كانت ثورة الخامس و العشرين من يناير كمن القى بحجر كبير فى بحر هادئ فاثار دوامات و موجات تلك التى رأيناها فى ميدان التحرير سواء عن قرب او عن بعد. ثم رأينا أبا الهول القابع فى مكانه على بعد عدة كيلومترات من موقع ميدان التحرير يشب قامته التى لم تحرك ساكنا طوال آلاف السنين حتى ما يرى ما يحدث فى ميدان التحرير. ومن مركز الاحداث حيث ارتفعت الموجات و توسعت الدوامات راينا موجات و دوامات اخرى اتية من شارع طلعت حرب و هذه امثلها بالشباب الثائر من الطبقة المتوسطة و القصر العينى و تلك اشبهها بالشباب المتنعم و من وسط البلد حيث البسطاء بل و ايضا جموع المصلين على كوبرى قصر النيل الذين واجهتهم عربات الشرطة بخراطيم المياه التى سرعان ما تحولت الى قذافات لهب الا انها لم ترغم هؤلاء الشبان على انهاء صلواتهم سريعا بل الهبتهم معونة الهية ليتمموا ما جاءوا لاجله. و من خلف مجمع التحرير حيت تقبع كنيسة التحرير و المسماة بكنيسة قصر الدوبارة حضر شباب مسيحى ليرنم و يصلى على ارض ميدان التحرير مع دفعات موجات مسيحية متلاحقة لم نراها منذ زمن بعيد تشارك فى صناعة مستقبل الوطن كل هذه الموجات و الدوامات على اختلاف طول موجاتها و ذبذباتها او ما يسميه علماء الفيزياء بالامبليتيودة، كلها تلاقت فى التحرير تدافعت و تزاخمت و راينا رذاذ الحرية و زبد امواجه فى تدافع امواج الثورة ينعش رؤيا و مسمع هؤلاء المتعطشين الى الحرية. و لكن اتت الدوامات، و ما ادراك ما هى الدوامات، ان الدوامة حسب قوتها تدفع السابح الى اسفل و من يعرف فنون السباحة يستطيع ان يطوع جسده ليعلو مع الموجة و لا يهبط مع الدوامة. الا ان هناك دوامات كانت مختفية و لا نراها، دوامات لم تات مع الدفعات الاولى بل تباعا، هذه الدوامات اسميناها فزاعات لا ضرر منها، هذه الدوامات اتت لتغرق سباحى الحرية فى بحر التحرير، اتت من مجاهل الزمن، و عادت من حيث لا نعرف.. الا انها تركت آثارها على مسيرة الثورة هذه الدوامات جعلت بعض البسطاء يرددون مقولة المصرى الطيب: من فات قديمه تاه و ما ينسى العشرة الا قليل الاصل، بل انها ذكرتنى بمقولة ما يحب القط الاخناقه. هنا اعتمد على حصافة و نباهة قارئى ليفهم و يعي ما اريد قوله. و اصبحنا كمن يبحر بسفينة تحمل كنوزا لا تقدر الا انها تفتقد الى القبطان و انا لا أعنى بالقبطان هنا شخصا بعينه و انما ائتلاف من شعبنا الاصيل يتحمل المسئولية و يوجه سفينة الثورة نحو هدفها الذى قامت لأجله، و الكنوز التى ذكرتها و تذخر هذه السفينة بحملها ما هى الا شعب مصر بكل طوائفه، نعم بكل طوائفه و التى لا استثنى منها أحدا.، فكل طائفة و كل جماعة هى اثراء للتنوع الفكرى و تدعيم للتراث الحضارى لبلادنا. الا اننى اخشى اننا لازلنا نفتقد الى فضيلة الاحساس بالآخر، ان يخرج كل منا الى خارج تلك القوقعة التى يقبع فيها و ينفتح على الآخرين حاملا همومهم فى قلبه مشاركهم اياها. هذه أطلبها ايضا لنفسى و اسعى جاهدا ليس فقط لفهمها بل ا يضا لتطبيقها أخشى ان تخلق كل فئة لنفسها كابينة قيادة خاصة تحاول بها ان تدفع السفينة دفعا الى هدفها الخاص بها، و هنا تصورت لو ان سفينة الثورة هذه قد حاول راكبوها قيادتها بالعنوة الى اتجاهات مختلفة دونما الاتفاق على خريطة طريق واحدة تحمل فى طياتها كل امانى المصريين، اخشى ان نرتطم بجبال الجليد المدمرة الظاهرة و الخادعة ، او بصخور مغمورة مختفية. او ان نتعرض لقرصنة غريبة تنتظر الفرصة لتنقض على سفينتنا و توجهها الى وجهتها الخاصة الى حيث لا نعلم و الان اتساءل عن بعد عن حالة بحر الحرية فى ميدان التحرير هل هدأت صفحته و بان نقاء مائه الذى عكرت صفوته امواج و دوامات دفعت عيوب مجتمعنا التى تراكمت عبر السنين الى اعلى؟ هل استقرت فى قاعه ارواح الساعين بالاخلاص نحو الحرية و كتمت انفاسهم؟ هل تعوم على صفحته سفن التخلف محاولة احتلال الجزر الاستراتيجية حتى ما تتحكم فى مداخل التحرير طلعت حرب من وسط البلد، و القصر العينى و و القصر العينى و شبابه المتدين المتسامح و قصر الدوبارة و شبابها و شيوخها الذين صدحوا فى ميدان التحرير نشيد بارك بلادى يا رب؟ و انت يا ابا الهول لماذا اراك عدت مرة اخرى الى سكونك، لماذا عدت الى صمتك؟ هل لانك حكيم خبير و عليم؟ صمتك يخيفنى و عودتك الى سكونك يرعبنى ان اجابات التساؤلات السابقة هى ساكنة و قابعة فى ضمائرنا و الافصاح عنها لبعضنا البعض حتى لو اختلفت مراجعنا دينية كانت او ايديولوجية سيساعدنا لان يفهم بعضنا البعض و ان يشعر بعضنا بهموم البعض الآخر اخشى ان يجف بحر الحرية فى ميدان التحرير اخشى ان يكشف قاعه بعد جفاف مياه حريته بعد فوات الاوان عن اسباب تخلفنا عن اسباب تراجع مكانة بلادنا التى كانت يوما ما مهد الحضارة فى العالم لم و لن افقد تفاؤلى اذ اننى اثق فى اصالة أبناء بلادى مصر حتى و ان اختلفنا، و لو فرق الدين بيننا دعونا نجتمع على شعار الحب هو الحل أن يشعر كل منا بهموم الآخر و يتفهمها حتى ما نستطيع ان نقود سفينتنا بسواعدنا و رصيد حضاراتنا