فى الحلقة الثانية من حواره مع فضائية الجزيرة، ناقش الكاتب الكبير، محمد حسنين هيكل، الأوضاع العربية فى تونس وليبيا وسوريا واليمن، معتبرا أن الثورة الليبية أخطأت حين استعانت ب«الشيطان»، أما السورية فمازالت لم تكتمل «لأنها ما زالت فى أطراف الدولة»، بينما الحالة اليمنية «مستعصية على الحل». وشبه هيكل الثورات فى ميزان التاريخ بالعاصفة فى ميزان الجغرافيا، وقال إنها تجمع عوامل كثيرة ومتناقضات، معتبرا أن الوضع فى العالم العربى كان مهيأ للثورة، ف«عالم عربى كان يتهاوى، ونظم كانت تسقط، فأنت محتاج للحظة التفجير، وهى لحظة العاصفة التى يمكنك أن تنسبها لما تشاء».
وصف هيكل فوز حزب النهضة، ذى التوجه الإسلامى، بنسبة عالية فى تشكيل المجلس التأسيسى، والذى سيتولى تعيين الرئيس الانتقالى ووضع الدستور الدائم، اللجنة التأسيسية للدستور الجديد، بأنه «من طبائع الأمور»، موضحا أن الثورات تجمع فى لحظات متناقضات كثيرة، وعندما تزيح نظاما قائما فإنها تأتى بما هو أقرب للشارع». وتابع هيكل: «على كل حال هو مش مخوفنى أوى».
وأضاف هيكل: «نحن نخطئ فى فهم الديمقراطية، ونتصور أنها هى الهدف، دون أن نتذكر بالقدر الكافى أنها محاولة لتنظيم ممارسة الحرية». وتابع: «مصر ودول عديدة بحاجة لفترة حرية، تؤسس وتبرز أهدافها بالحوار وتحقق رؤى أوضح للمستقبل، وفترة الحرية ممكن نتقبل فيها أشياء كثيرة لما نكون عارفين أنها فترة مؤقتة».
ووصف هيكل الإسلام التونسى بأنه ابن شرعى لجامعات الزيتونة (فى تونس) وأم القروى (فى مكةالمكرمة) والأزهر الشريف (فى القاهرة)، وبأنه «من نوع معين يختلف عن الإسلام فى باقى المشرق»، موضحا أن «الإسلام فى المشرق وليد تنظيمات سياسية».
وفيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، قال هيكل إن اعتراضه لا ينصب عليهم، بل على المنطق الذى يحكمهم، مضيفا: «ما حدش يقول الإسلام هو الحل، حرام استدعاء الإسلام فى قضايا دنيوية بهذه الطريقة».
وقارن هيكل بين تجربة حزب الحرية والعدالة، الموصوف بأنه الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وبين حزب النهضة التونسى، وقال عن زعيمه راشد الغنوشى إن «إسلامه زيتونى، وليس إسلام التنظيمات السرية، وماكانوش داخلين فى الدائرة الإرهابية»، واصفا حزب الإخوان بأنه «لم يرق بنفسه ولم يراجع تجربته».
وعن مخاوف البعض إزاء تفوق حزب النهضة التونسى، لفت هيكل إلى أنه يجب الانتباه أولا للمواجهات الرئيسية فى المنطقة، معتبرا أن إيران هى موضع المواجهة الساخنة الحالية: «أنا قلق جدا مما سوف يجرى بالنسبة لإيران، وأرى تلفيق تهم فى الملف الإيرانى، وإذا أردت أن تحارب إيران فلابد أن تأخذ العالم الإسلامى إلى جوارك».
وأكد هيكل أن الغرب يعتبر إقامة دولة إسلامية على الشاطئ الجنوبى لأوروبا «خطا أحمر»، وروى أنه تحدث فى هذا الأمر قبل سنوات مع القياديين الإخوانيين، عبدالمنعم أبوالفتوح (قبل فصله من الجماعة)، وعصام العريان، وبعد 6 أيام، زاره مستشار الرئيس السابق، أسامة الباز، حينها، ليسأله عن نصيحته للإسلاميين عن الخط الأحمر، «سألته: هى المقابلة مسجلة؟ وفعلا طلعت مسجلة».
واستكمل هيكل روايته بأنه التقى بالقيادات الإخوانية فى مرة تالية، وسألوه عن الخط الأحمر، فقال إنه مازال موجودا، مع تغيير بسيط، يتعلق بوجود الجماعة والاعتراف الرسمى بها: «كنت بقول للإخوان: انتبهوا، لأن الاعتراف بكم ليس بريئا».
وأشار هيكل إلى أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما مقبل على انتخابات رئاسية بعد عام، ويتعرض لضغوط شديدة من اللوبى الإسرائيلى، «وقد يفكر فى مغامرة»، مشيرا إلى أن أوروبا هى الأخرى تعانى مشاكل اقتصادية، وقد تفكر فى مغامرة ليدفع الآخرون فواتير العجز والديون، لكنها لا تريد أن تبدو المعركة ضد الإسلام أو المسلمين.
ليبيا .. الشيطان يتدخل للإطاحة بالجاهل
وعن العقيد الليبى الراحل، معمر القذافى، قال هيكل إنه كان يتوقع نهاية درامية له، لكنه لم يتصورها «بهذا الشكل البشع»، ووصفه، من خلال لقائه به آخر مرة، بأنه «رجل منعزل عن الواقع، وعايش فى أوهام خرافية لا علاقة لها بما جرى، ونسى نفسه».
واستعاد هيكل ذكرى لقائه الأول بالقذافى، وقال إنه رأى فيه «براءة مليئة بالجهل وعدم الوعى»، لكن هذه البراءة «حل محلها نوع من الاستهتار بالأشياء»، مضيفا: «ده راجل اشترى نص أوروبا»، وكان الغرب يقصده مع كل أزمة (مالية)، وكان «بيتحرك هناك مع الأسرة المالكة، والأوساط كلها مفتوحة ليه، فهذا رجل بسبب موارده كل الناس لعبت على نقاط ضعفه فعاش فى الأوهام»، وتابع: «أنا حزين لأنى عرفته وقابلته، أنا زعلان من الشعب الليبى اللى تركه (حاكما) 40 سنة».
وقال هيكل إن العالم العربى كان مهيئا لثورة، ف«النظم فى العالم العربى كله فقدت شرعيتها»، مشيرا إلى أن مصدر قلقه هو «التعسف» فى صنع الثورة، «لأن الثورة كأى شىء آخر تحتاج إلى النضج».
وقارن هيكل بين ثورة تونس التى وصفها ب«حقيقية كاملة وصلت لدرجة النضج»، والثورة المصرية «وصلت للنضج، وبالتالى ما كنش فيه دم بالطريقة دى»، وبين الثورة الليبية، واصفا القذافى بأنه كان فاقدا لكل الإمكانيات التى تؤهله للبقاء فى هذا العصر، فضلا عن تولى رئاسة دولة. ومشيرا إلى أن «الناس اللى بيتكلموا فى المجلس الانتقالى كانوا معاه لآخر شهر 8، وللأسف الشديد موجودون وهم من أركان نظامه.
وقال هيكل إن «الثورة بالطبيعة لا تقبل تدخلا أجنبيا»، كما أنه ليس مقبولا أن يتحدث أحد المقاتلين فى ليبيا لوسائل الإعلام، فيقول «والله كانت حرب هايلة، وأن المقاومة كانت بتضرب هنا، وتتصل بالناتو وتقول له تعال اضرب لنا الموقع ده»، مضيفا: «هذا الالتباس يضر بالثورة جدا، ويؤثر على مستقبلها».
وتابع هيكل: «قوى الداخل فى ليبيا لم تستطع لوحدها الإطاحة بنظام القذافى لأنها تحتاج لفترة نضج»، موضحا أنه، وبعد هدوء الوضع، عندما تجد 50 ألف قتيل وآلاف المصابين، وحجم الخسائر «هنا أنا بعتقد أن فيه تعسف مقصود من الغرب».
وعن تدخل الناتو فى ليبيا، قال هيكل: «أعتقد أنه لن يشرف أحدا فى المستقبل»، وتساءل: «إذا لم يكن الشعب قادرا وجاهزا على الفعل المستقل، ولديه من النضج ما يؤهله للقيام بفعل الثورة دون تدخل أجنبى، وإذا كانت الثورة قادرة فلماذا لم تفعل؟، واذا كانت غير قادرة فلماذا لم تستكمل قواها؟».
«أتحدث عن الملف السورى بكثير من الحذر، وعايز أقول إن الناس اللى بتتكلم من بره غير الناس اللى بتتكلم من داخل سوريا»، هكذا بدأ هيكل حديثه عن الشأن السورى، مبررا قلقه حيال ما يجرى هناك، ب«أولا لأنى بحط ده فى ميزان الاستراتيجى العربى، والسبب الثانى إنى بحطه فى إطار الصناعات العامة».
واستطرد هيكل بأن المقاومة الحقيقية ضد نظام بشار الأسد بدأت بسقوط التوريث فى مصر، «لأن سقوط التوريث فى مصر أحسّ الشعب السورى جنب أشياء كثيرة جدا بإهانة مباشرة، وبدأت عمليات التمرد».
وأشار هيكل إلى أن الثورة السورية مازالت منحصرة فى أطراف الدولة، ولم تصل للقلب بعد: «أنا عينى باستمرار على موقع معين هو دمشق وحلب، لأن هناك الطبقة المتوسطة السورية التى هى عماد المجتمع السورى»، مضيفا أن هذه الطبقة لا تزال هادئة، ليس لأنها راضية، على العكس، فهى الأكثر قربا من فكر الثورة، «ولكنها هدأت لأنها رأت الثمن الذى دفعته ليبيا واليمن، ورأت ما جرى فى العراق».
وتحدث هيكل عن نشاط للمخابرات الأردنية فى درعا، وعن محاولات من قوى المعارضة لحث تركيا على الضغط فى الداخل، موضحا أن النظام السورى فقد شرعيته كغيره، وهناك «عمليات تحريض، وهناك أسباب حقيقية للثورة، لكنها لا تزال على الأطراف، ولم تدخل القلب السورى».
وتابع هيكل: «إذا كانت حلب ودمشق ساكتة، معناها كده ببساطة بالنسبة لى أن حالة الثورة لم تكتمل بصورة تؤدى للتغيير» فقاطعه المذيع (على كريشان) قائلا: «بعد كل هذا القتل اليومى، الثورة لم تصل بعد؟»، فأجاب هيكل: «مع كل هذا القتل اليومى».
وتابع هيكل متهما الجزيرة بالتحريض، وقال: «ملاحظاتى على الجزيرة هو كل هذا التحريض»، وتابع: «أنا موافق أن الجزيرة تتابع وبحرص بما يجرى فى العالم، ولكن بشعر أحيانا أنه تجاوز».
وعاد هيكل ليتحدث عن الوضع السورى قائلا إن نظام بشار الأسد دموى بالطبيعة والثورة دموية، لكن تعال فسّر لى لماذا تسكت دمشق وحلب حتى هذه اللحظة؟، ولماذا كل الأشياء على الأطراف؟، وتابع: «إذا لم تعط للثورة فرصة للنضج فأنت تخرج عن مداها».
اليمن .. مخزون من البشر.. والأفكار
وصف هيكل اليمن بأنها «مستودع بشرى ضخم فى قاع شبه الجزيرة العربية وتأثيراته، وكل الناس فى الشرق والغرب بتعالج موضوع اليمن بحذر، أولا لأنه له طبيعة أخرى، قبائل تتحول لدولة، والحاجة الثانية أن كل الناس خايفة من تأثيرات هذا المستودع البشرى الحافل بالطاقات أن ينتشر وأن يخرج، فكل الناس راغبة فى حصر ما يجرى فيه، لأنه لو خرج اليمن من هذا القفص فأنت أمام مشاكل كتيرة جدا فى الجزيرة العربية، فالحرص على اليمن أو السكوت عن اليمن هو محاولة لاحتواء خزان بشرى مرعب بالنسبة لأصحاب الشأن».
وتابع هيكل: «الرئيس اليمنى على عبدالله صالح كان فى السعودية وخرج وعاد لليمن بموافقة السعودية، لأن السعودية ترغب بالدرجة الأولى فى احتواء ما يحدث فى اليمن».
وأضاف هيكل أن العالم يخشى خطر أفكار ستنطلق من اليمن: «وعايز أقول لك إنه مافيش حد بيتدخل فى دولة غير لصالحه»، واصفا الوضع اليمنى بأنه «حالة مستعصية فى هذه اللحظة».