تتجه الأنظار فى واشنطن وخارجها إلى إيران وانتخاباتها الرئاسية التى تجرى يوم الجمعة 12 يونيه. والاهتمام بإيران ليس جديدا فى الدوائر الأمريكية المختصة بقضايا الشرق الأوسط، وقضايا الصراع العربى الإسرائيلى أو العراق، وحتى أفغانستان وباكستان، وقضايا انتشار الأسلحة النووية، وقضايا حقوق الإنسان. ومنذ وصول باراك أوباما للبيت الأبيض فى 20 يناير الماضى، وهو يحاول مد يد الصداقة إلى إيران، متعهدا بأنه مستعد لمفاوضات مفتوحة ومباشرة مع إيران إذا كانت طهران مستعدة لذلك. لكنه حتى الآن لم يتلق ردا ذا قيمة من إيران. وفى نفس الوقت تكثف الولاياتالمتحدة جهودها للضغط على إيران كى تتخلى عن طموحاتها النووية وتجمد أنشطة تخصيب اليورانيوم، وهو الأمر الذى ترفضه حكومة طهران رفضا قاطعا وتقول إنها لن تتخلى بأى ثمن عن حقها المشروع فى استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية شأنها فى ذلك شأن جميع الدول بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. تعقيدات إيرانية ويرى الباحث «راى تقية» بمجلس العلاقات الخارجية بمدينة نيويورك «أن تنوع قوى التقدم والإصلاح فى إيران هو السبب وراء قوتها ومرونتها، إذ إن رجال الدين الإصلاحيين والشباب المتحرر والطبقة المتوسطة المقهورة والنساء الراغبات فى التحرر بالإضافة إلى المثقفين الساعين إلى حرية التفكير والرأى اتحدوا فى مسعاهم ومطالبهم من أجل إقامة حكومة مسئولة أمام الشعب تعكس تطلعاته ورغباته. ويضيف الباحث «أنه على الرغم مما يبدو أنه احتكار للسلطة من قبل المحافظين ونجاح رجل مشبع بالإيديولوجية المحافظة فى الانتخابات الرئاسية التى جرت عام 2005 فإن إيران ستتغير، فعلى المدى البعيد لن يكون من الممكن أن يقبل الشباب الإيرانى بالتغييرات الشكلية ولن يتم إخراسه من خلال التهديدات والإرغام». ويرى بعض الخبراء فى واشنطن أن هناك من يتخيل أن الناخبين الإيرانيين بعد معاناتهم لثلاثة عقود من العقوبات الدولية خلال الثورة الإسلامية ستتاح لهم الفرصة أخيرا فى انتخابات الرئاسة يوم الجمعة المقبل للتعبير عن امتعاضهم من الديكتاتورية الدينية. لكن الوضع ليس كذلك فى رأى خبراء آخرين، لأن حرس ثورة آية الله روح الله الخومينى لن يتزحزحوا من مكانهم فى سدة الحكم. وتقول تقارير صحفية إن المرشح الرئيسى للفوز فى هذه الانتخابات هو الرئيس الحالى محمود أحمدى نجاد، الذى كان عضوا مؤسسا فى الحرس الثورى وتعرف على الخومينى أثناء حصار السفارة الأمريكية (مع أنه لم يتورط بشكل مباشر فى عملية أسر الرهائن). وكان آيه الله الخومينى قد قام قبل فترة قصيرة من وفاته فى يونيو 1989 بتنصيب المرشد الأعلى المطلق النفوذ للبلاد، آية الله على خامينئى، ليكون وريثا له. وأبقى ورثة الخومينى على قبضتهم الحديدية على السلطة، ما مكنهم من المحافظة على مبادئه فضلا عن محاولاتهم تصدير الثورة الإيرانية لأماكن مثل لبنان وغزة والعراق. كما أنهم ماضون قدما فى تطوير برنامج نووى مثير للجدل. وكانت سياسات الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ الثورة ذات تكلفة عالية على الشعب الإيرانى، الذى ولدت أغلبيته الساحقة بعد عام 1979، ويأمل الكثيرون حول العالم أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة نقطة تحول ينجح خلالها الشعب الإيرانى فى إحداث تغيير دراماتيكى فى وجهة الطريقة التى تحكم بها البلاد. الاقتصاد أولا ويرى المحلل روبرت وورث أن «الغرب ينظر إلى الانتخابات الإيرانية القادمة من خلال قمع الرئيس محمود أحمدى نجاد للحريات الاجتماعية وأسلوبه العدائى تجاه إسرائيل والولاياتالمتحدة، وبرنامج إيران النووى». غير أن هناك قضية أخرى أكثر أهمية تسيطر على الانتخابات الإيرانية وهى الاقتصاد. إذ إن معدلات التضخم المرتفعة والبطالة ومسألة توزيع عائد النفط تسيطر على جدول أعمال أغلب الناخبين. ويشير وورث إلى أن المعسكرين الانتخابيين الرئيسيين ينظرون إلى الأمر بشكل متناقض. فمعسكر الرئيس أحمدى نجاد يقولون إن سياساته أسهمت فى تحسين حياة المواطنين العاديين، بينما يصر منافسوه الثلاثة على أن الاقتصاد يعانى من مشكلات جادة. وحتى حينما يتطرق الأمر إلى المؤشرات الاقتصادية الأساسية، فغالبا ما يقدم الجانبان إحصاءات متناقضة مما يضع الناخبين فى حيرة ويوضح التقرير أن سياسات الرئيس نجاد أسهمت فى إثراء بعض طبقات الشعب بالفعل، ولكن البطالة والركود الاقتصادى أكثر وضوحا فى المجتمع. فقد أظهر الرئيس نجاد خلال حملته الانتخابية العديد من الرسوم البيانية ليؤكد أن الاقتصاد الإيرانى أصبح فى وضع جيد. ولكن الحقيقة هى أن معدلات النمو تباطأت مؤخرا فى إيران لاعتماد الاقتصاد على عائد النفط، وهو ما أوضحته تقارير صندوق النقد الدولى والرسوم البيانية التى قدمها المنافسون ليؤكدوا ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتراجع معدلات النمو الاقتصادى. ويرى المحلل الاقتصادى سعيد ليلاز أن المشكلة هى أن الرئيس نجاد اهتم بتوزيع الثروة وليس بزيادتها من الأساس، لاسيما مع انخفاض أسعار النفط. وقام برفع رواتب الطبقة المتوسطة والفقيرة ليحصل على دعمها بدلا من أن يسعى لخلق فرص عمل جديدة، وقد نجح فى ذلك حتى الآن. عدم مبالاة الإيرانيين وذكر «هومان مجد» الكاتب بصحيفة لوس أنجلوس تايمز أنه عانى الأمرين خلال رحلته إلى إيران أبريل الماضى لدفع الناس إلى الحديث عن السباق الرئاسى. ويقول إن كثيرا من الناخبين غير مبالين، لأنهم يعرفون أن السلطة الحقيقية ليست فى يد رئيس الجمهورية، وإنما فى يد المرشد الأعلى آية الله على خامنئى وقلة من رجال الدين. ويقول الكاتب إن معظم من تحدث إليهم يبدو أنهم قد قرروا إعادة انتخاب محمود أحمدى نجاد. فهم يشعرون أن الانتخابات عديمة الجدوى، لأن السلطة فى نهاية الأمر بيد خامنئى. ولكن عندما عاد الكاتب مؤخرا رأى أن آراء الناس قد اختلفت. فالحملة الانتخابية قد أشعلت حماس الشوارع الإيرانية. ولكن من سيفوز؟ من العسير معرفة ذلك، ولكن استطلاعات الرأى كانت فى صالح الإصلاحى مير حسين موسوى، الذى يحظى بدعم الرئيس الإيرانى السابق محمد خاتمى. ويشير الكاتب إلى أنه قد شهد موجة من الحماس الكبير من الشباب أثناء حضوره مؤتمرا انتخابيا لموسوى فى استاد أزادى الرياضى فى 23 مايو. ذلك الحدث الذى حظى بحضور خاتمى وزوجة موسوى، والذى أثار حماسة الجماهير المكتظة، التى يبدو أنها تتوق للتغيير. متى تتدخل واشنطن؟ ويبقى سؤال يطرح نفسه كثيرا فى واشنطن، وهو كيف يتم الخروج من حالة عدم الفهم المتبادل بين إيرانوالولاياتالمتحدة، والبدء بإجراء مفاوضات مباشرة حول القضايا البالغة الأهمية كبرنامج إيران النووى ودعم الإرهاب ومستقبل العراق. وتنتظر واشنطن انتهاء هذه الانتخابات من أجل تكثيف جهودها فى التواصل مع القيادة السياسية الإيرانيةالجديدة. ويرى «راى تقية» أن أفضل وسيلة للقيام بذلك هو اعتماد استراتيجية دبلوماسية ذات محاور ثلاثة يركز المحور الأول فيها على إجراء مفاوضات مباشرة بشأن الملف النووى، ويركز الثانى على قضية دعم المنظمات التى تعتبرها الولاياتالمتحدة جماعات إرهابية، والثالث يتركز على مستقبل العراق. ويوصى «تقية» بضرورة الفصل بين محاور التفاوض الثلاثة وعدم ربط مصير بعضها بمدى التقدم الحاصل على المحاور الأخرى أو عدمه.