الحب يأتى بغتة، تماما مثل الموت، يجتاح الإنسان بلا مقدمات أو أسباب منطقية، بما فى ذلك حب الفلاح الذى بانت علاماته فجأة على وجه مصر فتحشرج صوتها وتوردت وجنتاها وتلعثمت وهى تبحث عن كلمات تبث بها لواعج حبها للفلاحين، فقرروا أن يحشدوا لأضخم حفل للإفصاح عن المشاعر المتأججة على أرض استاد القاهرة. وسبحان السميع العليم مقلب القلوب الذى ألهم المحبين بأن يكون الاعتراف بالحب متزامنا مع دعوة مليونية تصحيح مسار الثورة غدا الجمعة! غير أن الفلاح اللئيم من أمثالى علمته الحياة أن الزرع الشيطانى الذى يظهر فى التربة فجأة لا فائدة له ولا محصول يرجى منه، ولذلك ردت نقابة الفلاحين على لسان نقيبها محمد عبدالقادر برفض الحفلة الرسمية للاعتراف بالحب، وهذا ليس فرارا من الحب من قبل الفلاح، بقدر ما هو انتصار لقيمة الحب المنزه عن الغرض والمصلحة، فضلا عن أن الحب الحقيقى لا يأتى بقرارات أو مراسيم عسكرية. كما أن التعبير عن محبة الفلاح لا يكون فى ملاعب الكرة، بل هناك فى براح الحقول وميادين الخضرة الفسيحة، وشتان بين الخضرة الطبيعية التى خلقها الله وبين النجيلة الصناعية فى الملاعب المكيفة، التى لا تنبت الزهور. وعلى ذكر استاد القاهرة فإن ما جرى بين «ألتراس» النادى الأهلى و«ألتراس» الداخلية كان مؤسفا بكل المقاييس، لكن الأكثر مدعاة للأسف والألم هو ما قيل من روايات رسمية فى شرح ملابسات الموقعة. ودونما مصادرة على حق أحد من الطرفين فى إثبات براءته من الجريمة الحضارية المروعة التى تحدثت بها الركبان، فإن عقولنا ليست سلة مهملات أو (...) لكى يسكبوا فيها كلاما لا يليق بأن جماهير النادى الأهلى قذفت بأكياس معبأة بالبول على جنود الأمن المركزى، ورفعت خوذاتهم وصفعتهم على أقفيتهم. ورغم أنى زملكاوى منكوب بحب الزمالك فإن عقلى وضميرى يرفضان تصديق هذه الرواية عن جماهير الأهلى الذين هم أهلى وأهلك، فمن غير المعقول أن يكون مدرج الدرجة الثالثة بأكمله مجموعة من المعتوهين الذين قرروا أن يعملوا «بيبى» فى مبارة مذاعة على الهواء مباشرة، ويعبئون «عملتهم» فى أكياس ثم يعتدون على قوات الأمن بها. وإذا أخذنا فى الاعتبار أن المتهمين بهذا الفعل الفاضح المقرف كانوا يشتعلون بالهتاف ضد قتلة الشهداء، ويصبون ما فى جوفهم من الغضب على الرئيس المخلوع ووزير داخليته اللذين يحاكمان الآن بتهمة قتل الثوار، فإن الرواية على هذا النحو تنبعث منها رائحة استهداف غير طيبة بالمرة للثورة والمدافعين عن دم شهدائها. ورغم ذلك دعونا لا نستبق التحقيقات التى ينبغى أن تكون محايدة وعلمية، ولا نتهم طرفا أو نبرئ آخر، وطالما وصلت الأمور إلى اللجوء لكلام من عينة «الاعتداء بأكياس البول» فإن المطلوب من جهات التحقيق ألا تترك دليلا أو قرينة اتهام دون تمحيص وتدقيق، وعليه فليس من العبث أن يطالب البعض بإحالة أكياس «البيبى» المحرزة إلى المعمل الجنائى لتحليلها، وبيان ما إذا كانت حقيقية أم مزيفة، ومعرفة أصحابها، وفى حدود علمى فإن المباراة كانت مراقبة فنيا وأمنيا، ومن ثم ندخل فى متاهة تفريغ حصيلة الكاميرات عما جرى داخل المدرجات، والتوصل لمن «عملها». كما أننا نريد أن نعرف من إذا ما كان جنود الأمن المركزى «الأبرياء» قد قرروا دخول معركة مع الجماهير تجاوزت أسوار الاستاد إلى الشوارع باجتهاد ذاتى منهم، أم أنهم وهذا هو المعروف عنهم لا يتحركون إلا بأوامر من قادتهم؟ نريد تحقيقا شفافا ومحايدا فى هذا الموضوع المقرف.