ربما تجد هذا السؤال يروج قريبا على ألسنة كثيرين، وعندما تأتى الذكرى الأولى ل25 يناير بعد 4 أشهر فقط، قد تجده عنوانا أحمر لصحيفة يتصدر صفحتها الأولى. طوال الوقت كان هناك أمل أن يأتى العيد الأول للثورة، باحتفال حقيقى بما تحقق، وإذا كان لابد من السؤال فليكن ماذا تبقى من أحلام وأهداف لثورة لم تتحقق؟ لكن المؤسف أنك تتجه إلى طرح السؤال بصيغة مغايرة ربما يحوطها الإحباط، ويتخللها التشكك فيما حدث وما يحدث، لكن الأشد أسفا أن تجد الرد بسؤال صادم وجارح: وهل قامت فى مصر ثورة؟
عندما يأتى العيد الأول للثورة ستكون غارقا فى حالة طوارئ مفروضة دون سند من قانون أو دستور، وكنت تعتقد أنك حين انتفضت لخلع مبارك أغلقت صفحة وزمن الاستهانة بالدستور، وعدم الاكتراث باحترام القانون، لكن الطوارئ التى انتهت دستورياً وقانونياً فى 20 سبتمبر الماضى، ولا يجوز تمديدها وفق الإعلان الدستورى الذى يستمد المجلس العسكرى منه الشرعية إلا باستفتاء شعبى، جرى تمديدها دون اكتراث بأى شيء؟
سيأتى العيد الأول للثورة، وربما تكون الانتخابات قد انعقدت أولا تكون، لم يعد شيئا مؤكدا، وصرنا نعيش فى وطن بلا جداول زمنية محترمة، ولا رؤية للمستقبل واضحة، وربما تحتفل بالعيد ببرلمان مستمر فى التصفيق، وبوجوه شاهدتها من قبل وهى تصفق إما داخل ذات البرلمان أو خارجه، أو حتى فى صفوف المعارضة الرسمية التى كانت تخدم النظام المخلوع أكثر من رجاله المعلنين.
سيأتى العيد الأول للثورة، وربما تحتفل بحصيلة أكبر وأكثر من المحاكمات العسكرية للمدنيين، وستحتفل كذلك أن المتهمين ب«قتل المتظاهرين، واقتحام السفارة، وترويع الجماهير فى موقعة الجمل، وسرقة المال العام» يحاكمون مدنياً، وبمزيد من الرأفة والرقة، وربما سيستمر الترحيب الرسمى بهم داخل الأقفاص، وأداء التحية العسكرية لبعضهم، وكأنهم قادة حرب عادوا بأكاليل الغار وبنصر مبين، وربما ينفذ بعضهم بالبراءة لأخطاء إجراءات أو عدم كفاية الأدلة، فيما غيرهم يؤخذون بالشبهة لقول هنا أو تدوينه هناك.
سيأتى العيد الأول للثورة، والقيود على الإعلام تعود، واحتقار الكادحين المضربين والمعتصمين الباحثين عن حياة أفضل يستمر، وخطاب مبارك يتردد فى أذهانك، على طريقة «القلة المندسة والأجندات الخارجية» وتتعجب أن الوجوه تغيرت فيما الصوت واحد.
سيأتى العيد الأول للثورة، دون أن تعرف من قام بها، ومن كان هناك، لأن الجميع يقول إنه كان هناك، حتى أولئك الذين كانوا فى قلب السلطة، والذين فاجأتهم الأحداث، والذين لعنوا التحرير ومن فيه، سيأتى العيد الأول وسترى وجوهاً لأول مرة تتحدث عن بطولاتها فى الميدان، فيما أولئك الذين كنت تراهم بعينيك ينامون على جنازير الدبابات حتى لا تتحرك، وتأكل الأرصفة من أجسادهم لا يظهرون.
سيأتى العيد الأول للثورة، وربما لن تجد أحد يجيبك: لماذا يظهر البلطجية على الطرق وفى الشوارع، وتظهر الشرطة فى ملاعب كرة القدم؟ لماذا يتصدى الشرطى لمتظاهر بحزم وقسوة، ويختفى أمام «ميكروباص» يسير عكس الاتجاه؟
سيأتى العيد الأول للثورة، وأنت تسأل ماذا تبقى منها؟ لتكتشف أن الشعب لم يسقط النظام لكنه أسقط الوجوه، ولم يبق شىء سوى كثير من الشعارات والأغانى والتندر على أن «شهداء 25 يناير.. راحوا فى أحداث يناير».. راحوا..!