إلى أى مدى يمكن أن يتأثر الإنتاج الدرامى السورى بما يجرى من متغيرات سياسية واجتماعية على الساحة هناك، هل يمكن أن تنعكس صورة الدراما المصرية وما حدث لها من تأثير كبير على نظيرتها السورية ومنها توقف عدد كبير من المسلسلات التى كان قد تم الاتفاق على تنفيذها لرمضان المقبل؟ وفيما أخذت كثير من شركات الإنتاج الكبرى فى سوريا قرارات فورية بتوقف الإنتاج مثل شركة «سوريا الدولية» التى أوقفت بالفعل إنتاج 3 مسلسلات كانت تنوى تنفيذها لرمضان المقبل، كانت هناك فى المقابل أعمال أخرى لا تملك رفاهية اختيار الاستمرار أو التوقف، حيث بعضها اقترب من نهايته مثل مسلسل «الولادة من الخاصرة»، أو أخذت شوطا كبيرا فى التصوير وبناء الديكورات مثل «فى حضرة الغايب». فى السطور التالية يتحدث الفنانون السوريون عن الأزمة التى تمر بها الدراما السورية، وتحديدا فى الموسم الرمضانى المقبل، كما يتنبأون بشكل السوق بعد تأثر قطبى الدراما فى الوطن العربى مصر وسوريا. الفنان والمنتج السورى فراس إبراهيم وبطل مسلسل «فى حضرة الغايب»، الذى يروى من خلاله سيرة الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش يقول: الوضع فى سوريا يختلف عن مصر سياسيا، حيث شهدت مصر ثورة حقيقية، أما سوريا فقد تفادت الأزمة سريعا، وسيطرت على الاعتصامات قبل أن تبدأ تقريبا، بل خرج فى شوارع وميادين جميع مدنها مسيرات مليونية تؤيد الاستقرار وبقاء الرئيس السورى بشار الأسد. لكن هذا لا ينفى أن الدراما السورية تأثرت كثيرا بالأوضاع غير المستقرة التى تمر بها الدول العربية، حيث لا يعقل أن تستقر أى دولة عربية فى ظل أوجاع كل من حولها من دول شقيقة. والنتيجة السلبية ليست من منطلق عاطفى تجاه الإخوة العرب، ولكن نتيجة أزمة التسويق التى يعانى منها كل منتج قرر أن يطرح مسلسله رمضان المقبل، فمع اجتياح المظاهرات للدول العربية وتحديدا مصر ولدت أزمة تسويقية كبيرة، بسبب تراجع الإعلانات التى تعد الممول الرئيسى للمسلسلات وليس الفضائيات، كانت القنوات تمنح المنتجين دفعات من تعاقداتها مع شركات الإعلانات، لذلك جاء قرار المعلنين بالانسحاب من السوق كالصاعقة على الفضائيات وصناع الدراما، حيث كانت القناة تدفع مبلغا لا يقل عن مليونى دولار، وبعد هذه الأزمة خفضت المبلغ إلى 200 ألف دولار، وهذه كارثة كبيرة للمسلسلات ذات الميزانيات الضخمة التى تتخطى 5 ملايين دولار، لأن المنتج لن يستعيد ما أنفقه حتى إذا وزع المسلسل لعشرات الفضائيات. وامتد الأمر لأن بعض الفضائيات رفضت التعاقد على المسلسلات نهائيا، ومنها القنوات الخليجية رغم أن بلادهم لا تمر باحتجاجات أو مظاهرات، وتبرر موقفها بأنهم لا يعرفون إن كانت هذه الأعمال سيستكمل تصويرها أم لا؟ وتحدث فراس عن مسلسله «فى حضرة الغايب»، الذى وصل فى تصويره إلى النصف قائلا: أعرف أننى أنتج وأجسد دور البطولة فى واحد من أهم مسلسلات رمضان المقبل حتى الآن، وإحساسى أنه يجب ألا أخشى عندما أقدم على تنفيذ مثل هذا العمل لكن الحقيقة أننى بالفعل قلق وخائف. ورغم تأكيد فراس أن الدولة فى سوريا تقوم بدور كبير فى مساعدة الأعمال الدرامية إيمانا منها بأهمية الدراما، وأن الفنان هو واجهة سوريا، ولكن هذا بالتأكيد سيمثل مساعدة للأعمال ذات الميزانية المنخفضة 500 ألف دولار، أما الأعمال التى تصل ميزانياتها إلى 4 و5 ملايين دولار، فشراء التليفزيون السورى لها لن يخفف من حدة الخسائر التى ستتعرض لها. لكن هناك أكثر من 5 أشهر على رمضان، ومن الممكن أن تنكشف هذه الغمة وتتضح الصورة فى هذه الفترة. إسماعيل كتكت، منتج مسلسل «توق»، إخراج شوقى الماجرى، يؤكد أن مسلسله لن يتأثر بالاحتجاجات والثورات، ولن يعانى تسويقه لأن له صبغة عربية وليست سورية فقط. وأوضح كتكت أن ما حدث من ثورات واحتجاجات فى الوطن العربى فى صالح الفن، لأنها ستأتى بدراما راقية خالية من الإسفاف، ومن المنتظر أن تتحول كل المسلسلات فى الفترة القادمة من مشاريع تجارية إلى مشاريع ثقافية. وعلى عكس الجميع تفاءل كتكت بتقليص عدد المسلسلات التى يتم إنتاجها سنويا، مؤكدا أن الإنتاج كان يصل إلى 70 مسلسلا فى الموسم الواحد، وهذا العدد أكبر من طاقة السوق، فكان رد الفعل الطبيعى أن يتم تصفيته، حتى تصل إلى 30 عملا فقط، لسببين الأول أن هذه هى الطاقة الحقيقية للسوق، والسبب الثانى أن باقى الأعمال لا تستحق المشاهدة أصلا. وفى هذا الوقت لا يكون أمام المنتج إلا أن يمنح الفضائيات باقى المسلسلات على طريقة بيع «البيتزا».. اشترى واحدة واحصل على الثانية مجانا. وتوقع كتكت أن الأعمال الجادة التى سيتم تنفيذها هذا العام سيتم توزيعها بقوة لأن الطلب سيكون أقل من العرض، وستربح كثيرا عكس ما يتوقع صناعها. ووصف كتكت الأزمة فى مصر بأنها الأخطر لأن المسلسلات لم يبدأ تنفيذها، كما أن ميزانياتها كانت مرتفعة، وموضوعاتها لم تكن مناسبة لطبيعة المرحلة التى تمر بها مصر، أما سوريا فقد بدأ تنفيذ المشاريع مبكرا واقترب معظمها على الانتهاء.