في جو رمضاني متميز لا يشعر به سوى أهالي المناطق الشعبية والتراثية وكل من يمر بها فى ليالي رمضان، كانت لنا هذه الأمسية الرائعة في أحد البيوت المصرية الثقافية التى تحرص دائما على تقديم كل ما هو مصري أصيل. فى أحد الشوارع الضيقة بمنطقة الأزهر دخلنا، لنجد كم هائل من الزوار الحاضرين لمشاهدة العروض المتميزة فى البيوت الثقافية المختلفة التى تملأ هذه المنطقة، وكان لنا الحظ أن دخلنا معهم إلى وكالة الغورى لنشاهد عرضا تراثيا من الدرجة الأولى، هو عرض فرقة التنورة التراثية التى تحرص دائما على تقديم استعراض مميز بانتظام منذ عام 1988 حتى يومنا هذا. افتتح العرض الشاعر "محمد ناصر" ببعض القصائد المترجمة من الأسبانية، شكرا وتقديرا للمركز الثقافى الأسباني الذى تعاون مع فرقة التنورة لتقديم هذه الأمسية، و فور انتهائه من آخر قصيدة ذهبنا له وسألناه عن مشاركته في هذا العرض و الذى أكده بأن هذا التعاون المصرى الأسباني يقام سنويا برعاية صندوق التنمية الثقافية فى أماكن كثير من بينها "وكالة الغورى" و"قصر الأمير طاز". وبدأت فقرات الاستعراض بعد ذلك بمجموعة من الموسيقى التراثية على الطبول والمزمار والآلات الموسيقية الشعبية، التى لاقت استحسان جميع الحاضرين، تبعتها استعراضات صوفية ذات طابع فلسفي. وأثناء هذه الفقرة دخلنا إلى مكتب مدير الفرقة "محمود عيسى"، والذى يبهرك من الوهلة الأولى لبساطته و طبيعته الأثرية، و رحب بنا وحدثنا باستفاضة عن الفرقة وشرح لنا طبيعة هذه أفكار الصوفية، قائلا: "إنها تعتمد فى الأساس على مبدأ أن الكون يبدأ من نقطة وينتهى عند ذات النقطة، وأن الشمس هى مركز الكون، وجميع الكواكب تدور حولها فى تعاقب مثل الفصول الأربعة"، مضيفا: "أن التنورة تتزايد لا تندثر؛ فهى أصبحت موجودة فى كل الفرق المصرية و الأفراح." وكما يقال ختامه مسك، فقد اختتم العرض بالاستعراض الذي ينتظره الجميع، وهو عرض "راقص التنورة"، الذى أبهر الموجودين بمهاراته المختلفة على ألحان الآلات الموسيقية الشعبية والابتهالات والأناشيد الدينية، وهى الفقرة الأطول فى العرض و رغم ذلك لم يفتنا الحديث مع "راقص التنورة" أو كما يسمونه "اللفيف" أحمد علوان، والذى كان سعيدا وفى حيوية ملحوظة بعد العرض، و قبل أن نتركه ليرتاح بعد هذا الأداء المميز، كان لنا منه تعليقا على الاحتفالية. حدثنا علوان: "بدأت العمل فى الفرقة منذ 7 سنوات كهواية، والتى يعبر من خلالها عن حالته وحالة الراقصين وحياته عموما. وسافرت والفرقة إلى دول كثيرة فى العالم، التى قوبلت بجماهيرية ملحوظة". هكذا انتهى العرض، وسط حالة من المتعة والنشوة لدى جميع الحاضرين؛ تخرج فتجد الناس لا يزالون فى حالة الاحتفالات الرمضانية فى البيوت التراثية المجاورة، ك"بيت الهراوى" و"بيت الست وسيلة" وغيرهما، وكأن هذه الشوارع لا تنام.