من لطائف ومفارقات الشعب المصري البديع أنك تسمع أحدهم يستصدر حديثه ويقول اللهم لاشماتة ، ثم يبدأ موشح الردح والتشريح والتجريح فيمن يتشفى فيهم. الشماتة أوالتشفي تعني الفرح والسرور في بلاء نزل بعدو أو ظالم أو أكال حق وذلك هو النوع الايجابي من الشماتة ، أما السلبي منها هو الذي يحمل مع التشفي الكره والحقد على من اختلف معه بسبب ميراث أو تَرِكَة أو غيرة أو تجارة أو خِلافه وهنا يجب أن نمنع أنفسنا عن هذا الصنف الذي يفكك أواصل المجتمع ويترك فرصة لابليس وأعوانه أن يسبحوا في بحور الخصام والفتنة بين شقائق المجتمع الواحد ، وهو مايأتي على انتاجية المجتمع وتطوره بالسلب طبعا. نعود إلى التشفي الايجابي بمناسبة الحُكم بحبس (أو احتجاز) الرئيس السابق مبارك ونجليه واحتمالية أن تلحق بهم السيدة سوزان ثابت ، الحق أن الجرائم التي ارتكبها مبارك وبطانته الخبيثة طوال 30 عاما من زهق للأرواح وهذه وحدها أشد عند الله من زوال الدنيا بأسرها فقد حدث الألباني في صحيح الترغيب عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" لزوال الدنيا جميعاً ، أهون عند الله من دم يُسفك بغير حق" دم واحد فقط فمابالك بدماء شهداء الثورة الذين لانعرف على وجه الدقة كم عدد مئاتهم ، فضلا عن الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم في أقسام الشرطة والمعتقلات ، وحتى غير الأبرياء الذين راحوا ضحية غطرسة وعجرفة رجال الشرطة الغير شرفاء من دون أن تُجرى لهم محاكمة عادلة ، هذا بخلاف الزج بالشرفاء في غياهب السجون ، وفرض اتاوات في صورة ضرائب ، وترك عصابات لجنة السياسات وأتباعها تنهب مقدرات البلد وتتاجر في قوته وطفايات السيارات وشنطة الاسعاف واللوحات المعدنية الاجبارية ، كل هذا كان نموذجا لما تمارسه هذه العصابات من تضخم لثرواتهم الشخصية على حساب المواطنين وكله بالقانون ... صور الظلم والاضطهاد في عصر الرئيس السابق مبارك كثيرة ولو فتحنا الباب لكل ذي صاحب مظلمة ليعرض مظلمته لتكدست صفحات الصحف والجرائد والمجلات وساعات البث الفضائي ولأوقفت المواقع الالكترونية من الضغط الهائل عليها ، ولما لا ونحن شعب تجاوز تعداده الثلاثة وثمانون مليونا وأصبحنا أساتذة في الفيك بوص. لن تعدم واحد من المصريين تعرض لصورة من صور هذا الظلم حتى أحمد عز نفسه قبل أن ينضم للحزب الوطني ولجنة سياساته كان يلف على البنوك المصرية عام 1995 ليقترض مبلغ مائتان ألف جنيه مصري يمشي بيهم حاله ولكن من دون جدوى ، فمسكين أحمد عز لم يساعده النظام لكنه عرف الباب الذي اذا دخل منه فتحت له البنوك أبوابها وشبابيكها وقد كان ... حتى وصلت أرباح أحمد عز في بعض أيام أزمات الحديد بالملايين يوميا. قال يحي البرمكي لأحد أبنائه بعد أن أذلهم الله جميعاً جزاءً على ظلمهم وتجبرهم "يا بُني! دعوة مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها" ... ثم أنشأ يقول شعراً: رُبَ قومٍ قد غَدَوا في نعمة * زمناً والدَهر ريان غدق سَكَتَ الدهر زماناً عنهم * ثم أبكاهم دماً حين نطق اذن التشفي والشماتة الايجابية لاضير فيها ، وعليه ... اللهم شماتة ، شماتة على أعداء الوطن والحرية والعدل تشفي ليس فيه سب ولالعن ولاخروج عن آدابنا ، ولا أدري أيصدق فيمن نتشفى فيهم قول الله تعالى في سورة التوبة "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" . الشماتة الايجابية هي شفاء للصدور تشحذ الهمم وتشجع النفوس وتشحن الطاقات التي تحتاجها مصر بكل قوة هذه الأيام ، فنحن نعيد بناء مصر من جديد ، وكما نعلم فترميم البيت المتصدع أصعب كثيرا من بناء بيت جديد ، وما أكثر الشقوق في مصرنا المتصدعة ، وماأخبث الثعابين التي سكنت في هذه الشقوق وتحاول ايذاء من يرمم ويصلح ، لكن الشعب الذي انتفض على الظلم قادر بإذن الله على أن يخرج هذه الثعابين من شقوقها ويقطع رؤسها ويعيد ترميم بيته من جديد ، بيته الذي أحس أخيرا أن له نصيب فيه ، وله فيه صوت مسموع ، آن لهذا البيت أن يعود بهاؤه ورونقه ، وستعود مصر كما كانت تقود المنطقة بل والعالم كله ان شاء الله بسواعد وعقول أبنائها. يجب أن لانُطيل دور الشماتة ، ولنتعود أن ننتصر لديننا ووطننا ومجتمعنا أكثر من أن ننتصر لأنفسنا ، فلن ننتصر على أعدائنا حتى ننتصر على نفوسنا. الحمد لله الذى ارانا مانحب وبقى ان نرى الله منا مايحب (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)