بهذه الرسالة المفتوحة، أرجو أن أشارك فى الترحيب بكم على أرض مصر.. فى أول لقاء لكم برئيسها، وحكومتها، وأفراد شعبها.. مؤكدا لكم أن ما تلقونه من ترحيب كبير ليس أمرا بروتوكوليا شكليا، ولا هو ترحيب دولة تنتمى إلى ما يسميه البعض العالم الثالث برئيس أكبر وأقوى دولة فى عصرنا، وإنما هو ترحيب قائم على فهم مدلولات التغيير الهائل الذى عبر عنه اختيار الشعب الأمريكى لكم، عند منعطف فارق فى تاريخ الولاياتالمتحدة، وفى مسيرة النظام الدولى الذى تعثرت بعض خطاه وهو يسعى لضبط العلاقات بين الدول والشعوب صغيرها وكبيرها، غنيها وفقيرها، على أساس من العدل والمساواة وسيادة القانون، حتى يكون ذلك النظام قدوة ومثالا لما ينبغى أن تقوم عليه كل الحكومات حتى تصبح كما تقولون فى الولاياتالمتحدة حكومة قانون لا حكومة أفراد وأشخاص a government of laws not of men. فخامة الرئيس.. إذا كانت العلاقات التقليدية الحميمة بين الشعبين المصرى والأمريكى.. بل بين الشعب الأمريكى وجميع الشعوب العربية والإسلامية قد كانت فى مراحلها الأولى علاقات مودة وتعاون وتبادل للخبرات حول المصالح المشتركة، ومساهمة فى مسيرة نبيلة لنشر قيم التسامح والاحترام المتبادل، وتعزيز قيمة الكرامة الإنسانية، وحق الشعوب كل الشعوب فى اختيار نظمها وأنماط حياتها السياسية والاجتماعية.. إلا أن السنوات الأخيرة قد شهدت مع الأسف ما يجب أن نسميه باسمه دون مواربة وهو أنها سنوات أزمة وفتور عارض فى هذه العلاقات.. ولا نحب ونحن نستقبلكم مملوءين بالأمل وحسن الظن وتوقع الخير أن تشغلنا عثرات تلك السنوات الأخيرة عن العمل بغير تأخير ولا تردد لإعادة بناء الجسور التى تصدع بعضها، ولاستئناف مسيرة التعاون فى إطار القيم الإنسانية التى يحتاج إليها اليوم كل الشعوب، وهى تواجه جميعا تحديات متشابهة وأخطارا مشتركة لا تفرق بين أصحاب القوميات المختلفة، والأديان المختلفة، والثقافات المتنوعة. وإذا كانت ثقافة مصر، بتاريخها الفرعونى العريق الذى تعرفون فى الولاياتالمتحدة وفى أوروبا كيف أسهم فى بناء جذور الحضارة الإنسانية، وما قامت عليه من العقائد الإيمانية، ومن العلوم والمعارف العلمية والتجريبية، ثم بما أضافت إليه العروبة والإسلام عبر قرون عديدة من إضافات إنسانية واضحة وضوح الشمس. وإذا كانت هذه الثقافة قد تعرضت خلال السنوات العشرين الأخيرة لحملة تشويه وإساءة وسوء ظن بلغت حد تصويرها بأنها ثقافة عزلة عن سائر الشعوب، وانحصار على الذات، واستعداد لممارسة العنف والقسر فى مواجهة المخالفين، حتى وصفها بعض المتطرفين بأنها تمثل خطرا على القيم الكبرى التى تقوم عليها حضارة الغرب. وإذا كانت أحداث الحادى عشر من سبتمبر فى الولاياتالمتحدة قد منحت فرصة لبعض الحريصين على خلق جدار عازل بين شعب الولاياتالمتحدة والشعوب العربية والمسلمة، وعلى خلق صورة منفرة بالغة السوء للعرب والمسلمين فى العقل الجمعى فى الولاياتالمتحدة وكثير من الدول الأوروبية، حتى علق الاتهام برقاب جميع العرب والمسلمين، وصارت العروبة والإسلام عند الكثير من ذوى النيات الحسنة فى الولاياتالمتحدة وأوروبا تهمتين جاهزتين ثابتتين لا سبيل إلى مناقشتهما فى أمانة وموضوعية. إذا كان ذلك فإننا فى إطار المصارحة التى لابد منها، ننتهز فرصة وجودكم بيننا لنضع بين يديكم من جديد وفى كلمات قليلة الأصول الكبرى لثقافتنا الإنسانية التى تشغل العقل الجمعى والوجدان الجمعى لشعب مصر وفى أمة العرب والشعوب المسلمة فى كل مكان. إن عقيدتنا الإسلامية، يافخامة الرئيس، تشارك سائر المؤمنين من المسيحيين واليهود انتماءهم لدين إبراهيم أبى الأنبياء، عليه السلام، كما تشارك الفلسفات الإنسانية ذات الأصول العقلية إيمانها بالإنسان، وبالحرية، وبنشر السلام على أرض الله التى أورثها عباده. كما تشاركهم جميعا الإيمان بأن وحى السماء لأهل الأرض قد جاء بالعدل والرحمة والسماحة، ولم يتهاون أو يتردد فى محاربة الظلم والقسوة والعدوان.. ولذلك وصف جميع الأنبياء فى القرآن الذى يتعبد به جميع المسلمين كما وصفوا فى العهدين القديم والجديد بأنهم جميعا جاءوا برسالة الحب والرحمة والتعاون على الخير.. وأنهم حين حملوا رسالة السماء إلى أهل الأرض قد كانوا جميعا: «رحمة للعالمين». وقد لا تعلمون فخامتكم كما لا يعلم كثيرون أن محمدا نبى الإسلام صلى الله عليه وسلم قد ورد اسمه فى القرآن خمس مرات فقط، وأن عيسى، عليه السلام، رسول الحب والرحمة قد تردد اسمه سبعا وعشرين مرة، وأن نبى الله موسى عليه السلام الذى بعثه الله لبنى إسرائيل قد ذكر فى القرآن الذى يتعبد به المسلمون فى صلاتهم ودعائهم مائة وثلاثين مرة.. وذلك تعبير لا يخطئ عن وحدة الأساس الإنسانى لرسالات السماء، وأن أبناءها جميعا مدعوون للتعاون على الخير والبر وما ينفع الناس. فخامة الرئيس.. لقد جئتم إلى سدة الرئاسة فى الولاياتالمتحدة فى أيام بالغة الصعوبة، تعبر عنها أزمة النظام الاقتصادى والمال العالمى، كما تعبر عنها أزمة النظام الدولى الذى تعثرت خطاه وهو يسعى لإقرار العدل والسلام فى مناطق عديدة من كوكب الأرض التى نعيش عليها. ونحن فى مصر، ومن هذه الأرض المؤمنة برحمة الله وعدله، وبالإنسان وحقه فى الحرية والرخاء وطلب السعادة، ندعو لكم وللمبادئ التى تعملون من أجلها أن تجدوا على إقامة الحق والعدل والخير أعوانا داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، يعيدون لبلدكم مكانته التى كانت له فى عقول وقلوب المؤمنين بالمبادئ الإنسانية والسياسية التى قام عليها دستوركم العظيم (الذى وفق الله نخبة من أبناء شعبكم من الآباء المؤسسين للحياة الدستورية، القادمين من أركان الدنيا الأربعة، إلى أن يضعوا نظاما سياسيا وقانونيا يحتوى من داخله على آليات تكفل تصويب الأخطاء، وتعديل المسار، ولو تباطأ زمن هذا التصويب أو تأخر مجيئه. وإذا كان رئيس مصر وممثلو مؤسساتها الدستورية وتياراتها السياسية المختلفة سوف يجتمعون معكم فى ساحة صرح من أكبر صروح التقدم والثقافة فى العالمين العربى والإسلامى، حرم جامعة القاهرة، ليستمعوا إلى رسالتكم التى توجهونها للعالم الإسلامى كله، فإننا لا نفوت هذه المناسبة الرائعة دون أن نضع بين أيديكم وأيدى معاونيكم أمانتين تتصدران التحديات التى يواجهها العالمان العربى والإسلامى، وهما عالمان تمثل مصر موضع القلب منهما، ويتخذان فى ثقافتهما السائدة مذاقا إنسانيا معتدلا. الأمانة الأولى: أن تعملوا من جانبكم كما نعمل من جانبنا على وضع نهاية لحالة سوء الظن المتبادل التى طرأت خلال السنوات الأخيرة على العلاقات بين الولاياتالمتحدة والشعوب العربية والمسلمة، نتيجة تعميمات خاطئة، وتنميط مدمر صار معه الإسلام فى وهم كثير من الناس فى الغرب، والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. إن معاداة الإسلام والفزع من انتشاره يعبران عن خطأ تاريخى فادح الضرر، يؤدى إذا ترك لمواجهات خطيرة لا أساس لها يهتز بها الأمن والعدل والاستقرار فى مناطق عديدة من العالم ويشقى بسببه عشرات الملايين من الرجال والنساء المسالمين، الطامحين إلى أن يعيشوا عيشة كريمة فى ظلال المودة مع جيرانهم. الأمانة الثانية: أن نذكركم بالمأساة التى يتمحور حولها شعور كل عربى وكل مسلم.. مأساة الصراع العربى الإسرائيلى، الذى راح ضحيته مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، منهم من مضى إلى ربه شهيدا مظلوما، ومنهم من عاش ولايزال يعيش لاجئا محروما من المعيشة الكريمة، مضيقا عليه فى رزقه وحريته وكرامته الإنسانية فى شتات لا ىرى له آخر، يتحمل الضمير العالمى المسئولية الكاملة عن استمراره وتحتاج مواجهته إلى شجاعة كبيرة تضع حدا للابتزاز الذى يمارس فى وحشية لا مثيل لها، وتضع نهاية لأكبر مصادر الخطر الذى يتهدد السلام والاستقرار فى منطقة يتعلق بها آمال مئات الملايين من المؤمنين بالعدل، وحق الشعوب فى تقرير مصيرها وأن توفر لأجيالها القادمة فرص العيش الإنسانى الكريم. فخامة الرئيس.. لقد هزم الضمير العالمى فى مواجهة هذه الأزمة الخطيرة، وعجز النظام الدولى بكل أدواته وآلياته عن إقرار السلام المستدام فى هذه المنطقة، وبقيت الأمور معلقة لا تعرف لها نهاية بسبب التردد فى اتخاذ موقف شجاع يقول للجانى أخطأت وأجرمت، ويقول للضحايا كفاكم ما تحملتموه، وقد آن أوان الخلاص والتكفير عن الظلم الذى وقع عليكم، والوصول بأطراف المشكلة إلى حل قائم على المبادئ الكبرى للقانون الدولى، والقانون الدولى الإنسانى، تحرسه إرادة عالمية لمحاربة الظلم وإقرار السلام والعدل. مرة أخرى نرحب بكم، مدركين صعوبة مهمتكم، وآملين أن تتعرفوا من جانبكم على حقائق المشكلات التى تواجهها هذه المنطقة من العالم قبل أن تضعوا توقيعكم المؤثر والفعال على أى قرار أو تشريع أوموقف سياسى أو تصريح رئاسى لايخدم قضايا العدل والحرية والمساواة وإقرار السلام، أو يستجيب لضغوط يمارسها أصحاب مصالح نفعية أو عنصرية أو سياسية، لا تلتقى معكم ولا مع شعب الولاياتالمتحدة على القيم الكبرى التى قامت عليها حياتكم عبر السنين.. فضلا عن آثارها السلبية المدمرة على قضايا الحرية والعدل والسلام. ويبقى أن نرجو لكم طيب الإقامة بيننا على قصرها فى هذه الزيارة الأولى، وندعو لكم بسلامة العودة إلى بلدكم وإلى بيت الرئاسة الذى نأمل أن تجعله سياستكم النابعة من مواقف إنسانية وأخلاقية وسياسية واضحة وثابتة، بيتا طاهر الجوهر، شفاف العطاء، مشعا للنور، يخدم قضايا الحرية والعدل وحق الناس جميعا فى الأمن والاستقرار فى إطار علاقات إنسانية قائمة على المساواة فى الحقوق والواجبات، وفى ظل سيادة حقيقية للقانون وإطار تعاون دولى يعرف أطرافه جميعا أن التنوع والتعددية نعمتان من رب الناس على جميع الناس، وأنه لا يجوز لأحد أن يضيق صدره بهما أو أن يتنكر لهما. بعد أن جعله الله فى جميع الأديان والشرائع خليفة له فيها يستضىء فى فهم قوانينها بالعقل ويعمرها بالعمل، ويهدى مسيرة أهلها بالتعاون على الخير والبر والتوحد فى محاربة الشر والظلم والعدوان. والسلام عليكم ورحمة الله