يقول البعض إن الإعلان الدستورى التف على الاستفتاء، وبالتالى ينفى هذا الفريق من الوطنيين المصريين عن الاستفتاء حجيته، لأن الإعلان الدستورى لم يحترم نتائج الاستفتاء بزعمهم. وأزعم أن المسألة ليست التفافا بقدر ما هى ملاءمة وضبط.. لماذا؟ تواصلت مع المستشار طارق البشرى كى أفهم منه كيف يتم حذف الجزء الأول من المادة 189 والتى كانت تحدد كيفية «تعديل» دستور 1971، مع الإبقاء على الجزء الثانى من المادة الذى يحدد كيفية «تغيير» الدستور وما يرتبط بذلك من أن تكون الدعوة لتغيير الدستور من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدلا من رئيس الجمهورية. المستشار البشرى أوضح أن دستور 1971 لم يكن يشتمل على مادة تبيح تغييره، هو كان فقط يتضمن ما يشير إلى كيفية تعديله. اللجنة أضافت فقرة إلى المادة 189 كى يمكن تغييره (وليس فقط تعديله) ثم عمل دستورا جديدا. وكان افتراض لجنة التعديلات أن دستور 1971 باق حتى يتم تغييره. ولكن استجابة من المجلس الأعلى لمطالب قطاع من المواطنين الشرفاء الذين قالوا لا نريد «ترقيع الدستور» (وهو ما لا يتناقض أصلا مع مطالب من قالوا «نعم» لأنها كانت ستعنى دستورا جديدا فى كل الأحوال)، فقد تم إعلان وفاة دستور 1971 فى يوم 30 مارس بدلا من إعلان وفاته بعد عمل الدستور الجديد والذى قد يأخذ عدة أشهر. أما وأن المجلس الأعلى قرر التعجيل بالوفاة لدستور 1971، وهو ما توافق عليه من قال «نعم» ومن قال «لا»، خرج بإعلان دستورى طويل يشبهه المستشار البشرى بأنه «قلب صناعى» إلى أن تنتهى عملية التحول الدستورى بعودة الرئيس والمجلسين ثم نعيد الشرايين إلى القلب الطبيعى (أى الدستور الجديد ومؤسسات الحكم التى ستخرج منه ومعه مثل الرئاسة والهيئة التشريعية) الذى سيكون أقوى وأكثر ديمقراطية وشرعية. إذن بدلا من تعديله تقرر تغييره بإعلان دستورى له 3 مصادر. أولا: صلاحيات كثيرة ومؤقتة للمجلس العسكرى بحكم أنه الآن يقوم بمهام البرلمان والرئاسة. ثانيا: أحكام الاستفتاء جميعا مع ضبط المادة 189 لتناسب حالة وجود «إعلان دستورى» بدلا من «دستور 1971». ثالثا: أحكام من دستور 1971 التى تشكل الهوية وشكل الدولة وضمانات الحقوق والحريات العامة للمواطنين، والأحكام التقليدية التى ترد عادة فى كل دستور مؤقت لحين الانتهاء من الدستور الجديد. إذن المادة 60 ليست خارجة أو متعارضة مع المادة 189 أو المادة 189 مكرر، وإنما هى ضابطة لهما فى ضوء التغيير الذى حدث. فالمادتان فى صيغتهما الأولى كانتا تتحدثان عن بديلين: تعديل الدستور، وتغيير الدستور. أما وأن الإعلان الدستورى أعلن وفاة دستور 1971 فلم يعد هناك ما يفيد إذا أبقينا على الجزء الخاص بكيفية تعديله «فالتعديل فى الميت حرام». وأبقت على الجزء الخاص بكيفية عمل دستور جديد، وأعطت «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» بدلا من «رئيس الجمهورية» صلاحية الدعوة لتغيير الدستور لأنه يقوم الآن مقام رئيس الجمهورية وحذفت الجزء الخاص برئيس الجمهورية من النص الجديد حتى لا نضطر لعمل انتخابات رئاسية أولا. وبالمناسبة كان جزء من النخبة ينتقد التعديلات لأنها كانت ستجعل الانتخابات الرئاسية أولا. ولما استجاب الإعلان الدستورى لمطالب النخبة بجعل الانتخابات البرلمانية أولا، قال البعض: «الدستور أولا». الخلاصة: لم يحدث التفاف من الإعلان الدستورى على الاستفتاء، بل ضبط واستيعاب لمطالب بعض أعضاء النخبة الذين أرادوا وفاة دستور 1971 مبكرا وقد مات وألا تكون انتخابات الرئاسة أولا وقد كان، والآن يريدون الدستور أولا، وهو ما لا أظنه ممكنا إلا إذا أردنا أن نقول ل14 مليون مصرى، قولوا ما تشاءون، وسنفعل ما نشاء. والجهد المبذول حاليا لخلق توافق على المبادىء العامة للدستور أنفع وأولى. وللحديث بقية..