الجريدة الرسمية تنشر 4 قرارات جديدة للرئيس السيسي    رسميًا.. غدًا إجازة رأس السنة الهجرية 2025 في مصر للموظفين (حكومي وخاص وبنوك)    25 يونيو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    البنك الدولي يوافق على منحة تمويلية ب146 مليون دولار لسوريا بهدف إعادة تأهيل شبكة الكهرباء    إحالة 4 قيادات في بورسعيد إلى التحقيق لغيابهم عن حضور المجلس التنفيذي    وزيرة البيئة ومحافظ جنوب سيناء يطلقان حملة رفع الوعي البيئي بمشروع "جرين شرم"    اتفاق مع «بيت الزكاة» على توفير وحدات سكنية للأسر الأولى بالرعاية في أسيوط (تفاصيل)    جولة تفقدية لرئيس شركة الصرف الصحي في الإسكندرية بالمحطات    نتنياهو بعد مقتل 7 جنود في كمين للمقاومة: يوم عصيب على إسرائيل    جروسي: عودة المفتشين إلى منشآت إيران النووية أولوية قصوى    الترجي ضد تشيلسي.. الجماهير التونسية تتألق برسائل فلسطين في مونديال الأندية    استشهاد 16 فلسطينيا وإصابة آخرين فى قصف الاحتلال أنحاء متفرقة فى غزة    ترامب: اتفاق بشأن الحرب على غزة قريبا جدًا    «أنا لاعب محترف».. شوبير ينقل رسالة ديانج ويكشف مصيره مع الأهلي    أليو ديانج يكشف موقفه من الاستمرار مع الأهلي (تفاصيل)    بحضور وزير الرياضة.. تقديم الإسباني باسكوال مديرًا فنيًا لمنتخب مصر لكرة اليد    «في دولة أوروبية».. شوبير يكشف تفاصيل معسكر الأهلي    مقتل طفلين على يد والدهما في قرية قويسنا البلد بالمنوفية.. والنيابة تباشر التحقيق    السيطرة على حريق داخل مخزن دهانات بالبراجيل.. والمعاينة الأولية: ماس كهربائي السبب    أول ظهور للطالبة "غادة" الأولى على الشهادة الإعدادية بالأقصر: المداومة على حفظ القرآن سر تفوقي    حملات مرورية لرصد المخالفات بمحاور القاهرة والجيزة    إصابة 13 شخصا إثر حادث انقلاب أتوبيس بطريق مصر إسماعيلية الصحراوي    اليوم.. محاكمة 57 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في الشروق    «السكة الحديد»: تشغيل تجريبي لخدمة جديدة على خط «المنصورة / شربين/ قلين» (جدول المواعيد)    بعد تداول فيديوهاته.. حبس متهم بنشر محتوى منافٍ للآداب العامة    ب124 ألف جنيه.. فيلم سيكو سيكو يتذيل قائمة المنافسة على شباك التذاكر    وزير الثقافة يبحث مع محافظ القاهرة خطة إحياء منطقة مسارح العتبة وربطها بحديقة الأزبكية    لا تُحب التعقيد وتُفضل الوضوح في علاقاتها.. 5 أبراج بسيطة في التعامل    «مرعب أطفال التسعينيات».. عماد محرم بدأ مسيرته ب«العفاريت» وأنهاها ب«عوالم خفية»    تامر عاشور يشعل أجواء مهرجان موازين 2025 رغم إصابته.. استقبال حافل من الجمهور المغربي    يناقش قضايا مجتمعية.. قصور الثقافة تقدم «عرض حال» بالمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية    جامعة أسيوط تعلن نتائج امتحانات الفصل الدراسي الثاني ب11 كلية    الهيئة العربية للتصنيع توقع اتفاقية شراكة مع شركة XGY الصينية لتوطين تكنولوجيا الأجهزة الطبية في مصر    الرعاية الصحية: توقيع عدة بروتوكولات تعاون مع كيانات رائدة في السياحة العلاجية والإعلام الصحي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    بنك ناصر الاجتماعي يدعم أطفال الشلل الدماغي بأحدث الأجهزة العالمية    كيف بدأ التقويم الهجري مع العرب؟.. أستاذة تاريخ إسلامي توضح    "حلمه الاحتراف".. شقيق حسام عبد المجيد يكشف عن مستقبل اللاعب مع الزمالك    الناتو: أوكرانيا ستكون على رأس أولويات قمة الحلف اليوم    مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدعو إيران لاستئناف عمليات التفتيش عقب وقف إطلاق النار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    تامر عاشور يحيي حفل مهرجان «موازين» ب«بالعكاز» والجمهور يستقبله بالزغاريد المغربية    «بريكس» تدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    تصدرت تريند السوشيال ميديا، قصة صورة أعادت الفنانة عبلة كامل إلى الأضواء    ندوة في العريش بعنوان «تماسك الجبهة الداخلية ضرورة وطنية»    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    نيمار: جددت مع سانتوس لأنه جذوري وتاريخي وليس فريقي فقط    زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    رسالة أم لابنها فى الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول إنجاز قومى لثورة مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 05 - 2011

اتفاقية المصالحة الفلسطينية كانت باكورة الإنجازات المتوقعة للثورة المصرية وكذلك القرار المتوقع لرفع الحصار المفروض من العهد البائد على قطاع غزة، فوجئت «إسرائيل» بالمصالحة التى تمت بين حركتى فتح وحماس، وتصرفت كأنها فوجئت بما تمكنت مصر الثورة من تحقيقه فى أسابيع، فما كان من نتنياهو إلا أن صرح بأن على رئيس السلطة أن «يختار بين المصالحة مع «إسرائيل» أو مع حماس، كان الرد على هذه الحماقة، التى يستولدها الغرور المطلق، حيث أضاف: «لن يكون من سلام مع الاثنين».
وكما كان متوقعا كان تعليق البيت الأبيض أن حماس «منظمة إرهابية»، ثم أضاف «إن أى حكومة فلسطينية عليها أن تحترم الاتفاقيات السابقة وأن تعترف بحق إسرائيل بالوجود».
وكان لابد لشمعون بيريز الإدلاء بدلوه بقوله «إن العالم لا يستطيع تأييد إقامة وطن عندما يكون جزءا منه تنظيم إرهابى مفترض» ثم أضاف: «إن الانتخابات المقبلة قد تأتى بمنظمة إرهابية قد تحكم غزة ويهوذا والسامرة (الضفة الغربية) وانتصار سياسات حماس». بمثل هذا المزيج من غطرسة نتنياهو وهذيان بيريز، ناهيك عما يدعو إليه ليبرمان من رد عسكرى فورى، واستباق للإفراج عن عناصر حماس من سجون «فتح».
أجل إن ردود الفعل «الإسرائيلية» تصل إلى حدود الهستيريا على ما توفره المصالحة الفلسطينية من مناعة للوحدة الوطنية، حيث كان يجب ألا يحصل هذا الشرخ فى مرجعية مقاومة الاغتصاب، الذى مارسته «إسرائيل» من خلال الإمعان فى التمدد الاستيطانى. إن ذلك يؤكد بما لا يرقى إليه شك أن «إسرائيل» تصرفت على أساس تفكيك، ثم تفتيت شرائح الشعب الفلسطينى والاستفراد بالسلطة الفلسطينية من خلال إلغاء نهائى لأى توازن محتمل، حيث إن اتفاقيات أوسلو ودور مصر المطبعة أسهما عن قصد أو عن تجاهل فى استمرار الشرخ وفداحته بين السلطة وحماس.
وإذا كان من أسباب تخفيفية لانزلاق السلطة الفلسطينية فى المباحثات الموصوفة خطأ ب«المفاوضات» استولد الشرخ الهائل فى وحدة المرجعية الفلسطينية، فقد يكون هذا ناتجا عن كون فلسطين المحتلة محاطة بدولتين لديهما علاقات دبلوماسية مائعة أحيانا ومتنامية أحيانا أخرى مع «إسرائيل»، التى لا تعترف بأى حدود لها! أكثر من ذلك فإن «إسرائيل» تستهدف الضفة الغربية وحدها فى مسلسل «حلقات مسيرات السلام»، فى حين أن قطاع غزة هو بمنزلة «كيان عدائى»، وذلك يفسر شراسة ردود الفعل على اتفاقية المصالحة الفلسطينية، التى كانت باكورة الإنجازات المتوقعة للثورة المصرية، وكذلك القرار المتوقع لرفع الحصار المفروض من العهد البائد على قطاع غزة، والذى وصفه وزير الخارجية المصرى نبيل العربى بأنه «مخجل».
إن شراسة الردود «الإسرائيلية» على المصالحة وما قد يستتبعها من خطوات إيجابية متوقعة، هى فرصة تريد «إسرائيل» من خلالها المضى فى تحدى القوانين والقرارات الدولية، وهو أمر مارسته منذ قيامها.
إن «إسرائيل» غيبت حقوق الشعب الفلسطينى، وهذا ما يفسر أن وحدة المرجعية الفلسطينية سوف تمهد لإعادة بلورة قدرات الردع العربية، وفى طليعتها قدرات مصر العروبة، كما أن هذا بدوره سوف يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها فى الوجدان العربى والضمير العالمى، وفى هذا المضمار تعمل «إسرائيل» جاهدة لجعل كل انتقاد لها أو اعتراض على ممارساتها، يشكل انتقاصا لشرعية وجودها، ويترافق مع هذا الازدراء بعقول الناس امتناعها الدائم عن تعريف حدود دولتها، واتهام مقاومة جادة لاعتداءاتها واحتلالها بأنها «إرهابية»، مستندة فى هذا المسلسل من التشويهات للحقائق والتحريف لمعانى المصطلحات، إلى إشعار المجتمع العالمى بالذنب بأنها كيان مهدد، ولذلك هى تمارس منذ قيامها إهدار حقوق شعب فلسطين، داخل الخط الأخضر، وفى القدس وفى جميع الأراضى الفلسطينية، وأيضا حق اللاجئين فى العودة.
أجل كل محاولة لكشف كذب وزور ادعاءاتها هو دليل على سامية كامنة أو ظاهرة، فى هذا المضمار تمكنت «إسرائيل» من ممارسة هذا التضليل.
إلا أن عودة مصر إلى ممارسة دورها الرائد الواعد سوف يضع حدا لتمادى «إسرائيل» فى الانفلات من المساءلة الجادة، كما أن الانتفاضات العربية فى العديد من أقطار الأمة، التى تم توصيفها ب«الربيع العربى»، وبالرغم من أن البعض منها لا يزال متعثرا، تعبر عن حيوية الالتزام بالحقوق القومية والإنسانية، كما فى جدية الإصرار على تحقيقها، وأيضا فى تحقيق التكامل العربى، وتمكين شعوب الأمة من استرجاع تداخلها، وبما يوفر للتنمية فرصتها، وللمواطنة حضورها وكرامتها.
هذا كله يفسر حماقة وانفعالية الردود «الإسرائيلية» على اتفاقية المصالحة الفلسطينية، ف«إسرائيل» تدرك أنه لن يكون سهلا عليها بعد الآن الاتكال على مصر «محايدة» فى ما تقوم به من اعتداءات على المقاومة فى قطاع غزة، كما حصل عام، 2009 كما أن ما تسوقه «إسرائيل» على أنه اعتداءات على مدنيين من قبل عناصر غير منضبطة، تبقى مندرجة فى إطار عمليات ثأرية مناقضة لثقافة المقاومة، فى حين أن «إسرائيل» تقوم بوساطة جيشها ومستوطنيها باستهداف المئات، بل الآلاف من المدنيين واللجوء الدائم إلى سلاحها الجوى لتنفيذ مسلسل من الاغتيالات والقتل الجماعى.
إن القتل الجماعى الذى تمارسه «إسرائيل» هو النمط الذى ميز سلوكها ولا يزال، إضافة إلى أنها تعمل على تكريس مفهوم أن عمليات القتل هذه هى من مستلزمات «الأمن الإسرائيلى».
فى الأيام القليلة المقبلة يصل نتنياهو إلى العاصمة الأمريكية لإلقاء خطاب أمام منظمة «الإيباك»، التى تشكل آلية تعميم سياسات «إسرائيل» وطلباتها، وهى قوة ضغط ذات نفوذ خاصة فى الكونجرس، الذى سوف يستضيفه لإلقاء خطاب أمامه، وبرغم أن قيادة الحزب الجمهورى تعمدت من خلال هذه الدعوة إحراج الرئيس أوباما وإبرازه «كرئيس يضغط على الحليف الرئيسى للولايات المتحدة” كما ورد فى تبرير دعوة الكونجرس، ستسعى قيادة الكونجرس إلى التذكير بأن مصر الثورة ستقيم علاقات مستقيمة، الأمر الذى تراه «إسرائيل» أنه يضع أمامها المزيد من التحديات والأعباء العسكرية، وهذا بدوره سوف ينطوى على مزيد من المساعدات العسكرية، وكأن هذا «الجديد» هو دليل على أن مصر الثورة تنسحب من حلف «الدول المعتدلة»، وكأن «الاعتدال» يقاس بمدى دفء العلاقة مع «إسرائيل» أو الاستعداد البطىء لتطبيع العلاقات.
طبعا هذا هو التحدى الذى جسدت أضراره المحتملة الصور الرائعة لانتفاضتى تونس ومصر، واكتشاف الرأى العام الأمريكى خاصة والعالمى إجمالا الحيوية الكامنة، التى كانت مكبوتة ومهمشة وإذ بها تخترق أنظمة الاستبداد بنجاح أحيانا، وتتعثر أحيانا أخرى، لكن رغم هذا التباين فإن الربيع العربى، كما يسمى، أرجع التعامل مع العرب كأمة واحدة، وأن شعوبها قادرة على تحقيق مطالبها المشروعة.
والمصالحة فى فلسطين خطوة فى هذا الاتجاه، وهذا يمثل مفاجأة حقيقية ل«إسرائيل»، وهو سر عشوائية انفعالاتها، وإن بمفردات يتقنها نتنياهو، مطالبا الولايات المتحدة باستمرار الالتزام بضرورة «التفوق الاستراتيجى» على كل العرب، وكأن الإلهام الذى حصل كان وهما أكثر منه إلهاما، فيبقى نتنياهو وحلفاؤه فى «إسرائيل» وفى الكونجرس فى حالة إنكار، بذريعة أن العالم يعمل على نزع شرعية «إسرائيل» رافضا الإقرار بأن عدوانه وعنصريته وتخلف عقائده الصهيونية وسلوكه فى رفض حق العودة والإمعان فى التمدد الاستيطانى وممارسته القمع وهدم المنازل والضم القسرى للقدس.. أجل كل هذه وأكثر هى التى تدفع «إسرائيل» بكونها هى التى تنزع الشرعية عن نفسها، وهذا ما يؤكده المجتمع الدولى.
من هذا المنظور تأتى مصر من خلال إنجاز مصالحة بل وحدة لمقاومة ناجعة باكورة لتحرير فلسطين، ما يؤول إلى تحرير اليهود من التقوقع العنصرى والإرهاب الفكرى الذى يمارسه كل يهودى يحتكم إلى ضميره. كما دل الإرهاب المعنوى الذى مارسته «إسرائيل» على القاضى غولدستون وريتشارد فولك وغيرهما المئات ممن يؤكدون القيم الروحية والأخلاقية لدين مكون لإثراء الحضارة وقيم وحقوق الإنسان.
ما حققه «الربيع العربى» أصبحنا نتعامل مع ما كان مستحيلا بكونه صار ممكنا، وإن لم يكن فورا فقريبا. هذا ليس من باب التمنى بل من باب التوقع، رغم الحواجز والعراقيل والصعوبات، وهى كثيرة. لكن كما تردد فى ثورات الربيع العربى «إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر»، هذا ما حصل، وهذا لا بد أن يحصل من خلال وضوح الرؤية واستقامة البوصلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.