الإسكان: طرح تكميلي جديد لوحدات المصريين بالخارج بمبادرة بيتك في مصر    مؤسسة راعي مصر تكرم طلاب الجامعة الألمانية لتصميم مشروع مدينة تنموية بالمنيا    وفد حماس يصل القاهرة للمشاركة فى مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة    نتنياهو لرئيس الشاباك الجديد: هناك الكثير من العمل ونجاحك هو أمن للدولة    سيلتا فيجو ضد أتلتيكو مدريد.. هدف عكسي وحالة طرد في شوط مثير    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع جون إدوارد.. وانتظار الاجتماع مع يانيك فيريرا    الإسماعيلى يعلن خطوات المشاركة فى التصويت على التعديلات الخاصة بلائحة النادى    انتهاء الخلاف بين المعلم والطالب بمدرسة بالقناطر الخيرية بتصالح الطرفين    القبض على 6 متهمين بالتشاجر بالأسلحة النارية فى المنيا    أسرة عبد الحليم حافظ تعلن إغلاق منزله أمام الجمهور بعد جدل حول فرض الرسوم    محمد ثروت وهانى شاكر يجتمعان احتفالا بانتصارات أكتوبر بعد 40 عاما من دويتو "بلدى"    محمد أبو شامة: مصر تلعب دورًا محوريًا في مستقبل القضية الفلسطينية    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور البنات مع المشاهير؟.. دار الإفتاء تجيب    أمين الفتوى يجيب على سؤال حول حكم ضرب الزوج لزوجته.. حرام فى هذه الحالة    نائب وزير الصحة يبحث مع محافظ الدقهلية التعاون فى تطوير المنظومة الصحية    «شاهد على النصر».. صلاح عبدالرازق: استقبلت «عساف ياجورى» أسيرًا فى السجن الحربى    الديهي: جيل كامل لا يعرف تاريخ بلده.. ومطلوب حملة وعي بصرية للأجيال    ماذا قال الجيش اللبناني بعد التحقيق مع فضل شاكر؟    لينك تحميل تقييمات الأسبوع الأول للعام الدراسي 2025-2026 (الخطوات)    المشدد 10 سنوات ل شقيقين بتهمة الشروع في قتل شخص آخر بالمنيا    الرئيس التشيكي يضع الانتماء إلى الناتو والاتحاد الأوروبي في صميم مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة    مقتل 44 شخصا على الأقل جراء انهيارات أرضية في نيبال    اليوم العالمي للمعلمين 2025.. دعوة لإعادة صياغة مهنة التدريس    «إوعى تآمنلهم».. 3 أبراج أكثر مكرًا    ثقافة سوهاج تناقش آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب    تامر فرج عن وفاة المخرج سامح عبد العزيز: معرفتش أعيط لحد ما غسلته (فيديو)    اجتماع ل «قيادات أوقاف الاسكندرية» لمتابعة ملحقات المساجد والمستأجرين (صور)    500 شاب وطفل من ذوي الهمم يشاركون في القافلة المجتمعية لوزارة الشباب بالمنيا    مواقيت الصلاه غدا الإثنين 6 اكتوبرفى محافظة المنيا.... تعرف عليها    أذكار المساء: دليل عملي لراحة البال وحماية المسلم قبل النوم    عمران القاهرة.. بين السلطة الحاكمة ورأس المال وفقراء الشعب    وكيل وزارة الصحة يتفقد مستشفى كفر الشيخ العام ويؤكد: صحة المواطن أولوية قصوى    ارتفاع بورصات الخليج مدفوعة بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    هالاند يقود جوارديولا لانتصاره رقم 250 في الدوري الإنجليزي على حساب برينتفورد    محافظ القاهرة: ضبط 76 ألفًا و461 طن لحوم ومقطعات دواجن مجهولة المصدر    أحمد عابدين يخطف الأضواء بعد هدفه في شباك شيلي بتصفيات كأس العالم للشباب    مباحث تموين الغربية تضبط 42 مخالفة في حملة رقابية خلال 24 ساعة"    سلمي أبو ضيف تشعل إنستجرام بإطلالة حمراء جريئة    جامعة بنها الأهلية تنظم الندوة التثقيفية احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة    مستشفى الغردقة العام تستقبل الراغبين فى الترشح لانتخابات النواب لإجراء الكشف الطبي    «بس ماترجعوش تزعلوا».. شوبير يعتذر ل عمرو زكي    أفشة: مشوار الدوري طويل.. وتعاهدنا على إسعاد الجماهير    مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي يكرم فناني ومبدعي المدينة (صور)    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    مجمع إعلام القليوبية يطلق حملة «أمن الطاقة مسئولية الجميع»    مجلس الوزراء يوافق على تقنين أوضاع 160 كنيسة ومبنى تابعًا ليصل الإجمالي إلى 3613 دار عبادة    رسميًا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة شهر أكتوبر 2025    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    مبابي ينضم إلى معسكر منتخب فرنسا رغم الإصابة مع ريال مدريد    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    عشرات الشهداء في 24 ساعة.. حصيلة جديدة لضحايا الحرب على غزة    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    وزير الدفاع الإسرائيلي: 900 ألف فلسطيني نزحوا من مدينة غزة نحو جنوبي القطاع    «السبكي» يلتقي رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حماة الأرض» لبحث أوجه التعاون    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(أول النهار) الرواية التى انتصر لها الطيب صالح
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 05 - 2011

فى ظل اللا منطق الذى يحكم معايير التقييم الأدبى، فى مصر وخارجها، يحسب للجوائز الأدبية، تنويهها عن أعمال، يكون من بينها ما يستحق الاهتمام، وهو ما جرى مؤخرا مع رواية «أول النهار» للكاتب سعد القرش، التى حازت بُعيد ثورة 25 يناير، المركز الأول لجائزة الطيب صالح السودانية، واستتبعها طبعة ثانية من الرواية، عن الدار المصرية اللبنانية، بعد أكثر من خمس سنوات من طبعتها الأولى، ومن تجاهلها نقديا.
الرواية هى الجزء الأول، والأجمل، من حكاية أوزير، القرية التى أسسها سعد القرش من العدم، فوق الطمى الذى خلفه أحد فيضانات النصف الثانى من القرن الثامن عشر، مبتلعا كل ملامح أوزير القديمة، بناسها، وبيوتها، ومواشيها، وكاتبا النجاة الثانية لكبير القرية الحاج عمران، المشدود إلى نبوءة غجرية، بأنه من عائلة مشئومة، تقصمها كارثة، كل خمسين عاما.
كان عمران رضيعا لا يزال، عندما تاهت به الفتاة حليمة، ابنة أحد خدم الدار، وسط قافلة لغجر راحلين إلى سمنود، إلى أن حل بهما الليل، ومن وراءه صبحٌ، وشى بهلاك جميع أهل الدار، لتترمل الصبية، عذراء، على السيد الصغير، وما يفصل عمريهما إلا عشر سنوات.
بعد خمسين سنة أخرى، فُتح المشهد على عمران وهو يلعن أشباحا، ويقذف السماء بحجر، غير منتبه، وهو يستعيد نبوءة الغجرية التى آن موعدها، إلى تحيات مارة، ظنوا أن به مسا من جنون.
وبالفعل لم تخلف النبوءة موعدها، وقضت على أهل عمران كافة؛ زوجتيه، وابنتيه، بمن فيهم العروس التى كانت تفصلها ساعات عن رجلها الجديد، وجميع أهل القرية، التى غشيها الفيضان، ولم ينج إلا حليمة وعمران، ومؤقتا ابنه مبروك، وهوجاسيان العبد وابنته هند، إذ كانوا فى سمنود يكملون «شوار» العروس القتيلة.
بزواج مبروك من هند ابنة هوجاسيان، على مضض من أبيه، ينكشف الجزء الثانى من نبوءة نفس الغجرية، وهى كون عمران: «سيكبر وحيدا، ولن يعيش له ولدان معا»، ثم نبوءةٌ مستقلة عن هند التى يموت كل من رآها عارية.
جرى ذلك مع أمها عقب ولادتها، ومع المملوك الذى كان يتلصص على جسدها وهى تستحم فى الترعة، وصولا إلى عريس الليلة الواحدة، الذى تحطم رأسه بعد زواجهما بليلة حب، وحزن، وفاجعة لن تنسى.
وكانت ليلة عوتب فيها الموت بمرارة، فاستباقا لما لم يكن يظنه مبروك نهايته، نظر إلى السماء، و«تساءل عن معنى الموت.. عن ضياع بلد بكامله، فى لحظات غضب لفيضان أحمق، يلتهم العابد والعاصى.. عن غياب عروس فى الطمى، قبل أيام من تحقق حلمها بالزواج.. عن انطفاء فرح أمها بزفافها، بل عن عدم تمكن هذه الأم من الحزن، على عروس ماتت بلا عزاء. ولعن حياة تأتى فى لحظة نشوة، وتذهب عبثا. يأتون من عدم، ويذهبون إلى عدم، فلماذا لا يُعفون من هذا العناء؟».
وقبله قالت هند: «إنها الليلة حزينة، حزنا لم تعرفه ولم تجربه من قبل؛ فلأول مرة يغمرها اليتم بمرارته».
رحل مبروك، ملقيا بالدار الجديد قطعة من الحزن المقيم، وعداوة من عمران تجاه «ابنة العبد»، لم تخففها حتى وصية ابنه بها، إلى أن علم
بامتداد مبروك فى رحم هند، عبر توءمين هما سالم وعامر، أحدهما سيشبه أباه حد تطابق الوجه، والزواج من ابنة أحد الرعايا الفقراء، والموت كذلك عشية الزفاف، مستنبتا وجعا جديدا فى الدار، وعداوة قديمة تجاه هند لأنها من طالبت الولد بتقصى أثر أخيه، الذى اختطفه أحد جلابى الرقيق، عقب معركة التخلص من رجال الباشا الظالمين، وسيشبه سالم أباه أيضا فى ترك ولد، ستحوطه كل نساء البيت بالرعاية، فيشب ضعيف الهمة.
أما عامر الذى أخطأت بلطة الجلاب روحه إلى روح أخيه، فسيهيم على وجهه لأكثر من ربع قرن، يتحول خلالها إلى ولى، وحشاش، فهو ك«زير نساء» أغرت فحولته امرأة ذات خيمة، وبغل نفر خارجها، وخلع أوتادها، فحضر جيرانها، بأن تباركه وليا، وأشاع عنه جيرانها الصلاح والتقوى، فزاد مريدوه، وتناقل الناس كراماته، وتهافتت عليه النساء يهبنه أنفسهن، ولكى لا تتعذب روحه لحظة خروجها، مثل روح أخيه الذى مات فوق ظهره، دون أن يدرى.. لجأ إلى الحشيش، للإفلات من الألم، متمنيا أن يأتيه الموت وهو نائم أو سكران، إلى أن عثر عليه «على الله القهوجى» المكلف بالبحث عنه، وعاد به إلى جده، بطل الرواية التراجيدى، ليلتقى فى اليوم نفسه بصفية ابنة الحلبى، التى منعت عنه نفسها قبل 25 عاما، ويكون له منها ولدان، تضعهما وتموت، ومن قبلها حليمة ثم عمران، فيتهم عامر رضيعيه بالقتل، ولا يستعيد فرحته إلا بزواجه من الأرملة المغربية «زهرة»، التى رعت ولديه، وتلهى بها عن أوزير وفلاحيها، الذين حال بينه وبينهم، منصور ابن على الله القهوجى، بعدما استغل تلهيه وسيطر على القرية.
وانتهى إلى هنا نهار القرية، وبدأ ليلها الذى ستحكيه الرواية التالية لسعد القرش «ليل أوزير»، لكن ستظل «أول النهار» العمل الأحب لكاتبها من سابقه ولاحقه، كما وشى لصديقه الشاعر محمود قرنى، قبل أسابيع، فى الحوار الذى نشرته جريدة القدس العربى اللندنية، ووشى له أيضا، كم كان يتمنى لو ظلت أحداث الرواية عائمة بلا زمن، مبديا ندمه على التاريخ الوحيد الذى ذكره فى الرواية، فوشى بزمانها، وهو موت كبير المماليك «محمد بك أبوالدهب» فى سبعينيات القرن ال18.
فى نفس الحوار قال القرش عن روايته إنها «تمتد زمنيا لحوالى مائة سنة من الكوارث والموت والأوبئة والاحتلال الوطنى والأجنبى»، لكن هذا لا يعنى أن أوزير كانت مدينة للأشباح، بل طابقت وصف الناقد عبدالرحيم مؤدن فى كونها «قريةٌ بحجم العالم». فبين كل موت والذى يليه، كانت القرية تُنحت فوق الطين، وتُستنبت فيها حياة، عبر بيوت، وحقول، وبوابات حصينة، لصد الغاصبين، وأسواق صغيرة، وزيجات وأبناء، وأحلام، ما مكنها عبر مائة عام هى دورة حياة عمران، أن تتصدى للملتزمين من رجال الباشا، فى معركة فاضت بعدها روح سالم، وعندما جاء دور المحتل الفرنسى، أدت أوزير دورها بإخلاص كاد يقضى على كبيرها الجديد عامر.
حيواتٌ متقطعة، وموتٌ متربص، عبر نبوءات، وطواعين، وحب قاتل، ووشايات، بطنت صفحات الرواية بهَم، أجزم أن سيُبكى من يقرأه، ستدفعه لغة سعد القرش شديدة الشاعرية والقصدية أن يفعل، وسيبقى زمنا، قبل أن ينتزع من تفاصيله، شخوص وأمكنة وحواديت الرواية ليعيدهم إلى الورق، بينما ستظل «أوزير» قرية المائة عام، والأجيال المتواترة، والمصائر، كما ظلت «ماكوندو»، قرية ماركيز، التى بنى فوقها «مائة عام من العزلة»، نصف أسطورة لا تملك إلا أن تصدقها، وتحب عالمها، الذى ضمن حكايات قلائل، لم يتوسل أرصفة وسط البلد، ومقاهيها، ومهمشيها، مفرطى الفحولة، والعجز. هى حكاية الكون، المجتزئة، من تاريخ أو سيرة «بلاد تخرج إلى النهار».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.