يستمد كتَّاب الدراما فى السينما والتليفزيون مكانتهم من قوة خيالهم وتخيلهم للأحداث التى دائما ما تفوق الواقع لكن ومنذ بداية الثورة وحتى الآن يقفز الواقع ليصبح عصيا على خيال أى مؤلف ونكتشف كل يوم أحداثا تفوق تخيلات صناع الخيال أنفسهم وهو الشىء الذى جعلنا نطرح سؤالا على عدد من مؤلفى الدراما حول قدرتهم على التعامل مع خيال الواقع وكيف سيتعاملون معه وهل يمكن أن يتفوقوا عليه أم أنهم سوف يكتفون بمجاراته وملاحقته دراميا؟ المؤلف بشير الديك يرى أن دور المؤلف وسط هذا الخيال الخصب للواقع سوف يكون تحليليا ويقول: هناك مقدمات كثيرة أدت إلى كل الأحداث التى نعيشها الآن منها التظاهرات المستمرة فى المحلة وأمام مجلس الشعب والحركات السياسية المتعددة مرورا بما حدث لخالد سعيد وما حدث من الرجل الذى اعتبره شرارة قوية للثورة الدكتور محمد البرادعى الذى دعا إلى مظاهرة مليونية لإسقاط النظام وقال بالحرف إذا لم يستجب النظام سوف نحول المظاهرة إلى عصيان مدنى ولن نعود إلى منازلنا إلا بإسقاط النظام وهو ما حدث ومع ذلك فأنا أعتبر أن هذه الأحداث هى أقصى حركات الخيال الجامح أو المعجزة التى لم يكن أحد يتخيلها، صحيح أنها حدثت فى بعض الدول قبلنا لكنها لم تحدث بهذه العظمة فقد تم زلزلة نظام من أعتى الأنظمة الفاسدة فى العالم وهى الحركة التى أصابت فلول النظام بصدمة كبيرة، وهو ما جعلهم يختفون لفترة لكنهم عادوا كرد فعل والقانون العلمى يؤكد أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له وهو ما حدث وهو ما كان متوقعا فحدثت أزمة مباراة الزمالك التى رأيت فى الخمس دقائق الأخيرة فى المباراة عشرة ملايين من الجنيهات قد دفعت من أجل إحداث هذه الفوضى وهنا يأتى دور المؤلف أن يتخيل ويحلل ما يحدث فى الواقع فأنا أعتقد أن هناك من يقف ضد هذه الثورة قلبا وقالبا ويتحرك كلما اقتربنا من الاستقرار وهو ما حدث مجددا فى ميدان التحرير بين الجيش والشعب وقبلها ما شاهدناه على صفحات الفيس بوك وذلك بعد أن اقتربت محاكمة مبارك وكلها أشياء متوقعة. ويضيف الديك: على مستوى الدراما ففى رأيى أن الكتابة الفنية تحتاج إلى دفء خاص بمعنى أن ننتظر قليلا حتى تكتمل الصورة وبعدها يمكن أن نكتب بخيال أو بواقعية وليس ضروريا أن نكتب متلامسين مع الثورة ولكن لابد وأن تكون كتاباتنا من زخم هذه الثورة المجيدة وليس الآن فأنا أعتقد أن الشعراء وحدهم القادرون على الكتابة الآن أما الروائيون وكتاب السيناريو فلا يمكن أن تكون كتابتهم الآن عن الثورة أو من رحمها سوف يكون مجديا. مرآة المؤلف مجدى صابر يؤكد أن أقصى خيال لمؤلف أو سياسى لم يكن من الممكن أن يصل إلى ماحدث فى الخامس والعشرين من يناير وما بعدها ويقول: قبل الثورة بشهر تقريبا جلست مع مجموعة من أصدقائى نتحدث عن أى سيناريوهات تغيير محتملة والحقيقة أننا لم نصل إلى ما وصل له الواقع الذى أصبح بالفعل أكثر خيالا من خيال أى مؤلف أو سياسى فكل الطرق كانت تؤدى إلى طريق مسدود بسبب حالة الفساد التى استشرت فى البلد وحتى المظاهرات التى كانت تقوم بها حركات مثل كفاية و6 أبريل وغيرها لم تكن مؤشرا لما حدث ولذلك فعلى المستوى الدرامى والإبداعى من المؤكد أن الواقع صدمنا جميعا وكان خياله خصبا لدرجة تفوق التصور. ويضيف مجدى: الدراما فى هذه الحالة سوف تكون مرآة للمجتمع الذى يفاجئنا الآن بأشياء كثيرة ولذلك ففى رأيى أن الاقتراب من الواقع الآن يحتاج إلى حذر شديد من الجميع ولهذا رفضت أن اقحم أحداث الثورة على نهاية مسلسلى اللذين كنت بصدد تصويرهما فما زال الوقت مبكرا لأن تقدم الآن شيئا يوازى الواقع فما خفى الآن كان أعظم وما خفى يحتاج إلى وقت أكثر من أجل توضيح الحقائق واكتشاف الواقع الآن يحتاج إلى صبر. ضبابية المؤلف محسن الجلاد يرى أن الدراما فى المرحلة المقبلة سوف تواجه الواقع بجدية أكثر لكنه يرى أن هناك حالة من الضبابية تسود الواقع والدراما معا ويقول: أعتقد أن ما حدث خلال الشهرين الماضيين فرض التزاما ما على كتّاب الدراما فلم يعد فى الإمكان الكتابة بتخاذل ولم يعد من الممكن أن يتم الكتابة بخوف فقد كسرت الثورة هذه الحواجز، ولا أعتقد أن الدراما كلها سوف تكون عن الثورة أو سوف تكون دراما سياسية بالمقام الأول وهو ما يؤكد أن الأحداث السياسية المتلاحقة والتى فاقت كل التوقعات سوف تشهد جوانب أخرى والدراما لن تكون سياسية ولذلك فسوف يصدق الجمهور خيال المؤلفين فى الدراما الرومانسية والدراما الكوميدية والاجتماعية وسوف تعود الدراما لاحترام عقل المشاهد بتقديم حكايات وقصص حقيقية وغير مزيفة خاصة بعدما اصبحت الحرية بين أيدينا وتلاشت القيود وأصبح التحدى عند خيال المؤلف الذى سوف يقدم العمل الفنى بدون أية ضغوط. ويضيف محسن: من المؤكد أن الدراما سوف تتحسن لكن ما هو شكل الدراما المقبل وما هو شكل الخيال الذى سوف ينطلق منه المؤلف، غير معروف، لأن هناك حالة من الضبابية تسود البلد والدراما على حد سواء الآن لكنى متيقن من أن القادم سوف يكون أفضل على مستوى البلد وعلى مستوى الدراما أيضا والخيال هنا سوف يكون كبيرا ونتمنى أن نشاهد هذا التطور وهذا التقدم قريبا. مقدرة المؤلف سامح سر الختم يرى أن ما يحدث وما حدث فى الفترات الماضية سوف يفرض صيغا جديدة للكتابة الفنية ويقول: من الصعب أن نطالب كتاب السيناريو بخيال يفوق ما يحدث لأنه ببساطة لن نجد من يستطيع ان يتنبأ بمثل هذه الاحداث وليس من الطبيعى أن نتخطى هذه الأحداث ولكنى مع أن يكون للمؤلف دور إنسانى فى رصد ما يحدث رغم أنى ضد منهج الموضة والذى اعتقد انه سوف يسود السينما والتليفزيون لفترة وهو إقحام أعمال تتحدث عن الثورة وعن الأحداث التى تلتها وأخشى أن تكون أعمالا تضر بالثورة وتكون أعمالا مسلوقة. ويضيف سامح: أعتقد أن هناك صيغا جديدة فرضها الواقع على الدراما المصرية وعلى كتاب هذه الأعمال أن يراعوها وأن يتعاملوا بجدية وأن يقدموا أعمالا تحترم الجميع وبمزيد من الاهتمام وما كان يحدث قبل الثورة لا يجب أن يستمر أنا شخصيا قررت ألا أقوم بتفصيل أفلام من أجل أحد كما كنت أعمل فى الماضى ولن أقبل بأى شماعة إنتاجية فيما بعد وأتمنى أن تعى شركات الإنتاج أن هناك أشياء كثيرة قد حدثت تمنع الجميع من أن يتعاملوا بالمنطق السابق الذى كان يسود الحركة الفنية والذى كان يعتمد على معادلات لم تعد موجودة بعد الثورة قالأحداث تغيرت والأشخاص أيضا ولا يجب أن يظن صناع السينما والتليفزيون أن المشاهدين سوف يظلون يتقبلون هذه الأعمال، وأعتقد أن العام المقبل بعد أن نتخطى مرحلة ملاحقة الثورة فنيا سوف تشهد أعمالا أفضل وأقوى وأكثر إبداعا.