من وراء أحد الأبواب الخلفية لمجلس الوزراء، تطل عيناه على عشرات الواقفين أمامه كل يوم. يخرج نصف وجهه، ينظر إليهم ويصرخ «كل واحد يقف فى الطابور كلكم هتدخلوا يا جماعة، وهتوصلوا شكوتكم إنشاء الله». على، ليس اسمه الحقيقى، يعمل فى حراسة مقر مجلس الوزراء منذ سنوات عديدة ويتنقل بين أبوابه المختلفة. «أنا هنا من زمان وعدى عليا ناس كتير»، يضيف على، وهو يطلب من أحد المسنين، الذى جاء لتقديم شكوى إلى مجلس الوزراء، الجلوس على مقعده حتى يأتى دوره. «أنا مسكت حراسة باب الشكاوى من نحو 20 يوما، والشغل مرهق جدا هنا». هكذا ينظر على إلى طبيعة عمله بينما يسمع كلام أحد المواطنين يقول «إنتو القشة اللى بتتعلق بيها الناس». رحلة الشاكى إلى مجلس الوزراء تبدأ من أمام الباب الخلفى، الذى يرتفع بطول عدة أمتار، وتنتهى فى منتصف شارع حسين حجازى، حيث يقف عشرات الشاكين. «بنحاول نوقف الناس بانتظام، وندخل واحد واحد» يقول على. عدد قليل من المقاعد تنتشر فى المدخل الرئيسى لباب الشكاوى فى المجلس، بجانب بوابة للكشف عن المعادن، يمر منها الشاكى إلى مكتب يجلس عليه موظف، مهمته تدوين اسم الزائر فى كشف أمامه والإطلاع على البطاقة الشخصية له، ثم توجيهه إلى عدد من وكلاء الوزارة المتخصصين فى تلقى الشكاوى. «قبل الثورة لم يكن يأتى كل هذا العدد أمام مجلس الوزراء لأن الناس ما كانتش بتصدق إن المجلس ممكن يحل مشاكلهم»، يوضح على الذى يواجه زحام متزايدا منذ تولى رئيس مجلس الوزراء، عصام شرف، المهمة. عند وكيل وزارة مختص بتلقى الشكاوى تنتهى رحلة الشاكى، الذى يحصل على تأشيرة منه على شكواه ويوجهه إلى الطريق الصحيح للشكوى. فى السادس من مارس الماضى، نزل شرف إلى باب الشكاوى واستقبل المواطنين، فى بادرة هى الأولى من نوعها فى مصر، ومن وقتها يزداد عدد الشكاوى يوما بعد يوم، كما يقول على. «نزول شرف للقاء الناس زود عددهم وبعد ما كنا بنستقبل 30 أو 40 واحدا، بقينا بنستقبل فوق ال 200 واحد فى يوم». وكيل الوزارة المتخصص لتلقى الشكاوى، أحمد عبدالمقصود، يقدر عدد الشكاوى اليومية بنحو 200 إلى 300 شكوى بالبريد والفاكس، وأكثر من 200 شكوى باليد». يفتح باب شكاوى مجلس الوزراء من الثامنة صباحا وحتى الحادية عشرة مساءً، «كل الساعات دى بنستقبل فيها عشرات المواطنين، اللى زادوا بعد تولى عصام شرف المسئولية». يستلم عبدالمقصود الشكوى ثم يقيدها فى دفتر لتلقى الشكاوى، «بعد ذلك تفحص من خلال الموظفين المسئولين، ولو كانوا يستطيعون حلها فورا يقومون بالحل». ويتابع «أو يتم إرسالها إلى الوزارة المختصة لحلها». أحيانا تكون الشكوى خاصة بجهة سيادية، «فى هذه الحالة تدرس بشكل جيد، ثم تحول لمكتب رئيس الوزراء الذى يتخذ قرار بشأنها». منذ أيام تلقى المجلس شكوى من امرأة تطلب إعفاء والدها من مصاريف المستشفى نظرا لضعف حالتها الاجتماعية، «أخذنا الشكوى وتحققنا من عدم قدرتها على الدفع، وتم حل المشكلة مع وزير الصحة فى نفس اليوم». طوال ساعات وقوف على أمام باب المجلس يلتقى عددا هائلا من المواطنين. «والله بحاول أعامل الناس بذوق وأدب علشان دى مهمتى، لكن ساعات كتير يستفزونا». ويضيف على، الذى يبدى تحفظا فى الحديث، نظرا لتبعيته لوزارة الداخلية، أنهم «مش بيتقبلوا أننا نفتشهم قبل ما يدخلوا، بس دى تعليمات، وكل حاجة بنلاقيها معاهم بنشيلها فى درج للأمانات وبعد كده بيخدوها وهما خارجين». الحادية عشرة مساء يغلق على باب الشكاوى، منطلقا إلى منزله، ليستعد ليوم جديد، يفتح فيه باب الأمل لرواد مجلس الوزراء.