فترة الذروة فى زحام كوبرى 6 أكتوبر، ومئات السائقين يوقفون محركات سياراتهم، بعد أن فقدوا الأمل فى انفراج وشيك للزحام. يلتفت السائقون المتململون إلى دراجة تشق طريقها بسهولة بين السيارات المتكدسة، ثم تبدأ تعليقاتهم الساخرة دائما، والمؤيدة أحيانا، حين يلاحظون أن الدراجة تقودها فتاة. «إحنا بقينا فى أمريكا ولا إيه»؟ تهبط راكبة الدراجة، إلهام عبدالبديع، 19 سنة، إلى وسط البلد، لتكمل طريقها إلى منزلها فى روض الفرج. «المنطقة بتاعتى شعبية، ومش من السهل فيها تقبل منظر بنت راكبة عجلة»، تقولها «يمكن الموضوع يكون عادى فى المهندسين أو الزمالك، لكن أكيد مش فى روض الفرج». إلهام تهوى ركوب الدراجات منذ صغرها، إلى أن جاء يوم قرر أهلها فيه منعها من استئجار الدراجات؛ لأنها «كبرت على الكلام ده». بعد توقف دام سنين، حاولت إلهام إقناع أهلها بأن تشترى دراجة تستخدمها فى تنقلاتها حتى تتجنب تأخير المواصلات وزحام الأتوبيسات العامة، إلا أن أهلها رفضوا، «ركوب البنت للدراجة أمر ينافى العادات والتقاليد». تروى إلهام قصة اضطرارها إلى ركوب الدراجة رغما عن رفض أهلها: «كنت مشتركة فى فريق التمثيل بنادى الجزيرة، وفى يوم عرض المسرحية كانت الدنيا زحمة، وكان مستحيل ألحق ميعاد بداية العرض». كانت إلهام عالقة فى زحام شارع 26 يوليو بالزمالك، يفصلها عن موعد فتح الستار نصف الساعة فقط: «قررت أنزل وأمشى عشان أختصر الوقت، وفى الطريق لقيت عجلاتى فقررت تأجير عجلة منه». وبالفعل نجحت إلهام فى اللحاق بالعرض قبل لحظات من بدايته. كانت إلهام وقتها تدرس فى الثانوية الفنية، ولا مصدر دخل لها سوى مصروفها اليومى الصغير: «اشتريت اكسسوارات وماكياج وبعتهم فى المدرسة، حتى وفرت 150 جنيه ثمن العجلة». وبعد شراء الدراجة، أبقت إلهام وسيلة مواصلاتها اليومية سرا عن أهلها لمدة 6 أشهر: «كنت أركنها عند عجلاتى بعيد عن البيت». زميلاتها فى المدرسة استقبلن تصرفها بمزيج من الدهشة والتشجيع: «كتير من البنات قالوا لى نفسهم يعملوا زيى، لكن أهلهم حيرفضوا طبعا». رغم بعض المضايقات والمعاكسات التى تتعرض لها إلهام بسبب ركوبها الدراجة، إلا أنها تستمتع بعدم اضطرارها تحمل زحمة الأتوبيسات وتلوثها: «على العجلة ممكن أتعرض لمعاكسة سخيفة، لكن فى الأتوبيس كان الموضوع بيوصل للتحرش والخناق». أما الدراجة فلها الكثير من الفوائد: «منها رياضة يومية، ومنها تفادى لزحمة شوارع مصر». وبعيدا عن الفوائد العملية، تقول إلهام: «لما بابقى مخنوقة باركب العجلة وأمشى بيها فى أى اتجاه، واستمتع بمتعة إن الهوا يلمس وجهى». ترى إلهام أن من واجبات وزارة البيئة توزيع دراجة مجانية لكل بيت مصرى، وتخصيص يوم فى السنة يمنع فيه استخدام السيارات فى الشوارع: «لو الناس جربت الموضوع يوم واحد بس، حتغير رأيها». بعض معارف إلهام رأوها أكثر من مرة تقود الدراجة فى الشوارع فأبلغوا أهلها: «بعد شد وجذب، أهلى اقتنعوا أخيرا بصحة موقفى». تقول إلهام: إن الناس أعداء الجديد، ولكن الإصرار على تبنى الأفكار غير التقليدية يجبرهم عاجلا أو آجلا على التعود. «لو الناس شافوا عشر أولاد وبنات راكبين عجل، حيتعودوا على المنظر بعد فترة». صحيح، فقد مر على إلهام عامان على بداية استخدامها الدراجة، صار منظرها وهى تقود الدراجة مألوفا لسكان حيها وشارعها. تضطر إلهام ليلا إلى إخفاء هوية البنت. ترتدى البنطلون الطويل، والكاب على الرأس، ونظارة شمس، حتى لا تجذب الأنظار. إلا أنها تقول إن الفكرة إن تم تبنيها على نطاق واسع، «حتلاقى بعد فترة بنات راكبين العجلة بجوب أو بدلة الشغل أو حتى فستان، زى ما بيحصل برة بالضبط». تنزل إلهام من على دراجتها وتمشى بها خطوات قليلة لتخلص نفسها من زحام السيارات الواقفة فى شارع شبرا، ثم تركبها ثانية استعدادا لاستكمال رحلتها لروض الفرج. على الجانب الآخر من الشارع، تبتسم فتاة إعجابا بجرأة إلهام، وتلوح لها تشجيعا، تبتسم إلهام، وترد لها التحية.