بين الدين والسياسة إشكالية تُطرح بين الحين والآخر باعتبارات وملابسات متعددة ومن ألوان وأطياف فكرية متنوعة وبأهداف ومقاصد متوافقة أو متصارعة ، لكنها في جميع الأحوال صارت مادة للتناول وبصفة خاصة بعد ثورة 25 يناير وما أفرزته من أجواء ومناخات الحرية والإتاحة غير المسبوقة ، خلفيات الاستنزاف تطرح الإشكالية بخلفيات متعددة منها : ** تصفية الحسابات التاريخية ... ويقف في هذا المربع مجموعة الليبراليين الجدد ، بعض رجال الفكر والسياسة والإعلام و أساتذة الجامعات بهدف الفصل و القطع بين ماهو دعوي وما هو سياسي بل يرون أن الخلط بينهما مخالفة دستورية وكارثة إنسانية ويستدعون فزاعة الدولة الدينية بهدف الإرهاب الفكري والابتزاز السياسي وقد يفهم – بقصد ودون قصد - في كثير من الأحيان موقفهم العدائي من المتدينين بل أحياناً من الدين ذاته ** فشل التجارب الليبرالية والعلمانية وسقوط الشعارات .... ويقف في هذا المربع غالبية الشعوب العربية والنخبة الإسلامية التي عايشت تجارب التيار العلماني والليبرالي منذ خمسينيات القرن الماضي ولم تفرز إلا أنظمة الاستبداد والفساد والقمع ** الرصيد السلبي وقسوة التجربة ..... ويقف في هذا المربع عدد غير قليل من الذين اتخذوا التجارب الإسلامية السابقة غير الناجحة في العديد من البلدان التي رفعت شارات إسلامية ولم تحقق ما وعدت به الشعوب بل كان الإخفاق والشقاق والتراجع في مجالا ت المعيشة والسياسة والحريات هو الحصاد المر ** غياب مفهوم شمولية الإسلام ..... ويقف في هذا المربع عدد غير قليل من عوام المسلمين قليلي الثقافة والاطلاع سواء من المتعلمين أو الأميين وغالبية المنتمين للتيارات والطرق الصوفية الفرص المهدرة وقد تعددت بعد نجاح ثورة 25 يناير ومنها : ** سقوط الاستبداد والفساد والقمع ومناخ الحريات غير المسبوقة والإتاحة لكل التيارات المصرية باختلاف ألوانها وأفكارها ومعتقداتها فضلاً عن تحسن الصورة الذهنية لدى الغرب عن العرب بصفة عامة والمصريين بصفة خاصة"راجع أخر استطلاع للرأي الذي أكد أن التجاوب مع المصريين وصل إلى 70%" ** منظومة القيم المصرية الأصلية لشعب متدين بفطرته والتي تجلت خلال فعاليات الثورة في ميدان التحرير وكل شوارع مصر ، فكان التضامن والتعاون ووحدة الصف وتجاوز الخلافات وإقصاء اللافتات والشعارات الخاصة وحضور اللافتات الموحدة للشعب كل الشعب ، فضلاً عن إنكار الذات وإعلاء مكانة الوطن "اختفاء التحرش والسرقة والعنف الاجتماعي والفتنة الطائفية حين رفع المصحف مع الصليب و خطب الدكتور القرضاوي في أكبر جمعة بتاريخ المسلمين منذ بعثة النبي "ص"خطاباً لم تعهده الدنيا حين قال : أيها المسلمون أيها المسيحيون.." مقترحات للتواصل والتهدئة ** وقف التلاسن والاستنزاف الإعلامي المتبادل ** طرح مشروع وطني للإصلاح يعتمد المساحات المشتركة بين المصريين "الأحزاب السياسية والقوى الشعبية وهي كثيرة "راجع المشروع الذي طرحه الإخوان في اللقاء الخامس من أجل مصر ونال القبول المبدئي لكنه لم يستكمل" ** إعادة النظر في رؤية بعض النخبة الوطنية حول ما يسمى "التنوع الوظيفي " الذي يعتمد استحالة الفصل بين الدين والسياسة لكن من الممكن تنظيم العلاقة بينهما حيث لكل مجال لغته وميدانه ووسائله والفئات المستهدفة، بل والوعاء القانوني الذي يمارس من خلاله، "راجع تجارب المغرب وتركيا والكويت " ** اعتماد ميثاق شرف للعمل الوطني ، على مستوى لغة الخطاب والتأطير الحزبي والفعاليات حفاظاً على النسيج المجتمعي ، نحدد من خلاله أين تمارس الدعوة وأين تمارس السياسة؟ وغير ذلك من الأعمال والمهام الوطنية الملحة خلاصة الطرح .... نحن بحاجة ملحة للتربية الخلقية والنفسية والإيمانية المتكاملة كما أننا بحاجة للممارسات السياسية والمجتمعية الناضجة ، لكننا أشد احتياجاً لعبور هذه المرحلة الحرجة من عمر ثورتنا العملاقة حفاظاً على قيم التعايش والتفاهم والقبول المتبادل ووحدة نسيج الوطن ، الأفكار كثيرة والفرص وفيرة لكنها تحتاج لمزيد من الإنضاج والتوافق أملاً في تحقيق التوظيف الأمثل والأداء الأفضل بعيداً عن معارك الاستنزاف وإهدار الفرص!! .... حفظك الله يا مصر الثورة والأمل ....