أتفهم إحساس الخوف الذى يتملك المواطن المصرى من أعمال البلطجة، وأقدر تماما حق كل مصرى فى التعبير عن رأيه الشخصى فى فيديو تعذيب شقيقين متهمين بالبلطجة، سواء من صفق لمشاهد امتهان الكرامة الإنسانية بالضرب على القفا والصعق بالكهرباء والركل بالأحذية، أو من أبدى الامتعاض وانتابته قشعريرة وهو يرى كل ذلك يتم بعيدا عن مظلة القانون التى إن اخترقناها فقل على هذه البلاد السلام. ومثل كل المصريين أتمنى الضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه ترويع المواطنين والاعتداء عليهم، شريطة أن يكون ذلك بقوة القانون، وليس ببطش السلطة، وإلا نكون قد أهدرنا كل القيم الإنسانية المحترمة، التى هى الفاصل بين مجتمع الغابة ومجتمع الدولة.
غير أن البعض يعتبر التمسك بهذه القيم والمبادئ الإنسانية السامية نوعا من ترف الترصد للشرطة والمجلس العسكرى، ودفاعا عن البلطجة والإجرام، ولذا تجد نوعا من التصفيق غير العقلانى للأسف الشديد لقرار مد العمل بحالة الطوارئ التى سقطت ليلة أمس الأول بنص الإعلان الدستورى، تحت تأثير وابل من الاستخدام المفرط للإعلام المفزع المروع.
وأظن أن أحدا فى مصر لا ينبغى أن يستند إلى شرعية خارج سياج شرعية الدستور والقانون، وإذا اتفقنا على ذلك فإن ما شاهدناه فى الفيديو الخاص بواقعة برنبال بالدقهلية يكون عملا مجرما دستوريا وقانونيا، وأحيلكم إلى نص المادة رقم 9 من الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الثلاثين من مارس الماضى، والتى تقول نصا «كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا، كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون، وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شىء مما تقدم أو التهديد بشىء منه يهدر ولا يعول عليه».
وتحت عبارة «لا يجوز إيذاؤه بدنيا ومعنويا» ينبغى أن نضع ألف خط، وعليه تصبح الدعوة إلى عدم مساءلة الضباط الذين ظهروا فى الفيديو دعوة إلى الخروج على القانون وإهانة الدستور، لا أتصور أن مصريا عاقلا وحرا وكريما يمكن أن يتحمس لها.
كما أنه من غير المتصور أيضا أن يكون لمثل هذه الدعوات، أو الوقفات المحدودة المطالبة بعدم الاقتراب من الضباط أبطال الواقعة، بل وصول الشطط بالبعض إلى المطالبة بمكافأتهم، أثر على قرار إحالة الواقعة إلى التحقيق، والمعنى الوحيد للاستجابة لهذه الدعوات أن الدولة تنتهك النص الدستورى، وتخرج على القانون، ولو حدث ذلك نكون أمام حالة ردة حضارية وأخلاقية، وهذا ما لا يليق ببلد انتفض وثار من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة.
إن ردع البلطجية واجب وضرورة حتمية لا يختلف عليها أحد، كما أن إهدار القانون وخرق الدستور جريمة لا يختلف عليها أحد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وانتهاك آدمية الإنسان حتى لو كان مجرما، والتمثيل به حيا أو ميتا،عمل ترفضه كل الشرائع، وتأملوا فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور».