مع شديد الاحترام لمقاصد المجلس العسكرى من إجراء استطلاع رأى على صفحته على «فيس بوك» بشأن فرص المرشحين المحتملين للرئاسة، ومع كل التقدير للأسماء المستفتى حولها باستثناء رجال النظام السابق طبعا فإن نتائج هذا الاستفتاء لا تعنى شيئا على الإطلاق ولا تقوم دليلا ماديا ملموسا على مدى شعبية الأسماء التى شملها. فما هكذا تكون استطلاعات الرأى العلمية، حول أى قضية، فما بالنا والموضوع هنا رئيس مصر القادم، ومن ثم كان من الواجب أن نتحرى أقصى درجات العلمية والمنهجية فى استطلاع رأى الجماهير حوله، بعيدا عن ألعاب الفضاء الإلكترونى التى لا تعدو كونها لونا من التسلية خلف الكيبورد. وإذا كنا جادين حقا فى قياس رأى الناس فهذا له طريق معروف وأدوات صاغها علم استطلاعات الرأى الحقيقية منذ سنوات طويلة، تتأسس على خطوات وقواعد محكمة لا تترك مجالا للخداع والتضليل والشكوك فى النتائج. والذى يحدث فى الاستطلاعات المهمة أنه يتم تحديد عينة الاستطلاع بشكل مدروس وسليم، ثم تبدأ مقابلات شخصية مع أفراد العينة بحيث يتم التأكد من هوية الذين يجرى استطلاع آرائهم، على أن تكون العينة مع محدودية عددها ممثلة لكافة شرائح المجتمع. وفى هذه الحالة فقط يمكن القول إننا أمام استطلاع رأى علمى ودقيق، يمكن أن يوثق فى نتائجه ويعتد بها. أما استطلاعات صفحات فيس بوك والمواقع الإلكترونية فهى ليست أكثر من لعبة لطيفة، خصوصا مع ما عرف عن اللجان الإلكترونية داخل هذا الحزب أو تلك الجماعة التى تتصدى لعملية التعليق على مقالات الكتاب، فتهيل التراب على المختلفين معها، وتصعد بمن تأتى كتاباتهم على أهوائهم إلى عنان السماء، ومن الممكن أن يدخل شخص واحد بأكثر من حساب شخصى على الإنترنت ومن أكثر من جهاز فى أكثر من مكان ليدلى برأيه عشرات المرات. وأحسب أن المجلس العسكرى والحكومة يحسنان صنعا إذا هما نزلا من الفضاء الإلكترونى إلى أرض الواقع، وبدلا من التخاطب مع الناس عبر «فيس بوك» يكون الحوار قائما وملموسا وجها لوجه.. وإذا أرادا أن يعلما اتجاه الرأى العام بالفعل يمكنهما الاستعانة بجهات علمية متخصصة فى إجراء استطلاعات الرأى وقياسات الرأى العام. كما أن البقاء على «الفيس بوك» يخدش تلك الهيبة التى يحتفظ بها الجمهور لمن يحكمونه، لأن الاقتراب أكثر من اللازم يرفع التكليف بين الطرفين بأكثر مما يجب، ومن الوارد هنا أن تدخل العلاقة فى طور «الهزار» والتهريج والاجتراء أحيانا. وأخشى أن أقول إن استطلاع الرأى حول المرشحين المحتملين من خلال صفحة الفيس بوك يدخل فى باب الهزار فى وقت ينبغى أن نتحلى فيه بأقصى أنواع الجدية.