أكدت دراسة علمية حديثة أن طريق الحج القديم إلى مكةالمكرمة عبر سيناء كانت سوقا عربية مشتركة منذ خمسة عشر قرنا من الزمان. وذكرت الدراسة التي أعدها الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام مركز البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء والوجه البحرى التابع لوزارة الثقافة، أن محطات الطريق كانت تمثل أسواقا تجارية تحوى منتجات من مصر والشام والجزيرة العربية أي بمثابة سوق عربية مشتركة، كما كانت مصر تجهز كسوة الكعبة وكسوة مقام إبراهيم والمحمل الشريف.
وتشمل الدراسة طريق الحج والمحمل الشريف وقافلة الحجاج، حيث تشير الدراسة إلى أن الطريق لم يكن يقتصر على خدمة حجاج مصر فى ذهابهم وعودتهم وإنما كان يخدم حجاج المغرب العربى والأندلس وحجاج غرب أفريقيا، كما تزايدت أهمية الطريق مع قيام دولة المماليك.
ويشير ريحان إلى أن الحج كان يمثل قيمة روحية وفكرا راقيا وأيضا قيمة اقتصادية عظيمة طوال العصر الإسلامي، أما القيمة الروحية فتجلت فى حرص الخلفاء المسلمين على تيسير كل السبل لتأدية هذه الفريضة وإعمار الطريق بإنشاء القلاع لحماية الطريق وتأمينه.
وأما الفكر الراقي فعبرت عنه رحلة قافلة الحجاج التى كانت بمثابة انتقال مجتمع بأكمله يضم الأمراء والجند والأئمة والأدلاء ورجال الإدارة والمؤنة والطبيب والقاضى والمختص برعاية الدواب والشعراء.
وكان لطريق الحج عبر سيناء ميزات عديدة فهو أقصر الطرق بين القاهرة وأيلة (العقبة) ويرتبط بمجموعة من الطرق الأخرى التجارية والحربية تزيد من أهميته وكان يتجمع الحجاج فى بركة الحاج وينصب بها سوق كبير فيه الجمال والملابس وما يحتاج إليه الحجاج من مأكل وملبس ويتم بها تبادل تجارى بين ما تحمله القوافل المغربية والأفريقية من سلع جاءوا بها للمقايضة بما يلزمهم طول الطريق.
ومن بركة الحاج إلى عجرود (110كم من القاهرة) وبها بئر وساقية من إنشاء الناصر محمد بن قلاوون 698-741 ه وجددها الغورى 915ه وكانت سوقا لقوافل الحج والتجارة ومن عجرود إلى نخل بوسط سيناء (240كم من القاهرة) الذي يعقد بها سوقا ضخما به كل فواكه سيناء وخيراتها وأفران للخبز وتحوى آبارا للمياه وخزانات لحفظ المياه وخان لمبيت الحجاج وقلعة ومسجد وكلها فى مبنى واحد من عصر السلطان بيبرس وحتى العصر العثمانى.
وقد أنشأ هذا الخان فى نخل السلطان الغورى وكان درب الحج السبب الرئيسى فى إحياء مدينة نخل والذى أهلها يوما لأن تكون المركز الإداري لكل سيناء والذى انتقل للعريش بعد هجر درب الحج وتشييد سكة حديد مصر وفلسطين 1916 ومن نخل إلى بئر التمد ومنها إلى دبة البغلة التى تبعد 20 كم من قرية النقب بوسط سيناء طريق النقب - نخل وتوجد علامة هامة تحدد معالم هذا الطريق بهذا المكان وهى نقش السلطان الغوري الذي يحوي نصوصا قرآنية والنص الخاص بتمهيد السلطان الغورى لهذا الطريق.
وقام المجلس الأعلى للآثار بترميمه وعمل سور حديدى له يأخذ الطابع الإسلامى ومن دبة البغلة يتجه الحجاج إلى قلعة العقبة الذى أنشأها الغورى 914ه على بعد 50م من شاطئ خليج العقبة وبها مخازن للحبوب ومخبز وبئر مياه ومسجد.
وتستغرق كل هذه المسافة من بركة الحاج حتى قلعة العقبة تسعة أيام يتجه الحجاج بعدها للأراضى الحجازية بمحازاة البحر الأحمر للجنوب إلى حقل، مدين ، ينبع ، بدر ، رابغ إلى مكةالمكرمة.
ويطالب الباحث المصرى الدكتور ريحان بإحياء محطات هذا الطريق التى ارتبطت بنشاط تجاري كبير بوسط سيناء والعقبة والحجاز وكانت أسواقا تباع بها الأقمشة والمأكولات من الدول العربية المختلفة.
وأكد أنه يمكن استغلال هذه المحطات كأسواق حرة للمنتجات المختلفة الذى يحرص الحاج على شرائها كهدايا من ملابس ومفروشات ومأكولات وإقامة مصانع للنسيج والمنتجات الغذائية القائمة على ما تجود به خيرات الأرض فى الدول لعربية وعمل نماذج للمحمل الشريف و رياضات الهجن والرياضات العربية المختلفة لتكون نواة لسوق عربية مشتركة وترويج للسياحة الدينية ببلدان الوطن العربى.