كان الخطاب الذى ألقاه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فى الكونجرس جيدا بالنسبة إليه شخصيا، لكنه كان خطابا سيئا بالنسبة لليهود. فعلى الرغم من ارتفاع شعبية نتنياهو بعد الخطاب، وفق ما أظهرته استطلاعات الرأى فى إسرائيل، فإن اللاءات التى تضمنها هذا الخطاب ستمنع مستقبلا استئناف المفاوضات السياسية. لقد عرض نتنياهو فى خطابه أمام الكونجرس الشعار الذى سيخوض على أساسه معركته الانتخابية المقبلة، أى شعار «لا لحدود 67». إن الطرح المفتعل للخط الأخضر كموضوع أساسى للخلاف مع الرئيس الأمريكى يفرض على الأحزاب الأخرى أن تعرض موقفها من هذا الخطاب. من هنا فإن السؤال الأساسى المطروح حاليا هو: هل تؤيد الأحزاب الإسرائيلية الحل الذى عرضه الرئيس أوباما، وهل توافق على خطة كلينتون؟ وهل تقبل هذه الأحزاب إجراء مفاوضات سلام وفقا لمبادرة السلام العربية، إن جميع هذه المبادرات اعتبرت حدود 67 أساسا للحل، ومن خلال الاقتناع بأن هذه الحدود وحدها هى التى ستضمن بقاء إسرائيل دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية. إن مغزى خطاب نتنياهو هو الرفض القاطع لكل مبادرات السلام التى طرحها الحريصون على مصلحة إسرائيل فى كل أنحاء العالم، وقرار بالدخول فى مواجهة مع أصدقائها، ومخاطرة باحتمال نشوب العنف داخل أراضيها وخارجها. لم تظهر هذه النتائج المحتملة لخطاب نتنياهو فى الاستطلاعات التى اجريت فى اليوم التالى للخطاب الذى حصل على التصفيق فى الكونجرس. لكن ينبغى ألا تعمى هذه الاستطلاعات أعين زعماء الأحزاب الأخرى الذين ينبغى عليهم طرح مسار بديل للذى اختاره نتنياهو والليكود والتابعون لهما. فى مواجهة معسكر اليمين يجب أن تقوم حركة تطلق على نفسها اسم «نعم لحدود 67 كأساس للمفاوضات». قد لا يحمل هذا الحزب تجديدا كبيرا، فقد كان إيهود باراك مستعدا لمناقشة هذه الحدود فى قمة كامب ديفيد يوليو 2000، كما أجرت حكومة أولمرت ليفنى مفاوضات مع أبومازن على أساسها 2008. إن حزب كاديما هو الحزب الأول المرشح لحمل لواء حدود 67، وعمليا لم يترك نتنياهو أمام كاديما مجالا كبيرا للاختيار، فإما أن يلحق هذا الحزب بالمسار الذى سيؤدى إلى المواجهة أو يختار موقفا آخر يواجه نتنياهو به بصورة واضحة. ويبدو أن حزب كاديما يجد صعوبة فى اتخاذ قراره. بعد مرور عامين من المعارضة العقيمة، ثمة فرصة أمام تسيبى ليفنى وحزب كاديما كى يتحولا إلى خيار آخر يحمل رسالة واضحة. لكن هل زعيمة المعارضة وأعضاء كتلتها يرغبون فى ذلك؟ وهل يقدر أعضاء هذا الحزب الذين أغلبيتهم جاءت من الليكود على الوقوف صفا واحدا ضد نتنياهو بطل استطلاعات الرأى فى نهاية مايو 2011؟ الجواب على الأرجح هو: لا. لقد آن الأوان لتعبئة كل الشخصيات والأطراف التى تؤيد دولة يهودية ديمقراطية وما زالت تؤمن بوجود فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية وعلى هذه الأطراف، حتى تلك الموجودة خارج المؤسسة السياسية، أن تضع خلافاتها الأيديولوجية جانبا، لأن حكومة نتنياهو تسير بالدولة نحو هاوية سياسية وأمنية. وفقط عندما تتخلى دولة إسرائيل عن سيطرتها على الشعب الفلسطينى، وتحقق اتفاق سلام يضمن التهدئة السياسية والعسكرية، يصبح فى إمكانها التفرغ لحل المشكلات الأخرى، من هنا الحاجة إلى إقامة معسكر يحمل شعار الدفاع عن حدود 67.