«يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شىء قدير». الحمد لله الذى أعطانا العمر لكى نرى واحدة من آياته الكبرى بالنسبة لنا. عندما ظهر حسنى مبارك فى قفص الاتهام أمس فى أكاديمية الشرطة شعرت أن ثورة 25 يناير قد نجحت فعلا، وأن محاولة إجهاضها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء قد صارت شبه مستحيلة. ظهور مبارك فى القفص كان لحظة فارقة خصوصا على المستوى الرمزى، هذا الظهور أرسل رسالة واضحة لكل من كان فى قلبه مرض أو يحلم بعودة نظام مبارك بأن ذلك صار أضغاث أحلام. الشماتة ليست من شيم الكرام، وهى سلوك لا يصح ولا يصلح فى مسألة بناء الدولة على أساس نظيف وسليم، لكن تكريس دولة القانون هو الأهم. تحية تقدير وإعزاز لكل شخص أو فرد أو هيئة أو جماعة ساهمت فى إخراج هذا المشهد وتحويل محاكمة مبارك من مجرد حلم لا يجرؤ كثيرون على تخيله إلى واقع يشاهده كل العالم على الهواء. الذين جعلوا هذا المشهد ممكنا هم أولا الشهداء الأبرار والمصابون وكل شخص خرج فى الشارع أثناء الثورة، وكل معتصم عاد إلى ميدان التحرير فى 8 يوليو ليطالب بمحاكمة عادلة وناجزة وعلنية. هناك أيضا ملايين المصريين الذين لم يخرجوا إلى الشارع لكنهم أيدوا الثورة بقلوبهم، ثم هناك الجيش العظيم الوطنى الذى لولاه ما نجحت الثورة وربما كنا نعيش لا قدر الله وضعا مماثلا لما يحدث فى سوريا أو ليبيا أو اليمن. مشهد مبارك فى القفص هو رسالة لكل حاكم ظالم أو مستبد أو فاسد بأنه مهما كان شعوره بالقوة ومهما كان جيش الأمن الذى يحميه، ومهما بلغ فساده، فإن سقوطه ومحاسبته سيحدث إن آجلا أو عاجلا. صورة مبارك وهو ينام على سرير داخل القفص تقول إن الشعب المصرى تفوق للمرة الأولى على فرعونه.. الشعب كان فى القاعة وأمام أجهزة التلفاز ورئيسه السابق وأولاده وكبار مساعديه فى قفص الاتهام. هذا المشهد هو اللبنة الأولى فى أساس الدولة المدنية الحديثة التى تقوم على حكم الشعب وليس الفرد. مشهد الأمس أفضل هدية يمكن أن يقدمها الشعب المصرى للشعوب العربية والأفريقية وأى شعب يرزح تحت نير الظلم والاستبداد. هدية تقول إن استمرار أى ظالم أو طاغية ليس قدرا لا فكاك منه وأن الشعب يحصل على كل ما يريد إذا امتلك الإرادة. مشهد الأمس هو أفضل هدية يمكن أن نقدمها لأولادنا وأحفادنا فى المستقبل، لأنهم لن يرضوا بعد اليوم أن يستعبدهم أحد بأى حجة . أى رئيس قادم لمصر لن تفارق مخيلته صورة مبارك على سرير طبى داخل قفص الاتهام، سيفكر مليون مرة قبل أن يصدر قرارا يضر بشعبه، أو يسمح بالتعذيب أو انتهاك حقوق الإنسان، سوف ترفض يده التوقيع على أى قرار غير قانونى يسمح بالفساد أو التربح أو استقلال النفوذ وإهدار المال العام. صورة مبارك فى القفص هى أفضل إنجاز لثورة 25 يناير حتى الآن. من حق الشعب أن يفرح، ومن حق أسر الشهداء أن يشعروا بالراحة، لأن عجلة العدالة قد دارت ومن واجب الطغاة والمستبدين أن يأخذوا حذرهم.