هل من الخطأ أن نقارن بين عقولنا وبين التكنولوجيا ؟ هذا تقليل وتصغير من قيمة العقل الانسانى كما يقول بريان ابليارد فى كتابه الجديد "العقل أوسع من السماء.. لماذا لا تعمل الحلول البسيطة فى عالم معقد"؟. وصدرت فى الأونة الأخيرة عدة كتب فى الغرب حول العقل الانسانى بعضها استرعى الانتباه وأثار جدلا وتساؤلات فلسفية مثل كتاب "أنت لست آلة" لأحد اساطين علوم الفضاء الالكترونى وأبائه المؤسسين وهو جارون لانير.
غير أن كتاب بريان أبليارد "العقل أوسع من السماء" يتميز باستنطاق عدد كبير من مشاهير وفلاسفة وعلماء العصر الرقمى مع قدرة واضحة على التمييز بين الأعمال الفردية والتيارات الكبرى للفلسفة العلمية فى عالم اليوم وصولا لمحاولة الاجابة بدقة عن أكبر قدر من التساؤلات بشأن العقل الإنسانى.
وهذا الكتاب ليس بكتاب علمى متخصص عن المخ، وإنما هو كتاب عن الافكار التى ينتجها العقل الانسانى وتعتمل وتتفاعل فى فضاء الثقافة، إنه عمل ينتمى لما يسمى بالأدب العلمى أو العلم المتأدب. ومن ثم فان كتاب "العقل اوسع من السماء" يبحر بمهارة فى ذلك البرزخ الفاصل بين الحقائق والأساطير، وبين صرامة العلم وومضات الخيال، فيما يؤكد بريان ابليارد على اهمية الخيال للعلم ذاته شريطة عدم الاسراف فى الخيال لحد الانفصال الكامل عن الواقع وقوانينه.
ومن الطريف انه منذ نحو اربعة قرون كان بعض من تصدى فى الغرب لقضية العقل الانسانى قد اعتبر ان القضية تدخل فى باب الأعمال الشيطانية غير ان البعض الآخر مهد طريقا افضل للمقارنة والمقاربة بين الانسان والكون.
وفى عام 1610 نشر عالم الفلك الايطالى جاليليلو جاليلى "مرسال النجوم" وهو كتاب يتضمن ملاحظات ومشاهدات تلسكوبية للسماء فى هدأة الليل بقدر مافتح هذا العمل الباب واسعا امام الخيال الانسانى ليسرح فى ملكوت السماء ويسعى لبناء تصورات متعددة وطموحة عن ذلك الكون بمغاليقه وأسراره.
منح جاليليلو الانسان الكثير من التوقعات ، غير أن العالم انجلى عن واقع لايتفق مع كثير من هذه التوقعات والأخيلة الانسانية واحلام البشر، كما تجلت فى اعمال عديدة ترجع الى زمن بعيد وتكفى العودة الى عام 1634 عندما تصور يوهانز كيبلر رحلة انسانية الى القمر فى "الحلم".
لكن بريان ابليارد لم يذهب مثل جاليليلو للسماء مباشرة، وانما استعان بعلماء المخ والأعصاب وصورهم الدقيقة عن تلافيف المخ الانسانى فاذا به يكتشف للمفارقة انه لم يبتعد كثيرا عن العالم الايطالى جاليليو.
ومع التطورات التقنية فى تاريخ الانسانية كان يحلو للبعض المقارنة بين العقل وقوة البخار او الكهرباء والتلغراف والكمبيوتر والانترنت، لكن هذه المقارنة تبدو ساذجة الى حد ما لأن العقل الانسانى هو صانع كل هذه المبتكرات التقنية.