في كتابه (التجارة في الزمن الكلاسيكي القديم) أراد نيفيل مورلي، أستاذ التاريخ الاقتصادي القديم والنظرية التاريخية بجامعة بريستول، أن يتناول التجارة في تلك العصور، فألقى أضواء على جوانب أخرى من السياق الاجتماعي والطبقي والتطور الحضاري والاستهلاكي. ويقول مؤلف الكتاب نيفيل مورلي: إن العالم الكلاسيكي القديم لم يكن منعزلا عن جيرانه، ولم تكن التجارة مقصورة على البحر المتوسط، وأن النخبة كان لديها شغف بالتجديد عن طريق محاكاة الغريب الوافد، لكي تكون مميزة في طريقة استهلاكها عن الاستهلاك الشعبي، بل إن التحول من العصيدة إلى الخبز بدأ في منازل النخبة حتى أصبح الشعير، الغذاء الأساسي السابق، طعام الفقراء، ثم أصبح مجرد علف للماشية. ويستعرض قضية الاستهلاك وبخاصة "الثقل الرمزي المرتبط بالخبز"، قائلا: إن الحبوب قابلة للنقل، أما الخبز فكان يمكن غشه أحيانا بالطباشير لتحسين بياضه، أما العصيدة فكانت طعاما لا يمكن تحسينه، ولكنها قوت أساس سائل في حين يتطلب الخبز شرابا مصاحبا، "ونتيجة لذلك اقترح الانتقال من البقول إلى الخبز في أواخر عصر إيطاليا الجمهورية، كسبب للتوسع في مزارع الكروم"، وحل القمح تدريجيا محل الشعير كمحصول رئيسي لكثير من مناطق البحر المتوسط، على الرغم من كون القمح أكثر عرضة لخطر الجفاف، ولكنه كان تلبية لمفاهيم الاستهلاك الطبقية. ويقول: إنه بحلول القرن الرابع الميلادي جعلت الإمبراطورية الرومانية توريد القمح "واجبا وراثيا"، نظرا لعدم كفاية واردات الدولة من القمح. وتقع ترجمة الكتاب في 219 صفحة متوسطة القطع، وأنجزها المترجم المصري أحمد محمود الذي سبق له ترجمة أعمال بارزة منها (قاموس التنمية.. دليل إلى المعرفة باعتبارها قوة)، و(طريق الحرير)، و(أبناء الفراعنة المحدثون)، و(تشريح حضارة)، و(مصر أصل الشجرة)، و(الأصول الاجتماعية للدكتاتورية والديموقراطية)، و(الفولكلور والبحر)، و(عصر الاضطراب.. مغامرات في عالم جديد) للرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الاتحادي في الولاياتالمتحدة (البنك المركزي) آلان جرينسبان. والكتاب الذي صدر ضمن مشروع (كلمة) عن هيئة أبو ظبي للثقافة، والتراث يلقي أضواء على تحولات القيم الاستهلاكية والحضارية، كما يستعرض أنواع التجارة عبر البحر المتوسط وخارجه، إضافة إلى طريقة نقل البضائع. ويقول مورلي: إن حفائر ودراسات أجريت عن ميناء بيزا الإيطالي كشفت عن استيراد حيوانات من أجل الألعاب في روما في القرن الثالث الميلادي، وفي القرن الثاني قبل الميلاد كانت الأسود تستورد من شمال إفريقيا. ويوضح دلالة ذلك قائلا: "ليست شحنات الأسود إلى إيطاليا مهمة في حد ذاتها، بل باعتبارها مؤشرا على حجم حركة السلع الأكثر أساسية، فالمجتمع الذي ينقل الأسود باستمرار من إفريقيا إلى إيطاليا لا بد أن يكون مجتمعا تطورت التجارة فيه إلى درجة مبهرة عبر الإمبراطورية". ويرجح أن تجارة الأسود لم تكن عملا ماليا صرفا، إذ يمكن فهم دوافع هذه التجارة "في سياق التنافس الأرستقراطي الروماني"، الذي يصل أحيانا إلى درجة الاستهلاك المفرط. ولكنه يرى أن الألعاب والمهرجانات كانت تلعب دورا في التماسك الاجتماعي، ويسجل أن المعلومات والشائعات في تلك الفترة كانت ذات أهمية اقتصادية وخصوصا ما يتعلق بأزمات الغذاء وما يترتب عليها من زيادة الطلب على الواردات، حيث "كان التجار يعملون في بيئة من عدم اليقين، إضافة إلى المخاطر التي ينطوي عليها السفر"، في حين كانت الأسواق الأكثر موثوقية توجد في المدن الكبرى، ومنها أثينا والإسكندرية وروما والقسطنطينية.