من الممكن تصور أن يكون هناك من لا يفضل أن يشارك فى مليونية الغد، لكن أن يعلنوا الجهاد ضدها ويقاومونها إلى هذا الحد فهذا هو الغريب والعجيب والمريب، الذى لا يعنى سوى أن هؤلاء نافقوا الثورة وداهنوها حتى حصلوا على ما أرادوا منها، ثم انقلبوا عليها وناصبوها العداء والغل والبذاءة. وعليه يجب أن يضع الأنقياء الذين قرروا العودة إلى الميادين غدا، أو حتى أولئك الذين سيكتفون بالتعاطف من منازلهم ومتابعة الموقف عبر الشاشات، ينبغى أن يدركوا أن هناك من سيحاول خدش بهاء المشهد، ويكد فى محاولة تلويث الصورة النقية، سواء من خلال الاندساس بين المتظاهرين وافتعال مناقشات عقيمة تفضى إلى شجار، أو من خلال إطلاق هتافات تهدف إلى شق الصف وتشتيت الغايات الكبرى التى قررت الجماهير الوفية للثورة الخروج من أجلها. ومن هنا على الجميع أن يمارسوا أقصى درجات الانتباه واليقظة فى جمعة الإصرار، أو مليونية الثورة أولا، وهو التوصيف الأفضل من وجهة نظرى الشخصية لهذه الجمعة النبيلة، كونها تأتى فى ظل أحداث ومتغيرات تشى بأن ثورة المصريين فى خطر، أو أن هناك من يطعنها من الداخل، ويحاول ابتذالها والاستخفاف بها، ولعل أوكازيون إخلاءات السبيل للمتهمين بقتل المتظاهرين، وما استتبعها من رفض لطعن النيابة العام فى قرار إطلاق سراحهم، ثم صدمة حكم البراءة لمجموعة من وزراء مبارك، وأيضا حالة الصمت المخجل أمام صفقات بيع دماء الشهداء التى يشهر فيها سلاح الفتاوى على نحو مريع، كل ذلك يزيد من إصرار الثوار على حماية ثورتهم والدفاع عن الانتصار الأولى الذى تحقق فى 11 فبراير ثم تعرض إلى عمليات تبديد وإهدار وإجهاض سهوا أحيانا وعمدا فى غالب الأحيان. إن آفة المصريين أنهم يفرطون فى الاحتفال والابتهاج ببشائر انتصاراتهم الشحيحة، ويبالغون فى الاستسلام لحالة النشوة، بما يوجد براحا للأعداء كى يجمعوا شتاتهم ويستردوا عافيتهم، وتحدث ثغرة خطيرة ينفذون منها للانقضاض على الانتصار وتحويله إلى هزيمة أو نصف هزيمة. لقد حدث ذلك فى انتصار أكتوبر 73 العظيم، مع قصة الثغرة التى اختطفت نصف الانتصار ودفعتنا دفعا للرضوخ لغواية المفاوضات وما تلاها من التحاق مهين بقطار التطبيع. وشىء من ذلك يجرى مع ثورة 25 يناير، ثغرة، ثم ضربات إجهادية وإجهاضية، وعمليات إنهاك منظمة، ومحاولات لا تتوقف لتسفيه قيمة انتصار الشعب، وعمليات التكفير بالثورة، تارة بترويع المصريين أمنيا، وأخرى بخنقهم اقتصاديا، من خلال تباطؤ متعمد فى إنجاز جدول أعمال ما بعد الثورة، وأحيانا بعض التراخى الذى يصل إلى حد التواطؤ مع خصومها، والأخطر كان الاستسلام لفتنة الدستور أم الانتخابات أولا. ولكل ما سبق من المهم أن يعى العائدون إلى الميدان غدا أنهم خارجون لمواصلة معركتهم ونضالهم السلمى المتحضر بمنطق أن نصف انتصار يعنى نصف هزيمة، ومن ثم لا مناص من تكملة المشوار، واكتمال الانتصار بأمضى سلاح عرفه التاريخ وهو «إيد واحدة».