«تعامل مؤنس الرزاز مع التراث وعرضه موصولا الحاضر، لا إسقاطا عليه يمثل إسقاطا مهما جديرا بأن يحتذى، وهذا التعامل، وهذه الرؤية، مرتبطة أوثق الارتباط بالموضوع الأساس، أدب الرزاز هو التمرد والثورة، أو الانعتاق والحرية، فهذه اللحظة الكونية، التى تمتد فى رواياته محتشدة بتاريخ من القهر والقمع والمطاردة، تجسد هذا التاريخ على نحو أبشع من تفاصيل التعذيب الوحشى». كلمات قالها الأديب الكبير بهاء طاهر خلال حفل تسليمه جائزة «ملتقى السرد العربى الثانى دورة مؤنس الرزاز»، التى نظمته رابطة الكتاب الأردنيين. وتحدث طاهر عن الأدب الأردنى الحديث فى مجال الرواية عند الرزاز وغالب هلسا، الذى عاش فى مصر، وأسهم إسهاما كبيرا فى بلورة جيل الستينيات، ومجلة 1968 التى احتضنت هذا الأدب منذ بدايته. وقدم الناقد د.حسين حمودة مقاربة نقدية عن مؤنس الرزاز وبهاء طاهر بعنوان «انفراط التميمة.. التئام التميمة»، مشيرا إلى أن «الملامح المشتركة بين بهاء طاهر ومؤنس الرزاز تتمثل فى أن كتابة كل منهما التمست عوالمها فى أنواع أدبية عدة، إذ كتب كل منهما القصة القصيرة والرواية والمقالة، ومارس كل منهما الترجمة، وكتب بهاء طاهر، فى بداية حياته المسرحية، وخاض مؤنس الرزاز تجربة الكتابة للأطفال، وتمثل كتابة كل منهما مغامرة تعبر التخوم المتعارفة وأحيانا تخترقها». وتحت عنوان «تجربة مؤنس الرزاز.. الأفكار إذ تتحول إلى روايات» قدم الناقد فخرى صالح ورقة قال فيها: «اللافت فى تجربة مؤنس الرزاز أنه كتب أعماله السردية انطلاقا من الاحتكاك والتفاعل مع الروايات الكبرى فى ميراث الحداثة العالمية والعربية. لم يبدأ من موروث الكتابة الروائية التقليدية الكلاسيكية، التى بدأ منها روائيون أردنيون مجايلون له، بل بدأ كتابته مسائلا النص الروائى لمارسيل بروست وجيمس جويس وياروسلاف هاشيك، وإميل حبيبى وصنع الله إبراهيم وتيسير سبول وغالب هلسا، فى كتابة تقيم جسرا بين الحداثتين الغربية والعربية، وتعمل على صهر التراث بالحداثة؛ كما أن هذه الكتابة تقيم على حائط الأعراف، الذى يفصل الحداثة عن ما بعد الحداثة». كما ألقى خلال الحفل كلمة أسرة الرزاز د. عمر، شقيق مؤنس، أعرب فيها عن سعادته بأن تمنح هذه الجائزة إلى أديب ومفكر من وزن بهاء طاهر، مشيرا لكونه أديبا ومفكرا عربيا، متأصلا فى النهضة، والأهم من هذا وذاك أنه صاحب موقف، وقد دفع ثمن هذا الموقف مرارا وتكرارا، فى زمن فقد فيه الكثير من المثقفين البوصلة، كما كان صاحب مشروع بتمثل بإعادة إحياء فكر النهضة كما فى كتابه «أبناء رفاعة». وقد تبرع طاهر بقيمة الجائزة التى تبلغ 5 آلاف دينار أردنى لتأسيس صندوق ترجمة الأدب الأردنى، خاصة أدب الرزاز الذى لم يترجم منه شيئا، وكذلك ترجمة أعمال هلسا الذى كان صديقا –حسب رأى بهاء طاهر لكل الأدباء المصريين على مدى 20 عاما، وكان واحدا منهم. وأهدت الرابطة الأردنية عضويتها إلى بهاء طاهر كأول كاتب عربى غير أردنى يكتسب عضوية الرابطة، وهو الأمر الذى أحدث صدى طيبا للغاية فى الوسط الثقافى الأردنى، نقلته معظم الصحف الأردنية. ورأت جريدة الرأى أن تبرع بهاء طاهر بقيمة الجائزة هو «لفتة عميقة الدلالات»، وذكرت أن عناصر التجديد التى أضفاها أو أضافها مؤنس إلى الكتابة العربية، هى السؤال الذى طرحه طاهر على نفسه وعلى الحضور، محاولا بعد ذلك الإجابة عنه، المدى الرحب من الرؤية الإنسانية. الشمول الذى يحتضن الثقافة العربية منذ شعرها الجاهلى وما قبله حتى آخر تجليات الحداثة فيها شعرا ونثرا، من السمات التى التقطها طاهر قائلا: عند مؤنس فإن بغداد ألف ليلة وبغداد القرن العشرين، وبيروت الروشة والشياح، وعمان الغربية، وحاضرها الملتبس تأتلف كلها لتصنع مكانا واحدا وزمانا واحدا هو عالم مؤنس الرزاز الخاص، وختم طاهر أن الأردن يحق لها أن تفخر بكاتبها الكبير مؤنس الرزاز وبما أسهم به فى مسيرة أدبنا العربى.