"الوطنية للانتخابات" تطلق قاعدة بيانات الناخبين المحدثة عبر موقع وتطبيق الهيئة    انقطاع الكهرباء عن 12 قرية وتوابعها في 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    معلومات استخباراتية تُفجر أزمة فى إنجلترا قبل مواجهة أستون فيلا ومكابى تل أبيب    الأردن: هبوط اضطرارى آمن لطائرة متجهة من عمّان إلى حلب بعد عطل فنى بسيط    هتافات غاضبة ضد وزير العدل الإسرائيلى خلال جنازة رهينة: اطلع بره (فيديو)    جريندو يقود هجوم غزل المحلة وأوناجم يزين تشكيلة كهرباء الإسماعيلية في الدورى    تشكيل إنبى والمقاولون قبل مواجهتهما بالدورى    إيداع قاتل زميله وتقطيعه بمنشار كهرباء فى الإسماعيلية أحد دور الرعاية    ميس حمدان تعلق على ظهورها بشعر قصير في الجونة: مالوش علاقة بأزمة نفسية    مستشار رئيس الجمهورية يشهد انطلاق فعاليات مهرجان التعامد بأسوان    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    موقف ثنائي ريال مدريد من اللحاق بمباراة خيتافي    أفغانستان وباكستان تمددان وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة    توقعات حالة الطقس غدًا.. كم تسجل درجات الحرارة على القاهرة؟    قبرص: تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر والجهات الإقليمية الفاعلة أساسي لتعزيز السلام والأمن الإقليميين    الأوقاف تطلق قوافل دعوية موسعة بجميع المحافظات لتصحيح المفاهيم الخاطئة    المتحف المصري بالتحرير يستقبل وفدًا أمريكيا رفيع المستوى    «مش بيأكلوه قرديحي».. أصحاب 3 أبراج لا يستغنون عن البروتينات في وجباتهم اليومية    تعاون بين الآثاريين العرب والسياحة.. رؤية جديدة لإحياء الإنسان والحجر    استشارى تغذية: ابدأ طعامك بالبروتين وتجنب النشويات    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025.. منصة "نت زيرو" توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا توعويًا لمحاربة العنف في المجتمع    القضاء الاداري يتلقى اول طعن ضد مرشحي البرلمان في قنا    السيطرة على حريق مخلفات بفواصل كوبرى الزاوية الحمراء دون إصابات    عاجل- السكة الحديد تُعلن تعديلات جديدة في مواعيد قطارات الوجه القبلي بدءًا من نوفمبر المقبل    أسما شريف منير وإبنتها بإسدال الصلاة وتعلق: يوم الجمعة يخفف صعوبة كل شىء    لمدة 14 ساعة.. ضعف وانقطاع المياه غدًا السبت عن 3 مناطق بالإسكندرية    الخطيب: مشروع الاستاد حلم يقترب من التحقق.. ومؤسسة الأهلي للتنمية المجتمعية هدفها خدمة الوطن    7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم    وزارة العمل تعلن عن 2914 فرصة عمل جديدة في 13 محافظة ضمن نشرة التوظيف نصف الشهرية    الضفة.. إصابة 4 فلسطينيين باعتداء مستوطنين على موسم جني الزيتون    ميناء العريش يستقبل سفينة مساعدات تركية محملة ب900 طن لقطاع غزة    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    عبد الرحيم كمال ينعي الفنان أشرف بوزيشن: كان رجلا طيبا وجميلا ربنا يرحمه    «الداخلية» تكشف حقيقة منشور كسر باب شقة والاستيلاء على محتوياتها بحدائق القبة    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    مصر تتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للكرة الطائرة جلوس في أمريكا    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    وزير الصحة يلتقي نظيرته البحرينية لتعزيز التعاون الصحي وتبادل الخبرات بين البلدين    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    ضبط ذبيحة تزن 350 كجم غير صالحة للاستهلاك الآدمي بحملة مكبرة بالغنايم فى أسيوط    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    نيوزيلندا تعيد فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    حقيقة ارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة المقبلة بسبب إعمار غزة    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    تركي آل الشيخ: «بدأنا الحلم في 2016.. واليوم نحصد ثمار رؤية 2030»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزعيم يتنبأ بالثورة
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2011

الزعيم الذى أتحدث عنه زعيم مبدع فى أشياء كثيرة منها القصة القصيرة. ومع أنى لا أعرف له علاقة بالأدب سوى استضافته لبعض الكتاب المصريين لزيارته فى خيمته الصحراوية بعد طول عناء، وأنه كان يجزل لبعضهم العطاء فى الجهر والخفاء، لكن لابد بالضرورة أنه عندما يتنبأ بعض هؤلاء الكتاب بالثورة فى أعمالهم الأدبية، أن يكون الزعيم شخصيا قد فعل ذلك قبلهم لأنه ليس زعيما «أونطة».
وقد فعل الزعيم هذا بالفعل منذ وقت مبكر فى مجموعته القصصية التى صدر منها ثلاث طبعات متوالية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب آخرها عام 1996، وقد تصدر غلافها الأمامى اسم الزعيم ببنط لم يسبق له مثيل، وتصدر غلافها الخلفى توقيع الزعيم الشخصى أسفل عبارة تقول: «لصالح الجمعية الخيرية لخدمات مصر الجديدة»!
والقصة التى أعنيها فى هذه المجموعة تحديدا هى قصة «الفرار إلى جهنم»، وهى قصة يتحدث فيها الزعيم الراوى بصيغة المتكلم مباشرة عن علاقته بشعبه وتوجسه منه، حيث يقول فى بدايتها: «ما أقسى البشر عندما يطغون جماعيا!! يا له من سيل عرم لا يرحم من أمامه!!»، على أن الزعيم الذى بين أيدينا يمثل حالة خاصة جدا من الزعامة فهو كما يتضح من النص لا يقود الجموع، بل لا يتعاطف معهم أساسا، وإنما يقف فى مواجهتهم فرد فى مقابل أمة، حيث أردف قائلا: «إن طغيان الفرد أهون أنواع الطغيان، فهو فرد فى كل حال، أما طغيان الجموع فهو أشد صنوف الطغيان، فمن يقف أمام التيار الجارف والقوة الشاملة العمياء؟!».
وحتى لا يظهر الزعيم قائد الثورة فى صورة الدكتاتور الكاره للثورة، فإنه يبدأ الفقرة الثانية مبديا بعض التعاطف مع الحرية وإن كان لا يخفى توجسه منها، حيث يقول: «كم أحب حرية الجموع وانطلاقها بلا قيد وقد كسرت أصفادها، وزغردت وغنت بعد التأوه والعناء، ولكن كم أخشاها وأتوجس منها».
وكعادة الكتاب العباقرة، ينتقل المؤلف مباشرة محاولا إقناع المتلقى بفكرته عن طريق ضرب المثل التاريخى لغدر الشعوب بالزعماء العظام، حيث يقول: «كم هى عطوفة فى لحظة السرور، فتحمل أبناءها على أعناقها، فقد حملت (موسيلينى) و(نيكسون). وكم هى قاسية فى لحظة الغضب، فقد جرجرت جثة موسيلينى فى الشوارع، وتفّت على وجه نيكسون وهو يغادر البيت الأبيض بعد أن أدخلته فيه وهى تصفق!!».
ولا يهم أن الزعيم المبدع لم يلتفت إلى أنه قد تخير زعيمين أحدهما صاحب أكبر فضيحة تجسس فى تاريخ أمريكا، والآخر رمز للفاشية. المهم أنه إذا لم يتعاطف المتلقى القاسى مع بهدلة الديكتاتور الغلبان موسيلينى، فإن الكاتب سيقنعه بتحليل فلسفى يوضح جوهر المفارقة الدرامية التى تشعل الصراع دائما بين الشعوب الظالمة والحاكم المظلوم، حيث يقول على طريقة يوسف بك وهبى: «يا للهول!! من يخاطب الذات اللا شاعرة حتى تشعر؟! من يناقش عقلا جماعيا غير مجسد فى أى فرد؟! من يمسك يد الملايين؟! من يسمع مليون كلمة من مليون فم فى وقت واحد؟! من فى هذا الطغيان الشامل يتفاهم مع من؟! أنت أمام أناس يعرفون ما يريدون من الفرد، ولا يأبهون لما يريده الفرد منهم، يفهمون حقوقهم عليك ولا يفهمون واجبهم نحوك».
تلك هى المشكلة الجوهرية التى تؤدى دائما إلى ثورات الشعوب الظالمة، وبعد أن وضع الزعيم المبدع يده عليها فإنه يقرر أن يفر إلى جهنم لأنها بنارها أكثر رحمة من هذا الشعب، وكيف لا وهو: «حساس جدا خلافا لأهل المدينة»، فقد صنع لهم كل الخير لكنهم لا يرضون: «ظلمت نفسى، فأنا سرقت عصا موسى، وضربت بها الصحراء، فانفجر النبع»، لهذا فهو لا يجد خلاصه الممتع إلا فى جهنم، حيث يقول: «كانت أجمل ليلتين فى حياتى تقريبا هما اللتان قضيتهما فى جهنم بنفسى فقط، إن ذلك أفضل عندى ألف مرة من معيشتى معكم».
وقد ظل الزعيم الكاتب على موقفه هذا حتى نهاية قصته المفاجئة المقتضبة التى أوضح فيها سبب قراره بالعودة لشعبه اللئيم مرة أخرى، حيث يقول فى الختام: «إلى أن أحسست بحالكم، وسمعت خطيب الجمعة فى مساجدكم يقول: إن حالنا لا يخفى عليك، وعجزنا واضح بين يديك، ولا ملجأ إلا إليك.. لبيك.. لبيك».
وحتى لا يترك الزعيم الكاتب فرصة لكل من هب ودب ليحكم على قيمته الأدبية، فقد أردف مجموعته بدراسة نقدية لكاتب ومفكر عربى كبير عن قصتين من المجموعة قصتنا واحدة منهما، وقد بدأ الكاتب دراسته بهذه المقدمة: «القائد معمر القذافى حالم كبير، ولاشك أن حلمه هو الذى قاده إلى إبداع النظرية الجماهيرية، التى أصبحت واقعا يعيشه ويمارسه ملايين الناس. فما الذى يمكن أن يضيفه مفكر له هذه التجربة إلى فن القصة الذى يعتمد أول ما يعتمد على الخيال؟».
وحتى لا يظن أحد أن صاحب الدراسة يجامل الزعيم، فإنه يوضح له فى الفقرة التالية مباشرة ما يلى: «لقد مر وقت طويل قبل أن أعرف أن هاتين القصتين هما من تأليف قائد الثورة. كنت قد قرأتهما، ووقفت ذاهلا أمام هذا الإبداع الجديد الذى يمتلئ بشحنات انفعالية غاضبة، وهذه الصياغة المتميزة». فالرجل موضوعى ومذهول من روعة الإبداع العبقرى الذى لا يعرف صاحبه، ولهذا نحمد الله الذى فك كربته وحل عقدته بعد طول عناء، حيث يقول: «ولم تنته حيرتى إلا بعد أن عرفت أن كاتب هاتين القصتين ليس إلا قائد الثورة نفسه، فهو قبل أن يكون مفكرا وقائدا ورجل ثورة، إنما هو كاتب بارع، ومبدع له القدرة على تطويع ملكاته التعبيرية».
ولأنه ليس من اللائق أن يظلم ناقد مبدعا عبقريا لأنه مجرد زعيم، فقد تفنن الكاتب فى استخدام كافة المناهج النقدية فى تحليل النص، فهو أسلوبى يحدثنا عن المستويات المتعددة لقراءة النص حينا. وبنيوى يحدثنا عن خروج المؤلف عن النسق البنائى التقليدى الموروث للقصة إلى نموذج حداثى حينا. وهو من أنصار نظرية التلقى حينا، حيث يرى أن «جهنم» اسم تطلقه الجماعة الشعبية الليبية على منطقة جرداء بسرت قد حولها الزعيم إلى جنة خضراء وبهذا تصبح القصة تفاؤلية. وهو يفسر النص بالعودة إلى صاحبه حينا، حيث يقول: «إن الإضافة التى يقدمها القائد معمر القذافى لفن القصة إضافة كبيرة وخطيرة، لأنه يأتى إلى ميدان القصة محملا بتراثه النضالى، ورؤيته الإنسانية كواحد من أبطال التاريخ، ورصيده الكبير من التجارب والخبرات كقائد أممى». لكنه قد فاته على الرغم من كل هذا الالتفات إلى أن الزعيم المبدع قد تنبأ بالثورة أيضا، لذا لزم التنويه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.