فى كل يوم يتأكد لنا أن هناك ثورة حدثت بالفعل فى مصر. ففى اللحظة التى كان فيها مبارك مقيد الحركة فى غرفة بالمركز الطبى العالمى بعد ثلاثة أيام من جلوسه فى قفص الاتهام، كان محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين يخطب فى جمع يمثل كل مصر تقريبا إضافة إلى سفراء ومسئولين عرب وأجانب. حقا يعز من يشاء ويذل من يشاء.. فبينما كان علاء وجمال مبارك وحبيب العادلى وبقية رموز نظام مبارك يتناولون طعام الإفطار فى زنازين سجن مزرعة طرة كان خيرت الشاطر الذى أقام فى نفس السجن وربما الزنزانة قبل شهور ومعه قادة الإخوان المسلمين يقيمون حفل إفطار ضخما فى فندق أضخم يقع فى قلب مدينة نصر ولا يبعد كثيرا عن المكان الذى كان يقيم فيه حسنى مبارك عندما كان رئيسا. كل مصر تقريبا جاءت إلى هذا الحفل..كان هناك سفراء عرب وأحد قادة حماس والشيخ القرضاوى، وقادة الأحزاب السياسية ومنهم أبو العلا ماضى رئيس حزب الوسط ومن الحكومة أسامة هيكل وزير الإعلام وعلى السلمى نائب رئيس الوزراء ومحمد القوصى وزير الأوقاف، وسمير مرقص المفكر المرموق الذى صار نائبا لمحافظ القاهرة. كان هناك معظم رؤساء تحرير الصحف القومية وبعضهم لم يكن يكتب عن جماعة الإخوان إلا ويسبقها بكلمة المحظورة، إضافة إلى العشرات من كاميرات الفضائيات وكأن الحفل للحزب الوطنى أيام عزه. فى الحفل أيضا تواجدت منى مكرم عبيد والكاتب والسياسى عمرو حمزاوى والحقوقى حافظ أبوسعدة وجمال أسعد عبدالملاك، والقيادى الناصرى أمين إسكندر، ونجوم الكرة أحمد حسن وهادى خشبة ونادر السيد. كان هناك بالطبع أزهريون كثيرون والمفتى على جمعة لكن كان معهم ممثلون للكنيسة أيضا.. رأيت منتصر الزيات، وتناولنا الافطار معا على مائدة «الجزيرة مباشر مصر» ومذيعها احمد طه بصحبة محمد عبدالقدوس وعبدالعزيز مخيون وعبدالرحمن سمير.. لكننى لم أر رموزا للتيار السلفى. بعد الإفطار الذى احتوى فراخا ولحوما كان الجميع يتحاور ويتناقش حول: المخاوف من سيطرة الإسلاميين على السلطة. فى كلمته قدم المرشد محمد بديع خطابا مطمئنا، تحدث عما يجمع الإخوان والمسيحيين وبقية القوى السياسية. أكد على الحوار والديمقراطية بعيدا عن التخوين والاقصاء. أحد الأصدقاء المسيحيين فى الحفل قال لى مازحا ان خطاب الإخوان الراهن يعتبر ليبراليا «وربما علمانيا» إذا قورن بالخطاب السلفى، لكنه توقف عن المزح متسائلا: وهل سيكون علينا كمصريين أن نختار فقط بين واحد من الخطابين من دون وجود خيار ثالث؟!. قلت له إن الأفضل أن يكون هناك تمثيل لكل القوى الموجودة فى المجتمع، والفيصل الرئيسى فى النهاية هو إرادة المواطنين والناخبين، والأهم قبل كل ذلك أن يكون لدينا نظام سياسى يستطيع أن يضمن تمثيلا حقيقيا للجميع. مبارك فى القفص وأولاده فى السجن وحزبه احترق ونظامه سقط، وبديع على المنصة يخطب، وخيرت الشاطر يحرص على مصافحة الجميع.. لكن ماذا عن المستقبل؟. أن تجتمع كل هذه النخبة تحت سقف واحد فهى رسالة إيجابية تساهم فى تخفيف الاحتقان الذى أعقب جمعة 29 يوليو. يتمنى المرء أن يقترب الإخوان أكثر من التيار الرئيسى العام فى الشارع السياسى وأن تساعد بقية القوى السياسية الإخوان على الدخول إلى منطقة الوسط وابعادهم عن المنطقة الخطرة. لا نجاح لثورة 25 يناير إلا بتعاون حتى لو كان مؤقتا بين القوى الرئيسية فى المجتمع.