمية المستدامة    الكويت ترحب بقرار الاتحاد الأوروبي القاضي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا    السعودية تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي دولي    سفير أوكرانيا بالقاهرة: اتفاق المعادن النادرة مع واشنطن ليس موجها ضد روسيا    يد - الاتحاد المصري يعلن مشاركة الزمالك كمستضيف والأهلي كبطل إفريقيا في مونديال الأندية    تعرف على شخصية ماجد المصري في فيلم "الست لما" بطولة يسرا    تذكرة ذهاب بلا عودة.. خطة إسرائيلية لإفراغ شمال غزة عبر مراكز توزيع المساعدات    «لا تلبي متطلبات العصر ».. «السجيني»: القوانين الاستثنائية القديمة تعيق حل الأزمة بين المالك والمستأجر    محمد رمضان عن الحكم بإيداع نجله دار رعاية: لا أشك في نزاهة القضاء المصري    الآن.. رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 في الجيزة (فور إعلانها)    عمرو الورداني: الالتجاء إلى الله سنة لمواجهة الكوارث وتحقيق التوازن النفسى    "فسيولوجيا فيه مشكلة".. نجل شقيقه يكشف أسباب عدم زواج عبد الحليم حافظ    أحمد موسى: مصر تفتتح أكبر سوق جملة لضبط الأسعار أكتوبر المقبل    إيران: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا تهدد السلم في المنطقة    مصرع طفل غرقا في ترعة الصافيه بكفر الشيخ    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    بيع 6 قصور.. اتهامات متبادلة بين أحفاد نوال الدجوي بشأن الثروة    الشباب والتعليم تبحثان استراتيجية المدارس الرياضية الدولية    البورصة توافق على القيد المؤقت ل " فاليو "    مصدر: التعليم الثانوي ينطلق بمرونة لمواكبة التخصصات الحديثة    هل كانت المساجد موجودة قبل النبي؟.. خالد الجندي يوضح    الزمالك يعلن في بيان رسمي توقيع اتفاقية لتسهيل تجديد العضويات    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    مصر تدين إطلاق النار من قبل الجانب الإسرائيلي خلال زيارة لوفد دبلوماسي دولي إلى جنين    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    كازاخستان: ننتظر توضيحا رسميا من أوكرانيا حول الهجوم على خط أنابيب بحر قزوين    مصرع طفل غرقًا في مياه نهر النيل بكفر الشيخ    فيتسلار الألماني يعلن تعاقده مع نجم اليد أحمد هشام سيسا    «غيّر اسمه 3 مرات».. حقيقة حساب أحمد السقا غير الموثق على «فيسبوك»    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    ماركو بونيتا: أسعى لتحسين تصنيف فراعنة الطائرة ولا أسمح بالتدخل فى اختيارات القائمة الدولية    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الزامبى على هامش الاجتماع الأفريقى الأوروبى    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    فيديو يكشف طريقة سرقة 300 مليون جنيه و15 كيلو ذهب من فيلا نوال الدجوي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على الأطفال في مناقشات قصور الثقافة بالغربية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    قبل مواجهة بتروجيت.. قرار من أيمن الرمادي بعد انتهاء معسكر الزمالك    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    تحت ال50 .. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 21 مايو 2025    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (الأخيرة)
الصراع العربى الإسرائيلى تحوّل من صراع على الوجود إلى نزاع على الحدود
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 01 - 2012

«من النكسة إلى إرهاصات كامب ديفيد»، و«التفاوض من أجل إنهاء الاحتلال الواقع فى 1967»، و«أوراق طابا» هكذا يمكن إيجاز الفصول من الاول إلى الثامن، وما سبقها من مقدمة، من كتاب الدبلوماسى والقانونى الرفيع نبيل العربى طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية»، أما الفصلان التاسع والعاشر، وما يعقبهما من خاتمة، فهما خلاصة «15 عامًا بين نيويورك ولاهاى» مندوبًا لمصر لدى الامم المتحدة فى نيويورك ثم قاضيًا منتخبًا فى محكمة العدل الدولية وبين المهمة الأولى التى كان فيها العربى كما يقول منفذًا لسياسات فى سياق تعليمات واضحة من الدولة ووطنية حاكمة والمهمة الثانية التى خضع فيها العربى لضمير القاضى ومقتضيات القانون كانت سنوات قليلة فى مصر قبل أن تأتى العودة للوطن بعد رحلات وترحال. والآن إلى الحلقة الرابعة والأخيرة من عرض هذا الكتاب:

جاء ذهاب العربى لتسلم موقعه على قمة الوفد الدائم لمصر فى الأمم المتحدة الذى سبق له أن خدم فيه فى مراحل سابقة من عمله الدبلوماسى والعالم على عتبة نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتى وبعد أشهر معدودة من قيام قوات دولية بقرار مجلس الامن بالتحرك لانهاء الاحتلال العراقى وتحرير الكويت ليجد الدبلوماسى المصرى الرفيع نفسه مقارنًا بين موقف مجلس الامن من تحرير الكويت حيث أثبت «مقدرته على التصدى للعدوان والدفاع عن المجنى عليه، بل وإنزال العقوبة على الجاني» وبين موقف المجلس ذاته بعد العدوان الإسرائيلى على الاراضى العربية واحتلالها فى 1967 «عندما خيب المجلس توقعاتنا فى أن يفرض احترام وتفعيل أحكام الميثاق فلم يحرك ساكنًا» كيفما كان ينبغى له اتساقا مع مسئوليته الحفاظ على السلم والامن الدوليين. تزامنا مع وصول العربى إلى نيويورك مندوبًا دائمًا لمصر جاء ترشيح مصر لوزير الدولة للشئون الخارجية بطرس بطرس غالى ليشغل منصب السكرتير العام للأمم المتحدة.

عمل البعثة المصرية للترويج لهذا الترشيح وضمانه لم يكن قاصرًا على الدول الدائمة العضوية، حسبما يروى العربى، ولكنه بدأ فى أروقة البعثات الدبلوماسية الافريقية التى كان لديها مرشح عن نيجيريا وآخر عن زيمبابوى آولى آوباسانجو وتشيدزيرو ولكل منهما وضعية لا يستهان بها، خاصة آوباسانجو الذى كانت بلاده ترأس فى تلك الاثناء منظمة الوحدة الافريقية إضافة إلى كونه رئيس دولة ترك الحكم طوعيًا.

ولكن، يؤكد العربى، فإن «شخصية الدكتور بطرس غالى وسمعته الدولية وعلاقاته القوية بغالبية رؤساء الدول الافريقية كانت عاملًا رئيسيًا فى حشد التأييد اللازم له» بعد اتصالات دبلوماسية بل وكما يعترف العربى حيل دبلوماسية مكثفة.

وبعد خمس سنوات كان العربى أيضًا شاهدًا على عجز مصر ضمان اعادة انتخاب غالى لفترة ثانية سكرتيرًا عامًا للامم المتحدة.

رفض إعادة ترشيح غالى، كما يعرف كثيرون وكما روى غالى نفسه فى مذكراته عن سنواته فى الأمم المتحدة، جاء أمريكيا لأسباب، يقول العربى فى كتابه «طابا... كامب ديفيد... والجدار العازل صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية» أنه يرتبط ربما لتقرير أعدته الأمم المتحدة عن المجازر الاسرائيلية التى ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين فى قانا وهو التقرير الذى اضطر غالى على مضض حسبما يلمح فى مذكراته لنشره بعد أن تم تسريب أجزاء كبيرة منه وبعد أن تعرضت الأمم المتحدة لضغط لنشر التقرير الذى كان ينظر إليه على أنه فى حد ذاته وثيقة إدانة للجرائم والفظائع الاسرائيلية.

وبعد معركة دبلوماسية مريرة أدارها العربى فى مواجهة الهجمات المتتالية لمندوب الولايات المتحدة الامريكية الدائم مادلين أولبرايت اضطرت مصر؛ لأن تقبل بأن فرص غالى فى الاحتفاظ بمنصبه ذهبت إلى غير رجعة لتقبل دعم ترشيح كوفى آنان لتفادى خسارة فرص العمل الجيد معه وهو ما آلم غالى لوقت ليس بالقصير.

«وفى أول لقاء لى مع كوفى بعد فوزه بالمنصب الجديد لم يأل جهدًا فى سبيل طمأنتى بأنه لا يحمل لمصر أى ضغينة من جراء موقفها السابق المناوئ له. وكدليل على صدق نواياه عرض إمكانية استمرار فايزة أبو النجا فى منصب المساعد الخاص للسكرتير العام وهو المنصب الذى كانت تشغله مع الدكتور بطرس غالى ولكن فايزة أبوالنجا آثرت العودة إلى القاهرة».


إعفاء الصهيونية من العنصرية

فى الشهور الأولى له أيضًا فى الامم المتحدة كان على العربى أن يتعامل مع دعوة أمريكية لالغاء قرار صدر عن الأمم المتحدة فى عام 1975 الذى يصف الصهيونية بالعنصرية.

يقول العربى إن محادثاته مع المندوب الامريكى فى ذلك الوقت توماس بكرينج «استشعرت مدى عزمه على جمع الاصوات المطلوبة، وأدركت أنه فاعل ذلك لا محالة».

العربى الذى تحوى صفحات كتابه بإشارات لا يمكن إغفالها لصعوبة ضمان التنسيق العربى وأثر ذلك السلبى على الحقوق العربية يروى أنه أبلغ تقديره هذا للمجموعة العربية فى نيويورك وعلى رأسها المندوب الفلسطينى ناصر القدوة، مقترحًا أنه بما أن العواصم العربية توشك على الخضوع للضغوط الامريكية فإن الحل ربما يكمن فى أن تتقدم هذه العواصم بمشروع قرار «باعتبار التدابير التى تتخذها الحكومة الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى مخالفة للقانون الدولى، ولونا من الوان الاضطهاد العنصرى». لكن غالبية المندوبيات العربية رفضت مقترح العربى ولم تتقدم المجموعة العربية بقرار بديل فما كان سوى أن الغى قرار 1975 الذى يساوى الصهيونية بالعنصرية ولم تحصل الدول العربية على أى شىء فى المقابل.


الترشح لمجلس الأمن إصلاحه

أيام العربى مندوبًا دائمًا لمصر فى نيويورك شهدت غير ذلك الكثير والكثير من الاحداث ولكن من بينها يختار الدبلوماسى المصرى واقعة يصعب إغفالها وترجع لما قبل الانفتاح الذى حل بعلاقات ليبيا والغرب. الواقعة كانت رفض الولايات المتحدة الامريكية التى كانت ترأس وفدها الدائم آنذاك فى نيويورك السفيرة أولبرايت وبريطانيا وفرنسا ترشيح منظمة الوحدة الافريقية لليبيا لتكون عضوا منتخبا غير دائم لمدة عامين بدءًا من 1995.

وفى اجتماع جمع العربى ونظرائه من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا فى مكتب الاولى ليتحدث سير جون وينستون المندوب الدائم لبريطانيا عندئذ قائلًا إن حكومات واشنطن ولندن وباريس ترى أن خير وسيلة لمنع ليبيا الترشح عن المجموعة الافريقية هو ترشيح مصر بدلًا منها. وينستون قال للعربى، كما يروى الأخير فى كتابه، «إن الرئيس (حسنى) مبارك له تأثير كبير على العقيد (معمر) القذافى وهو الوحيد من القارة الإفريقية الذى يستطيع اقناعه بسحب ترشيحه».

ولا يخفى العربى إنه والمندوب المصرى المناوب فى حينه السفير سليمان عواد قد أخذا «على حين غرة»، لتذهب الصدمة وتبدأ المشاورات الدبلوماسية داخل البعثة المصرية فى نيويورك ومع وزير الخارجية فى حينه عمرو موسى وصولًا إلى رئيس الجمهورية.

«وكانت مادلين أولبرايت تسألنى باستمرار عما إذا كنت قد تلقيت ردًا من القاهرة وكنت أجيب بأن الموضوع لا يزال محل بحث» يتذكر العربى فى إيماءة لا تصل إلى التصريح فى ذلك السياق أو فى سياقات تالية لما يفصله من الطبيعة الآمرة واللغة الملحة التى يبدو أن أولبرايت دأبت فى استخدامها أثناء عملها الدبلوماسى وهى الطبيعة التى لا تخفيها بل وتفخر بها السيدة التى أصبحت أول وزيرة خارجية للولايات المتحدة الامريكية لاحقًا فى مذكراتها.

قرار مصر بقبول العرض الغربى لأن تحل محل ليبيا فى الترشح عن المجموعة الافريقية للعضوية غير الدائمة لمجلس الامن، حسب رواية العربى، لم يكن محل ترحيب مباشر من القاهرة ولكن الأمر حسم خلال محادثات أجراها مبارك فى واشنطن، العام ذاته ليذهب بعد ذلك وزير الخارجية المصرى لاقناع ليبيا بالمقترح وليتم الاتفاق على أن تترشح مصر فى عام 1995 على أن يأتى الترشح الليبى بدلا من مصر عام 2014 عندما يحل الدور على مصر وهو ما أصبح قيد التنفيذ بعد تبادل مذكرات بين الدولتين بأنهما يتبادلان المقاعد بالترشح لمجلس الأمن.

أيام العربى فى أروقة الأمم المتحدة بنيويورك شهدت أيضًا العمل المتعلق بمحاولة إصلاح المنظمة الدولية التى يقر العربى كثيرًا فى فى كتابه أنها واقعة، ربما تمامًا، تحت هيمنة الدول الدائمة العضوية وحق النقض (الفيتو) الذى تتمتع به.

ويشير العربى إلى إخفاق متوقع لمقترح مصرى فى إطار أعمال تطوير أداء المجلس الأممى لرفع حق استخدام حق النقض فى حالات تهديد دولة لدولة أخرى بأسلحة دمار شامل ويقرر مجلس الامن اتخاذ إجراءات رادعة ضد الدولة المعتدية أو فى حالات اتخاذ المجلس لقرار يتعلق بتقديم مساعدات إنسانية لدولة تعانى من أزمة حادة أو فى حالة رغبة المجلس فى تبنى قرار يطالب بوقف إطلاق النار فى حالة نشوب نزاع مسلح.


صراع حظر الانتشار

الجزء الأكثر جاذبية وحيوية ربما فى صفحات العربى عن أيامه مندوبًا دائمًا لمصر فى نيويورك يقع فى دائرة رواية المد اللانهائى لمعاهدة حظر الانتشار النووى.

العربى يذكر فى البداية بمرحلة سابقة لعمله فى نيويورك قبل أن يتولى منصب المندوب الدائم ويقول «على الرغم من توقيع مصر على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية... فإن التصديق عليها آتى فى عام 1980 إثر إبرام معاهدة اللام المصرية الاسرائيلية، وهو ما كان يمثل من وجهة نظرى خطأ سياسيًا فادحًا، وأذكر أن الدكتور بطرس غالى كان وقتئذ مسئولًا عن وزارة الخارجية بوصفه وزير الدولية، أرسل لبعض من تعتبر الوزارة أن لهم باعًا فى موضوعات نزع السلاح مثل السفيرين محمد شاكر وسعد الفرارجى، كما أرسل لى فى نيويورك لاستطلاع الآراء فى موضوع تقديق مصر، وقد كتبت مذكرة طويلة معترضًا على التصديق، ساعدنى فى كتابتها السفير رمزى عز الدين رمزى. وأعلم أن السفير سعد الفرارجى اعترض أيضًا بينما أيد السفير محمد شاكر، لكن القرار السياسى بالتصديق اتخذ وقتئذ لاهتمام مصر بالحصول على مفاعلات نووية الامر الذى لم يتحقق حتى الآن».

ثم يعود العربى بروايته إلى منتصف التسعينيات وهو مندوب دائم يستمع من أولبرايت الذى لا يصفها أبدًا بأنها سليطة ولكنه يقول كل ما يوحى بذلك وهى تخبره بلغة صاخبة أن مصر ستوقع على التمديد اللانهائى للمعاهدة التى لم توقع عليها إسرائيل بالرغم من التزام الاخيرة سياسة الغموض النووى ورفضها القطعى فتح منشآتها للتفتيش الدولى.

«فى أحد لقاءاتى الصاخبة المعتادة مع أولبرايت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الامريكية استخرجت من حقيبة يدها ورقة وأخذت تتلو على ما فيها ثم قالت: هذه هى التوجيهات الصادرة إليك (من القاهرة) للعمل بموجبها يا نبيل. فقلت لها بالحرف الواحد: ليست هذه التوجيهات الصادرة إلى يا مادلين، بل لدى توجيهات أخرى سأعمل بموجبها، فإن اتضح انك على حق فسيكون جزائى أن تطردنى من الخدمة» يتذكر العربى قبل أن يضيف أن أولبرايت لم تكن على حق فيما تحدثت به من تعليمات صادرة له.

وبالطبع فإنه من المعلوم أن الحديث المصرى عن رفض المد اللانهائى انتهى بالقبول لاسباب اختار العربى أن يرجعها إلى تراجع التأييد للموقف المصرى فى إطار دول عدم الانحياز التى «كان للضغوط الامريكية تأثير السحر على» الكثير منها، فلم يقف مع مصر سوى ست عشرة من قرابة ثمانين دولة.

فتم التمديد، لكن مصر لم تخرج خاوية الوفاض فقد حصلت فى المقابل على قرار بشأن الشرق الاوسط يدعو إلى جعلها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.


مصر والسودان وأولبرايت

المواجهة التى لا تقل سخونة بين العربى وأولبرايت جاءت مع رفض مصر محاولة امريكية لاستخراج قرار من مجلس الامن بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على السودان بعد ما تردد عن تورط النظام السودانى فى تسهيل محاولة اعتداء على الرئيس المصرى خلال زيارته للعاصمة الاثيوبية فى يونيو 1995 للمشاركة فى أعمال القمة الإفريقية.

ويقول العربى إن رفض مصر للعقوبات الاقتصادية والعسكرية التى روجت لها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا «ورفضت مصر كلتا العقوبتين على أساس أن العقوبات الاقتصادية سيعانى منها الشعب السودانى الذى تربطه بنا فى مصر علاقات أخوة أزلية أيا كان الخلاف مع الحكومة القائمة. أما العقوبات العسكرية حظر توريد السلاح إلى السودان فى وقت توجد فيه مواجهات عسكرية فى جنوب السودان وفى مناطق أخرى، فسوف يؤدى حتمًا إلى تفكك السودان وهو ما لا تقبله مصر بأى حال من الاحوال».

ثم يضيف الدبلوماسى والقانونى المصرى «وبدأت معارك كلامية بينى وبين مادلين أولبرايت... وكانت تعنفنى بقولها «هذه محاولة اعتداء على رئيس دولتك فكيف ترفض العقوبات العسكرية والاقتصادية»؟

وفى نهاية المطاف وبعد شد وجذب وتقديم أوراق وتدقيق وقائع تم توقيع ما يمكن وصفه ب»عقوبات دبلوماسية» لا تعدو أن تكون مطالبة الدول المختلفة برفض منح تأشيرات لكبار مسئولى الحكومة السودانية «مما كان يمثل انتصارًا لوجهة النظر المصرية وتكريسًا للعلاقات الأزلية الوطيدة بين مصر والسودان».


الوصول إلى لاهاى

العربى كان ثالث قاضٍ مصرى يشغل منصب فى محكمة العدل الدولية وهو المنصب الذى كان يفترض أن يترشحه له قبل ذلك لولا تدخلات فرنسية أدت إلى قبول مصر بطلب جزائرى ليترشح قاضٍ جزائرى ثم توافيه المنية فيأتى ترشيح العربى وفوزه بالمنصب بعد انتخابه من أول جولة للتصويت فى كل من الجمعية العامة والأمم المتحدة فى 12 أكتوبر 2001 وليس بعد عدد من جولات التصويت كما هو معتاد.

«قضيت فى المحكمة أقل من خمس سنوات كانت فى نظرى من امتع سنوات حياتى مهنيًا خاصة فى مجال القانون الدولى... فقد أتاحت لى عضويتى فى محكمة العدل الدولية النظر فى نزاعات وخلافات قانونية بين دول عديدة واتخاذ قرارى بناء على اقتناعى بما يقدم من وقائع وحجج وقراءتى لقواعد القانون الدولى ذات الصلة دون مراعاة الاعتبارات السياسية ودون تلقى تعليمات من جهات عليا».


الجدار العازل

ولكن أيام العربى فى لاهاى حيث اختار له وزوجته مسكنًا هادئًا فى خلفيته غابة وفى مقدمته حديقة لم تكن كلها أيامًا للعمل القانونى الهادئ، بل شهدت أياما يمكن وصفها بأنها عاصفة بما فيها تلك الايام التى حاولت إسرائيل فيها إبعاده عن المشاركة فى تقديم الرأى الاستشارى حول قيام إسرائيل ببناء جدار عازل على الاراضى الفلسطينية المحتلة، وهو الامر الذى لم يتم بعد أن أحتفظ العربى بثقة المحكمة بتأييد ساحق من أعضائها فكان له «شرف الاشتراك فى اصدار الراى الاستشارى التاريخى الذى صدر فى 9 يوليو 2004» ضد بناء الجدار العازل. ويقر العربى إن الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية «لا شك له قيمة قانونية، أما الاثار السياسية التى قد تترتب على صدوره فهذا أمر يتوقف على اعتبارات سياسية بحتة تتعلق بتوازن القوى وإذا كان الجهاز المعنى فى الأمم المتحدة سيأخذ به من عدمه».

وفى المجمل، يشير العربى فى الصفحات الاخيرة من كتابه إن «إسرائيل ترتع كما تشاء وهى واثقة من أن واشنطن سوف تقوم بما يلزم لحمايتها مهما كانت جسامة مخالفتها لاحكام القانون الدولى».


مواقف مصرية

ولا يقتصر أسف العربى، فى تعامله مع ملف الجدار العازل، على الموقف الاسرائيلى من مشاركته فى المحكمة أو ما يلمح ولا يصرح له من غياب الآثار السياسية لهذا القرار فيما يمثل للقاضى تجاوزًا لقيمة المواقف القانونية. أسف العربى يرجع أيضًا إلى ما يصفه من أن «الحكومة المصرية تعاملت مع موضوع الرأى الاستشارى برمته بأسلوب غير مهنى ولا يليق، فقد كانت المذكرة التى تقدمت بها مصر عندما طلبت المحكمة آراء جميع اعضاء الامم المتحدة... أسوأ مذكرة قدمت للمحكمة فقهًا وعلمًا ولغة وكانت للأسف الشديد محل تندر من بعض القضاة، كما لم تشارك مصر فى المرافعات الشفوية على غرار ما قام به عدد كبير من الدول العربية والآسيوية والافريقية وامريكا اللاتينية».

وللأسف أيضًا، يضيف العربى أنه بعد ذلك بشهور ليست بالكثيرة لم تعبأ مصر كثيرًا للتقدم بمرشح يخلف العربى فى محكمة العدل الدولية بعدما قرر فى بداية 2005 رغبته فى العودة لمصر وارسل برقية إلى وزير الخارجية عن طريق السفارة المصرية فى لاهاى وذلك على الرغم من وجود ثلاثة أسماء مرشحة لخلافته.

ولا ينهى العربى شهادته قبل أن يدعو إلى إنشاء مجلس أمن قومى لمصر بالمفهوم الحديث «فمصر لها وزنها ولها دورها التاريخى ولها إسهامات فى جميع المجالات الدولية، ولا يليق بمصر أن تتسم سياساتها الخارجية والمواقف التى تتخذها بالارتجالية أو بمخالفات جسيمة لقواعد أساسية فى القانون الدولى مثل الموقف الذى تتبناه من الحصار المفروض على قطاع غزة المتعارض مع قواعد القانون الانسانى الدولى».

تنتهى الشهادة التى اختار نبيل العربى أن يشارك القارئ فيها ولكن يبقى الجزء الذى اختار العربى ألا يفصح عنه على الاقل إلى حين.


الحلقات السابقة:

قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (1)


قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (2)


قراءات فى مذكرات نبيل العربى (طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل) (3)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.