لقد مثلت كلمة " ارحل " الشرارة الأولى التي أحرقت أعتى أنظمة الحكم العربية ، وزلزلت عروش الطغاة الفاسدين وحولتهم إلى فئران مذعورة . وانتصرت على أجهزة القمع البوليسية بكل إمكاناتها ، وشكلت كابوسا يقض مضاجع الطغاة على امتداد الساحة السياسية العربية برمتها . وستظل صرخة جماهيرية تطارد كل الطغاة والفاسدين عبر الزمن بالنظر إلى امتداداتها المكانية والزمانية . " ارحل " كلمة مكونة من أربعة أحرف ، تحمل في طياتها معان بالغة التعبير ، " فالألف " آهات الشعوب ومعاناتها ، و" الراء " رغبة جامحة في التغيير والانعتاق من الظلم والاستبداد، و" الحاء " حكم الجماهير ، و" اللام " لا للرجوع عن الثورة مهما كانت التضحيات. إنها كلمة الشعب قائلها ، والطغاة هشيمها ، تفتح فجرا جديدا للجماهير وتوصد الأبواب أمام الطغاة والفاسدين . وتضع حجر الأساس لحقبة زمنية جديدة ، قوامها الحرية والعدالة والتصدي لكل من تسول له نفسه مصادرة إرادة الجماهير وحريتها . بل تشكل أساسا لثقافة سياسية جديدة في منطقتنا العربية ، تعزز من ثقة الجماهير وقدرتها على استرداد إرادتها والحفاظ عليها ، ويتبلور في إطارها الدور المفترض للجماهير صاحبة الحق في اختيار من يتولى قيادتها ، ومراقبته في أدائه لمسئولياته بما يحقق المصلحة العامة للمجتمع . وعلى الرغم من الزخم الإعلامي الكبير الذي اكتسبه شعار " ارحل " في الوقت الحاضر ، إلا أن هذا الشعار ليس وليد اللحظة بل له جذوره التاريخية . فقد رفعته الشعوب العربية وشعوب الدول النامية في وجه الاستعمار الأجنبي خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، وأجبرته على الرحيل ونيل استقلالها . غير أن هذا الشعار اكتسب هذه الأيام أبعادا سياسية وإعلامية وأيديولوجية بالغة التأثير . إن شعار " ارحل " يمثل صرخة جماهيرية ولدت من رحم معاناة الشعوب العربية عبر عقود من الظلم والاستبداد والنهب المنظم لثرواتها من قبل أنظمة حكم استبد بها حب السلطة فأعماها عن حقيقة كونها خادمة لهذه الشعوب ، وأن هذه الشعوب هي صاحبة السيادة ومصدر الشرعية ومكمن القوة . فقد ظن الطغاة بأنهم قد تمكنوا من كسر إرادة الجماهير من خلال أجهزة القمع والتنكيل وسياسات الإفقار والتجهيل وتزييف الوعي الجماهيري ، ولم يدركوا بأن الشعوب تظل حية قادرة على العطاء مهما بلغت درجة خنوعها وخضوعها لحكامها ، بل على العكس فكلما ازدادت معاناة الشعوب قويت إرادتها وتصلبت عزيمتها ، حتى تأتي لحظة تاريخية فارقة تتحول فيها هذه الشعوب المغلوبة المستكينة إلى سيل جارف يسحق الطغاة إلى مزبلة التاريخ . والحقيقة أن التاريخ مليء بشواهد كثيرة على شعوب تعرضت لأعتى أنظمة الحكم الاستبدادية ، واستطاعت إسقاط تلك الأنظمة في لحظات تاريخية فارقة . ومع أن تلك الشواهد تمثل دروسا تاريخية واضحة المعاني ، إلا أن الطغاة يفتقدون القدرة على قراءة تلك الدروس وفهم معانيها ، حتى نموذج الفرعون في التاريخ المصري القديم لم يفهمو منه سوى القوة والبطش والغرور ، متناسين النهاية المؤلمة لذلك النموذج ولكثير من نماذج الاستبداد عبر التاريخ البشري . ارحل فما لك إلا الرحيل وليس لك من خيار أو بديل فهذي إرادة شعب أصيل ولن يرتضي بغير الرحيل