نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    حنان مطاوع تخوض سباق رمضان 2026 بمسلسل "المصيدة"    تحالف مصرفى يمول مشروع «Park St. Edition» باستثمارات 16 مليار جنيه    ارتفاع يصل إلى 37 جنيهًا في الضاني والبتلو، أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    غضب ومشادات بسبب رفع «الأجرة» أعلى من النسب المقررة    تراجع عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الأحد بالصاغة بعد الانخفاض الكبير عالميًا    "عام الفضة " دلالة على انهيار المنظومة الاقتصادية ..تدهور الجنيه يدفع المصريين إلى "الملاذ الفضي"    التكنولوجيا المالية على مائدة المؤتمر الدولي الأول للذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة    100 فكرة انتخابية لكتابة برنامج حقيقي يخدم الوطن    سيتغاضى عنها الشركاء الغربيون.. مراقبون: تمثيل كيان العدو بجثامين الأسرى والشهداء جريمة حرب    المستشار الألماني: الاتحاد الأوروبي ليس في وضع يسمح له بالتأثير على الشرق الأوسط حتى لو أراد ذلك    ستيفن صهيوني يكتب: مساعٍ جدية لبدء عصر جديد في العلاقات بين دمشق وموسكو بعد زيارة الشرع لروسيا.. فهل تنجح هذه المساعي؟    ذات يوم مع زويل    «الشيوخ» يبدأ فصلًا تشريعيًا جديدًا.. وعصام الدين فريد رئيسًا للمجلس بالتزكية    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    اتحاد الكرة يهنئ نادي بيراميدز بعد التتويج بكأس السوبر الإفريقي    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    المشدد 15 سنة لمتهمين بحيازة مخدر الحشيش في الإسكندرية    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    رابط المكتبة الإلكترونية لوزارة التعليم 2025-2026.. فيديوهات وتقييمات وكتب دراسية في مكان واحد    حبس عاطلين سرقا هاتفًا وحقيبة في القاهرة    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    تجنب الجدال الانفعالي.. حظ برج القوس اليوم 19 أكتوبر    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    اليوم، ختام زيارة قاعة الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير    منة شلبي: أنا هاوية بأجر محترف وورثت التسامح عن أمي    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    فوائد شرب القرفة باللبن في المساء    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. حماس تسلم جثتين لرهينتين إلى إسرائيل وتؤكد: لا نرغب بالمشاركة فى أى ترتيبات تتعلق بإدارة قطاع غزة.. رحيل زعيم المعارضة الأرجنتينية أثناء بث مباشر لمناظرة سياسية    إبراهيم العامرى: والدى كان يعشق تراب الأهلى.. وأنا مشجع درجة ثالثة للأحمر    عادل عقل: بيراميدز يسطر تاريخا قاريا بعد الفوز بالسوبر الأفريقى.. فيديو    مصرع طفل دهسًا تحت أقدام جاموسة داخل منزله بمركز دار السلام فى سوهاج    مهرجان الجونة السينمائى يمنح كيت بلانشيت جائزة بطلة الإنسانية    مصرع شخص إثر انقلاب سيارته على طريق مصر - الإسماعيلية    أخبار 24 ساعة.. زيادة مخصصات تكافل وكرامة بنسبة 22.7% لتصل إلى 54 مليار جنيه    أتلتيكو مدريد يتخطى أوساسونا في الدوري الإسباني    ليبيا.. البرلمان يعلن انتهاء الاقتراع فى انتخابات المجالس البلدية دون خروقات    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة الدولي    جيش الاحتلال الإسرائيلي يتسلم جثمانين لرهينتين من الصليب الأحمر    مباراة ب 6 ملايين دولار.. سينر يتوج ببطولة الملوك الستة في السعودية للمرة الثانية على التوالي    كولومبيا تنتزع برونزية كأس العالم للشباب من فرنسا    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    الوطنية للانتخابات: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة الكثافات الانتخابية    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    من رؤيا إلى واقع.. حكاية بناء كنيسة العذراء بالزيتون    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أن يزول الألم
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 05 - 2011

شعرت خلال الأيام القليلة الماضية بتغيير جوهرى. يمكننى استكشاف ذلك فى جسدى، فى الخفة التى أشعر بها فى ظهرى. فبالرغم من أن معمر القذافى، الذى ظل جاثما فوق صدر ليبيا طوال 41 عاما مازال هناك، فإن التاريخ قد تجاوزه، وأصبح من المستحيل الآن تصور أنه سوف يظل قائدا لليبيا لفترة طويلة.
خلال 32 عاما، منذ غادرت أسرتى ليبيا، ظللت أشعر بأن شخصا يقف خلفى مستعدا لأن يؤذينى. والآن أتذكر أحد الأيام عندما هبطت الطائرة فى مطار هيثرو، بعدما كنت أغيظ والدى بسبب اللون الجديد الذى صبغ به شعره، وبينما كنت انتظر فى ساحة الوصول، سمعت شخصا يقول لرجل آخر كان يقف إلى جانبه: «تُرى ما هو شكل جبالة مطر هذا؟» وكانت لكنته ليبية.
لم أغظ والدى بعد ذلك قط عندما كان يصبغ شعره، أو يضع ظلالا داكنة بشعة المنظر على شعره أيام الأجازات التى تقضيها الأسرة فى أوروبا. كما أننى لم أغظه عندما طلب منى الابتعاد بينما كان يفحص ما إذا كانت السيارة بها جهاز للتنصت أم لا.
بينما كنت أعيش فى المنفى فى مصر، كان يلازمنا حراس مسلحون. وكانوا يجلسون أمام الباب، يتبعوننا أينما نذهب. وأصبح جزءا من طبيعتنا أن نتصور أنه يجرى تسجيل أحاديثنا سواء أكانت عبر الهاتف، أم فى المنزل، أم فى أى مكان. ولم يغب عن بالنا قط أن حياتنا كانت تخضع لمراقبة أجهزة الأمن المصرية أو الليبية، بسبب معارضة والدنا الصريحة لنظام القذافى. وكنا نظن أن جميع الخدم الذين جاءوا إلى منزلنا، الذين يرتبون أسرتنا ويعدون طعامنا، كانوا مرتبطين بجهاز المخابرات المصرى.
وكنا نعلم أن أولئك الحراس الذين فرضتهم الحكومة المصرية علينا لم يأتوا من أجل حمايتنا، بل من أجل مراقبة حياتنا. وبعد عشر سنوات من الحياة فى ظل هذه الظروف، أى فى عام 1990، عندما أصبح من الملائم، بل والمفيد بالنسبة للنظام المصرى أن يسلمنا إلى الليبيين، قام الرجال أنفسهم الذين كانوا يحرسوننا باختطاف والدى. ثم قاموا بتهديدنا كى نلزم الهدوء، وقالوا لنا، «إذا تكلمتم، فسوف يضر ذلك السيد جبالة».
أقنعنا المصريون بأن والدى محتجز فى مصر. وبعد ثلاثة أعوام، وصل إلينا خطاب هُرِب من سجن أبوسالم سيئ السمعة الواقع فى طرابلس الذى يضم المساجين السياسيين. كانت الرسالة مكتوبة بخط والدى، الذى أوضح لنا أنه أُخذ إلى ليبيا فى اليوم التالى لاختطافه. وبالرغم من أن الخطاب كشف الحقيقة، فقد جعلنا نلزم الصمت أكثر، حيث طلب والدى منا ألا نخبر أحدا بهذه الرسالة، وقال: «إذا حدث ذلك، فسوف يأخذوننى إلى هاوية ليس لها نهاية. أفضل أن أموت من التعذيب ولا أكشف أسماء أولئك الذى ساعدوا فى تسليم هذه الرسالة».
وفى نهاية المطاف، أصبح لا يمكن احتمال الصمت. وأخيرا تكلمت. وكان صدور روايتى «In the Country of Men»، التى تدور حول الحياة فى ليبيا فى ظل نظام القذافى عام 2006، بداية معارضتى العلنية للنظام الليبى الديكتاتورى، وهو ما سبب قلقا شديدا لأسرتى. ولم يعد مأمونا بالنسبة لى أن أزور مصر.
وفى غضون السنوات الخمس الماضية، لم أستطع زيارة المدينة التى تعيش فيها أسرتى وأصدقاء طفولتى. وكان العديد من الأصدقاء والأقارب الليبيين يتصلون بى عند زيارتهم لندن. ودخلت مرحلة المنفى الثانية. ثم بدأ المسئولون الليبيون يبعثون إلى برسائل يطالبونى فيها بالتوقف عن المعارضة. وعرضوا علىّ رشاوى. وعندما لم يُجدِ ذلك، بدأت التهديدات الصريحة.
وعقب كل مقال أو حوار تليفزيونى كنت انتقد فيه الحكومة الليبية، أو أُسمى الديكتاتور ديكتاتورا وهى جريمة عقوبتها الإعدام فى ليبيا كنت أقضى أياما أشعر فيها بثقل مراقبة النظام لى، وكنت أقول لنفسى: «يجب أن أتوقف عن الشعور بجنون الشك».
وفى كل مرة يخبر فيها ليبى سائقا للتاكسى فى نيويورك أو لندن أو باريس أو القاهرة بجنسيته، يرد السائق «نعم، القذافى».
وكنت دائما أرد قائلا: «لا ليس القذافى.. أنا من ليبيا».
وفى غضون العقد الماضى على وجه الخصوص، كنت أشعر بنفسى تزداد يأسا. وبدأت أتساءل عما إذا كان القذافى قد نجح فى قتل الروح الليبية أم لا، وبدأت أشعر بقلبى يصبح أكثر قسوة تجاه بلادى، وانتابنى شعور هادئ وخبيث بالنفور من أهل بلدى. أقول خبيثا لأن كراهية الأهل تساوى كراهية النفس. وفى بعض الأحيان، وأثناء وجودى فى تجمعات ليبية، كان هذا الشعور يختفى للحظات، حيث أجد نفسى يملؤها حب كل ما هو ليبى. وكان التأرجح بين هاتين الحالتين المتناقضتين يشعرنى بالفراغ والإرهاق.
إننى فى الأربعين من العمر. ولم أعرف ليبيا بدون القذافى. وفى هذه الأيام، بينما أشهد سقوط الديكتاتورية، والأهم من ذلك نهوض الشعب الليبى، أدرك أنه قبل هذه اللحظة، كانت بلادى تمثل إلى أبعد حد مصدرا للخوف والألم والحرج. والآن أصبحت مصدرا للسعادة والفخر.
وبالرغم من التقارب الزمنى والجغرافى بين الثورة الليبية وبين انتفاضتى تونس ومصر، تظل هذه الثورة فريدة من نوعها. ويمثل ذلك أمرا مرضيا، لأن مشروع القذافى كان دوما كحملة نرجسية، تركز فى المقام الأول على إعادة تشكيل الشعب وفقا لرؤيته. والآن، يمكننا أن نرى أنه فشل، وأن الروح الإنسانية تهفو دوما إلى النور.
عندما يرقص الليبيون فى المساحة الواقعة بين البحر ومقر المحكمة فى بنغازى، ممسكين بأيدى بعضهم البعض، ويتمايلون بينما ينشدون «سوف نظل هنا، إلى أن يزول الألم»، فإنهم يعيدون اكتشاف كل ما هو جميل فى ليبيا؛ مقاومتنا الطويلة للفاشية موسولينى ثم القذافى وحبنا للاعتدال، وانفتاحنا المتوسطى على العالم، وروح الفكاهة والغناء لدينا.
كانت آخر مرة سمعت فيها شيئا من والدى عام 1995. لا أعلم ماذا فعل به القذافى، لكنى أعلم أن الديكتاتور فشل فى قتل الروح الليبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.