كيف تتأثر شبكة المعلومات الدولية الشهيرة "بالانترنت" على اللغة؟..سؤال كبير يشكل قضية هامة فى مصر والعالم والسؤال مطروح منذ فترة فى الغرب وهناك ارهاصات واضحة تؤكد ادراكا بأهمية القضية فى مصر والعالم العربى. وفى كتاب صدر بالانجليزية بعنوان "اللغة والانترنت"-يقول ديفيد كريستال :من الواضح والجلى فى السنوات الأخيرة ان الانترنت بات يهيمن على حياتنا وانه يغير الاشكال والصيغ التقليدية للكتابة والسرد.
ويضيف كريستال المتخصص فى علم اللغة وصاحب مجموعة من المؤلفات فى هذا المجال تربو على آل 40 كتابا أن الانترنت ليس مجرد ثورة تقنية بل هو ايضا ثورة اجتماعية مؤكدا على ان اللغة قضية محورية فى قلب هذه الثورة الاجتماعية للانترنت ومن ثم فقد حان الوقت لدراسات متعمقة حول هذه القضية والبحث حول دور اللغة فى الانترنت وانعكاسات الانترنت على اللغة.
والطريف ان ديفيد كريستال يبتكر مصطلحات جديدة ودالة لتتوائم مع هذا الموضوع مثل "السرد الالكترونى" معتبرا ان هذا السرد الالكترونى على شبكة الانترنت هو فى حد ذاته بمثابة وسيط جديد كما ان هذا السرد يشكل "لغة جديدة".
واعتبر ان لغة الانترنت او السرد الالكترونى يمكن ان يثرى اللغة ويزيدها غنى ويمنحها المزيد من الابعاد والافاق منوها بأن "هذا المجال الجديد يشكل فضاء بحثيا جديدا مثيرا للدهشة بقدر ماهو دينامى وفى حراك فاعل".
وإذا كان هذا المجال البحثى يتشكل الآن فى الغرب ت الحاجة تبدو ماسة لكتب عربية حول انعكاسات واثار الانترنت على اللغة العربية فان هناك ارهاصات فى مصر والعالم العربى تنبىء بحالة من الاهتمام والتنبه لأهمية هذه القضية.
وحول" لغة الانترنت والتنظيرات الجديدة"-اعتبر الناقد الدكتور صبرى حافظ ان "اللغة كائن حى بالغ التعقيد لابد من البحث فيه بطريقة جديدة ومغايرة لتلك التى اعتادت عليها مناهج علم اللغويات القديمة".
وفيما يسعى الناقد صبرى حافظ استاذ اللغة العربية المعاصرة والأدب المقارن فى جامعة لندن والذى يصدر "مجلة الكلمة" الكترونيا الى ان ينقل لساحة النشر الالكترونى على شبكة الانترنت كل تقاليد المجلة الأدبية المطبوعة فانه يؤكد على ضرورة ملاحقة التطورات التقنية التى اضطرت المستخدمين احيانا الى كتابتها بحروف لاتينية.
وأضاف أن "اللغة كما نعرف ليست وسيطا محايدا او وعاء فارغا نصب فيه مانريد ولكنها كما برهنت دراسات باختين وبورديو آداة مترعة بالدلالات والترسبات الاجتماعية والفكرية مشتبكة بعلاقات القوى وتراتباتها وهى تتخللنا وتستخدمنا بقدر ما مانطوعها لاحتياجاتنا ونتدخل فيها ونستعملها".
ويقول صبرى حافظ :"انت لاتتحدث كى توصل رسالة محددة فحسب ولكنك تتحدث ايضا او تكتب كى تقنع الآخرين وكى تحظى باعجابهم وربما كما جرى فى الانتخابات البريطانية الآخيرة فى المناظرة التلفزيونية بين زعماء الأحزاب الأساسية الثلاثة كى تكسب سلطة وتخلخل علاقات القوى السائدة وتقنع الآخرين بأنك اجدر بتمثيلهم ".
وأكد أن اللغة كان لها فعل السحر فى الانتخابات البريطانية الأخيرة وقلبت موازين القوى فى اللعبة الانتخابية "ولم ينتبه الكثيرون لما قامت به من عنف رمزى مدمر لكل علاقات القوى القديمة ومن تأسيس لعلاقات قوى جديدة سرعان ماعبرت عنها عملية الانتخابات".
وأردف الدكتور صبرى حافظ قائلا :وعلى سبيل المثال فان استخدام "تنظيرات هابرماس" عن المجال العام يتطلب منا ان نأخذ فى الاعتبار طبيعة الخطاب الذى يصوغه ومجموعة العناصر الفاعلة فيه وجلها تصاغ فى اللغة وبها وتحتاج منا ان نأخذ اضافات ميشيل فوكو المهمة بشأن الخطاب باعتباره ساحة مستمرة ومفتوحة للصراع تتبلور فيها مجموعة من الرؤى والقوى على مختلف الأصعدة الاجتماعية والايديولوجية والسياسية وتتم فيها عمليات فرز تتعزز بها قوى وتتضعضع أخرى.
ويوضح صبرى حافظ ان لغة الانترنت الجديدة "ليست مجرد لغة من مفردات غريبة وانما هى بنية تصورية وايديولوجية مغايرة تشكل خطرا ملموسا على علاقات القوى القديمة" مضيفا :"نحن لسنا اذن ازاء تغير سطحى للغة كما يحلو للبعض تصويره".
وتابع قائلا :" ولسنا بازاء مجموعة من الشباب الذين لايجيدون اللغة العربية فيلجأون الى تلك اللغة الهجين الغريبة التى تمزج العامية بالفصحى والعربية بالانجليزية ولكننا حيال مجموعة من المتغيرات والاحتياجات الاجتماعية والسياسية معا تحتاج الى التعبير عن نفسها وتسعى لخلق لغة جديدة لها تعبر بها عن رؤاها وعن اليات حراكها الجديد وبالتالى تحتاج منا الى تنظيرات جديدة لها".
ورأى الدكتور صبرى حافظ ان على هذه التنظيرات الجديدة ان تأخذ فى الاعتبار "ان اللغة كائن اجتماعى حى ينمو ويتطور ويشيخ ايضا وان تتعامل مع الوسيط الذى ظهرت فيه بنظرة اوسع تتضافر فيها المناهج وتتعدد المقتربات من اجل فهم حقيقة التغيرات التى تنتاب واقعنا العربى المتحول أبدا".
وخلص إلى أن اهم مايكشف عنه البحث فى هذا الموضوع الجديد على ساحة الدرس العربى هو ان اللغة بمتغيراتها وبحركتها فى الفضائين الاجتماعى والافتراضى على السواء قد اخذت تعيد رسم علاقات القوى وتساهم فى خلخلة الكثير من رواسبها القديمة وادخال عناصر جديدة الى المعادلة لم تكن موجودة من قبل ولم تحسب لها القوى القديمة اى حساب حتى فوجئت بما تشكله عليها من اخطار.
وإذا كان القول المأثور :"تكلم حتى اراك" فان كريستوفر جونسون المهموم باللغة يقول فى كتابه الجديد :"اكتب حتى اراك"..و يتجول كتاب " فن الكتابة المختصرة" او"الميكرو ستايل" فى فنون الكتابة والتعبير عن الذات باختصار بليغ فى زمن الانترنت .
وعبر الكتاب الذى يقع فى 246 صفحة يتناول كريستوفر جونسون بعقل متوثب وقلم متحفز مايسميه "بلغويات الفضاء الالكترونى" فيما تساعد اللغة الانجليزية على من ينشد الاختصار وان كانت العربية بدورها تعرف القول المأثور :"خير الكلام ماقل ودل".
وفى رحلة بين الأساليب والتركيبات اللغوية المقتصدة-تجول كريستوفر جونسون فى سرد الروائى الأمريكى الكبير ارنست هيمنجواى واشعار ويليام كارلوس وحتى خطوط لوحات بابلو بيكاسو لعله يشرح مآربه ويصل لهدفه وهو ان الاقتصاد فى اللغة لايعنى العدوان على جمالها وحميمية المفردات.
والطريف ان الكتاب يمزج مابين قضايا متعددة ومسائل شتى من قواعد اللغة وحتى الغزل بالكلمات فى عصر الرسائل القصيرة بصورة مرعبة فيما يؤكد كريستوفر جونسون على ان الاقتصاد فى اللغة لايعنى الفقر فى التعبير.
وبين لغة الغزل وغزل اللغة فى زمن الفضاء الالكترونى تعمد بعض المواقع الالكترونية " للشقاوة اللغوية" فى اساليب التسويق لحد يثير الدهشة فيما يعشق الأمريكيون السرعة فى كل شىء بما فى ذلك اللغة وفن التعبير عن الذات بالكلمات.
ولايوجد غالبا من لايتمنى الاجادة وغالبا ايضا فان المرء ينزع نحو السخرية من هؤلاء الذين يخفقون فى التعبير عن انفسهم حتى ولو كان ذلك فى زمن التويتر ومدونات الانترنت والبريد الالكترونى فاللغة الجميلة تبقى مطلوبة فى اى زمن واى مكان وقطرة ضئيلة من عطر اصيل تكفى دائما كما ينوه كريستوفر جونسون الحاصل على الدكتوراه فى اللغويات من جامعة بيركلى فى كاليفورنيا.
وإذا كان الكاتب الأمريكى والألمانى الأصل شارل ستاينتس قد توقع ان يأتى يوم تكون فيه المعرفة هى الخط الدفاعى الأول للأمم فى عالم الجنوب فان تحديات المعرفة فى العصر الرقمى تفرض الآن نفسها على مصر والعالم العربى ككل ويبقى السؤال الكبير بشأن تأثير الانترنت على اللغة بحاجة لاجابات مصرية وعربية متعددة ومتعمقة.