فى التاسعة والنصف من صباح أمس الجمعة مشيت من السيدة زينب إلى ميدان التحرير. مجموعات معظمها شبابية كانت تخرج من الشوارع الجانبية متجهة إلى الميدان جميعها تنتمى إلى التيار الإسلامى. عندما وصلت إلى مدخل الميدان، كانت لجنة الحراسة الشعبية التى تفتشنى دائما وحفظت ملامح أفرادها وصار أفرادها الجدد بلحية وجلباب وليس «تى شيرتات» ويدخنون السجائر. فى نفس مدخل شارع قصر العينى كان هناك شاب يرفع علما مكتوبا عليه «لا إله إلا الله.. القرآن دستورنا».. بمجرد الدخول وجدت شابا آخر يوزع «غطاء رأس ورقى» لحماية المتظاهرين من أشعة الشمس مكتوب عليه «ائتلاف شباب القوى الإسلامية». على ناحية شارع محمد محمود وقرب المنصة التى كان يطلق منها صلاح عنانى قذائفه باتجاه المجلس العسكرى نصبت قناة «الحكمة» الفضائية منصة كبيرة عليه شعار ضخم يقول: «دستورنا ليس فوقه وثائق.. هويتنا إسلامية». فى منتصف الميدان وقرب مدخل شارعى التحرير وطلعت حرب وقف خطيب يهتف وخلفه المئات : «بالروح بالدم، نفديك يا إسلام».. و«رغم أنف كل حقود.. إسلامنا هو اللى يقود» وأخيرا: «الشعب يريد تطبيق شرع الله». فى منتصف الميدان كان هناك رجل فى الأربعين يطوف بلافتة كرتونية مكتوب عليها «الشرع أمان لنصارى مصر». الملاحظة المبدئية أن كثيرا من اللافتات التى كانت تهاجم المجلس العسكرى قد اختفت وحل محلها لافتات إسلامية، خصوصا تلك التى تعترض على المبادئ فوق الدستورية. بحثت عن شباب يشبهون معتصمى 8 يوليو فلم أجدهم.. حاولت الوصول إلى الخيمة الرئيسية لحركة 6 أبريل أو لافتاتهم فلم أستطع من الزحام. كان كل ما فى الميدان يشير الى هوية واحدة باستثناء اغنية «الوطن الأكبر». على مدخل الميدان من ناحية عبدالمنعم رياض كانت الوفود الآتية من المحافظات تدخل فى نظام صارم. وحتى العاشرة صباحا كان السلفيون أكثر حشدا وتنظيما والأعلى صوتا. خارج الميدان وفى المسافة من أول ماسبيرو وحتى كوبرى قصر النيل كانت العشرات من حافلات النقل الجماعى تصطف على جانب الطريق بعد أن أفرغت حمولتها. وحتى فوق كوبرى أكتوبر كانت الأتوبيسات القادمة من ضواحى القاهرة تفعل الشىء ذاته.. والمشهد المتكرر هو مجموعات تسير بطريقة منظمة، لدرجة دفعت أحد الذين تحدثت معه ليقول أنه يتصور أننا لسنا فى ميدان التحرير بمصر بل فى مكان أقرب إلى قندهار الأفغانية أو بيشاور الباكستانية، فقلت له ولماذا لا تقول مكة أو المدينة؟!. خرجت من الميدان وركبت التاكسى الأبيض متجها إلى الجريدة وكان أول تعليق للسائق هو: الإسلاميون سيطروا على الميدان. المهم الميدان امتلأ قبل صلاة الجمعة والرسالة الأساسية المقصودة كانت قد وصلت إلى كل من يهمه الأمر. أما المطالب الرئيسية الخمسة أو السبعة التى اتفقت عليها القوى والأحزاب السياسية طوال الأسبوع الماضى باعتبارها مطالب توافقية تمثل الإرادة الشعبية ووحدة الصف، فقد اختفت وذابت تحت لهيب الشمس الساطعة وحرارة الهتافات المطالبة بالشريعة ورفض الوثيقة الدستورية عن المساواة والحريات. ميدان التحرير لن يعود غدا السبت مثلما كان عليه أمس الخميس.. هناك حقائق سياسية جديدة لن يمكن إنكارها بعد الآن. والذين أوصلوا المشهد إلى ما وصل إليه بالأمس قد يندمون كثيرا. علينا أن نقبل بنتائج الديمقراطية وهناك مسئولية كبيرة تقع على كل القوى الإسلامية العاقلة.. وهناك خياران: إما أن تساعدوا فى بناء وطن عبر ديمقراطية حقيقية تستوعب الجميع، أو تعجلوا بنموذج طالبان فى قندهار.. والخيار لكم.