خلافاً لأصوات الغارات والانفجارات التي تكاد تكون القاعدة في غزة، هناك صوت يبدو مختلفاً ولو خافتاً بعض الشيء في غزة، إنه صوت الموسيقى في أحد مدارس القطاع. وفي تحقيق لوكالة "فرانس برس" حول المدرسة، قدمت خلاله صورة عن نشاط المدرسة ودورها في المجتمع الغزاوي الذي ينقصه الكثير من أوجه الحياة الطبيعية.
وتضع الطفلة زينة الحمامرة والبالغة من العمر 7 سنوات يدها على القانون لتبدأ بعزف مقطوعة شرقية في إحدى غرف مدرسة الموسيقى الوحيدة في قطاع غزة، وصوت آلتها الموسيقية هذه يبدو بعيداً كل البعد عن هدير الطائرات والغارات الجوية المألوفة في القطاع.
وتشارك فتاة أخرى في العزف على القانون، بينما ينضم أستاذ الموسيقى ومؤسس المدرسة إبراهيم النجار (64 عاماً) إليهما على آلة العود.
ويقول النجار إن "الموسيقى هي في قلب الحضارة ونريد أن يتمكن هؤلاء الأولاد من التعرف إلى ذلك".
وقد درس النجار الموسيقى في القاهرة في أواخر الستينات وعمل معلماً في الكويت ورومانيا قبل عودته الى القطاع عام 1997، حيث بدأ العمل في وزارة التعليم لتدريب أساتذة الموسيقى.
ودرّب النجار خلال عمله مع وزارة التعليم لعشر سنوات 37 معلم موسيقى، وقام بتطوير منهاج لتعليم الموسيقى قبل أن يتجه لتأسيس مدرسته الموسيقية لتعليم الأطفال عام 2007.
لكن مبادرة النجار وصلت الى طريق مسدود بسبب افتقاره للمال اللازم لاستكمال المشروع. وبعد ذلك بعام عرضت عليه مؤسسة عبدالمحسن القطان التي تشرف على مشاريع ثقافية في الأراضي الفلسطينية تمويل المدرسة وشراء الآلات الموسيقية اللازمة.
وعند افتتاحها في أكتوبر2008 ، تقدم 300 شخص بطلبات للالتحاق بالمدرسة التي كانت تتسع ل35 طالباً.
وبعد أقل من ثلاثة أشهر تعرضت المدرسة للتدمير بعدما شنت اسرائيل عملية عسكرية على قطاع غزة استمرت 22 يوماً ودمرت فيها معظم البنى التحتية في القطاع وقتل أكثر من 1400 فلسطيني.
ويقول النجار بهدوء "كنت في مكتبي عندما بدأت هذه الحرب وكدت أقتل لأنني كنت في الداخل وحدي". ويضيف "تدمرت كل الالات (الموسيقية) وتهدم المبنى بالكامل خلال الحرب".
ويوضح النجار أن طلابه أصيبوا بالحزن الشديد لأنهم "اعتقدوا أن الموسيقى ستصمت كلياً بعد هذه الحرب. لكني قلت لهم أن يفكروا بشكل مختلف وأننا سنقوم بإعادة البناء".
ويتابع كانت هناك حاجة للموسيقى لنسيان الحرب ولإعطاء الاطفال فرصة ليكونوا سعداء من جديد".
وبمساعدة من مؤسسة القطان افتتحت المدرسة أبوابها بعد خمسة أشهر في مبنى جديد مكون من 10 غرف ومع 13 أستاذاً للموسيقى منهم العديد من السيدات الرومانيات والروسيات المتزوجات من أبناء غزة.
والمدرسة مفتوحة ستة أيام في الأسبوع لمدة أربع ساعات يوميا وفيها 126 طالباً يتعلمون العزف على واحدة من الآلات الثماني المتوافرة وهي البيانو والكمان والتشيلو والناي والقانون والعود والجيتار والبوق.
وهناك أيضا جوقة موسيقية من 40 طالباً وأوركسترا صغيرة. وفي الأروقة وضعت صور لموسيقيين مختلفين من بينهم شوبان وفريد الأطرش لتتماشى مع تركيز المدرسة على كل من الموسيقى الشرقية والغربية.
وفي إحدى الغرف يقوم أحمد أبوعمشا بمساعدة طالبته التي تبلغ من العمر ثماني سنوات بعزف مقطوعة على الجيتار.
ويوضح أبوعمشا أن "الموسيقى غير موجودة في غزة ولهذا لا يعرف الاطفال شيئاً عنها"، إلا أنه يشير إلى أن "الموسيقى بالغة الأهمية وهي الآن أهم من أي وقت مضى"، موضحاً أن "الأطفال كانوا في حالة سيئة بعد الحرب وعانوا الكثير. تعلم العزف يجعلهم يشعرون بأنهم قادرون على أن يكونوا مميزين ويسمح لهم بأن يكونوا أطفالاً مرة أخرى مما يجعلهم حقا سعداء".
ويبدو النجار سعيداً بقيامه بتنمية حب الموسيقى لدى طلابه "اعتقد أن الموسيقى موجودة في حياتنا سواء كنا نريدها ام لا. فعندما تنبض قلوبنا هذه النبضات تشكل نغماً وموسيقى".
ويختم قائلاً: "الموسيقى تغير سلوك الاطفال وتجعلهم طبيعين اكثر. نحن نحتاج الموسيقى في غزة".