مع انطلاق الثورة المصرية العسكرية فى 1952 واختفاء الأسرة العلوية التى أسسها محمد على عام 1805، توالى انهيار الأسر الحاكمة العربية، بدءا من التونسية 1957، والعراقية 1958، والأسر الإقطاعية السودانية، ونظيرتها اللبنانية مع صعود النهج الشهابى فى ذات العام، لتختتم الانقلابات العربية دورتها بالإطاحة بكل من السنوسية الليبية 1969، وحميد الدين اليمنية 1970، ووسط كل هذا احتفظ الحكم الحسنى الملكى المغربى بقوته، حتى تفجرت ثورات الربيع العربى أوائل العام الجارى. بادئة بهذه الخلفية تساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أمس: «هل تنجو الملكية المغربية من الثورات الشعبية كما نجت من الانقلابات العسكرية؟، وإذا استمرت هل تقدم نموذجا إصلاحيا للملكيات العربية التى اتحدت فى «نادى التيجان» مع البحث فى قبول الأردن والمغرب بمجلس التعاون العربى الخليجى؟. فيما رأى معهد بروكينجز أن ما يحدث فى المملكة المغربية «ثورة هائلة». فقد أعلن العاهل المغربى الملك محمد السادس فى 17 يونيو الجارى حزمة إصلاحات دستورية، اتفقت الصحافة الغربية ومراكز الأبحاث على أنها «محدودة»، ومن المقرر أن يستفتى عليها الشعب فى الأول من الشهر المقبل، غير أنه فور إعلانها اعترض عليها شباب حركة 20 فبراير المعارضة. وتعتقد الباحثة فى معهد كارنيجى مارينا أوتاواى أن تحويل المغرب للملكية الدستورية الأولى لن يعتمد فقط على نية الملك وفعله السياسى، بل أيضا على قدرة التنظيمات السياسية والقوى الاجتماعية التى ترى مصالحها فى تحديد السلطات الملكية الواسعة. وتابعت «أن التحدى الأكبر هو مقدار ما يتمتع به الملك من سلطات فى الدستور الجديد»، الذى سيوافق عليه أغلب المغاربة عبر الاستفتاء، وفقا لتوقعها. وبحسب «واشنطن بوست» فإنه الملك المغربى (سليل عائلة تحكم البلاد منذ القرن السابع عشر، ويلقب فيها الملوك بأمير المؤمنين) مازال يمسك بأهم السلطات، ومنها رئاسته للقوات المسلحة الشديدة الولاء، وحل البرلمان، وتعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا، والسفراء وحكام الأقاليم. لكن الإصلاحات المقترحة يمكن أن تسفر عن الكثير إذا قبلتها كل الأطراف فى المملكة على أنها «بداية الإصلاح وليس نهايته»، بحسب الصحيفة، وبالتالى يمكن أن تكون نموذجا للملك عبدالله فى الأردن، والملك حمد فى البحرين، اللذين يواجهان «نفس الموقف». لكن فى المقابل، وبحكم الإصلاحات المعلنة، التى رأى بروكينجز أنها ستخلق نظاما سياسيا مختلفا، تنازل الملك عن تعيين وزيره الأول (رئيس الوزراء)، ليختاره البرلمان المنتخب، الذى سيكون له الكلمة الفصل فى الاقتصاد الذى يتربع على رأسه الملك، بثروة تصل إلى 6% من المقدرات الوطنية، وهو ما يجعله واحدا من أغنى ملوك العالم، بحسب مجلة فوربس المعنية بالثروات الشخصية. لكن لم يقتصر الإصلاح الملكى على السياسة والاقتصاد فقط، بل تعداهما إلى قضية الهوية الوطنية، حيث أقرت اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جوار العربية، لتبدأ صفحة جديدة من العلاقات بين المكونات المغربية فى المملكة، والمغرب العربى الكبير.