البطالة، وانخفاض الدخل، والفقر هى بعض مشكلات المصريين ولكن همهم الأكبر كما ذكر ناس فى الشارع. «الأسعار أصبحت نار» هذا أول ما ردت به أمل 45عاما تدير حضانة أطفال لمرحلة ما قبل المدرسة، عندما سألتها عن أهم مشكلة اقتصادية يمكن أن تواجهها، وقالت إنها أم لثلاثة أبناء جميعهم فى المراحل الجامعية. ولم تدخل مجال العمل إلا منذ 7 سنوات، حيث أسست الحضانة لمساندة الزوج الذى يمتلك مشروعا خاصا أيضا عبارة عن محل تجارى للحديد والبويات، ومع ذلك «الإيراد مش مكفى حاجة» حسب تعبيرها. وترى أمل أن أهم مشكلة تواجهها هى ارتفاع تكلفة التعليم «مع أنه من المفترض أن هناك مجانية فى التعليم»، وقالت إن ابنتها الصغرى فى الصف الأول بكلية فنون تطبيقية قسم طباعة، وتعانى الأمرين من كثرة طلبات واحتياجات الدراسة معها، «لدرجة أنى لا أتوقف عن لوم والدها لأنه هو الذى اقترح دخولها هذه الكلية». اتخذ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرارا فى الفترة الأولى لحكمة، بجعل كل مراحل التعليم مجانية، حتى يضمن تعلم أكبر عدد من المصريين، وحتى لا يظل ذلك محصورا بين القادرين ماليا فقط. ولكن أصبحت مجانية التعليم وبعد أن بدأت المصروفات التعليمية تزيد تدريجيا حتى وصلت إلى حالة من المعاناة السنوية لمحدودى الدخل الذين عادة ما يلجأون للتعليم الحكومى. وهذه المعاناة لا تشمل المستجدات من أزمة الدروس الخصوصية التى يدفع لها المصريون سنويا نحو 7 مليارات جنيه، فضلا عن المدارس الخاصة التى لا يلتحق بها إلا فئات معينة تتسم بدخول مرتفعة. وتحلم دعاء 27 سنة وتعمل كمعلمة تخاطب فى مدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة، بأن تلحق ابنها الذى اقترب من إتمام 6 سنوات من عمره، بمدرسة خاصة تكفل له تعليما جيدا، لكنها ترى أنه حلم من المستحيل تحققه، وقالت إنها تعمل وزوجها المحاسب فى القطاع الخاص الذى يوفر أجورا مرتفعه نسبيا مقارنة بالقطاع العام. ولكن لا يستطيعان تلبية الاحتياجات الضرورية من غذاء مناسب، أو ملبس يليق بهما، والسبب فى ذلك يرجع إلى الأسعار المرتفعة، مقارنة بمستوى الدخل المنخفض، ولا تعرف سببا لهذا الغلاء لكن «قد يكون بسبب ارتفاع الأسعار العالمية» كما قالت دعاء. وكانت الأسعار العالمية قد شهدت ارتفاعا حادا فى 2008، قبل انفجار أزمة الاقتصاد، التى أدت إلى حالة من الركود ضربت أسعار السلع، لدرجة أنها دفعت كثيرا من المؤسسات الصناعية الكبرى إلى هوة الإفلاس، وكان من الطبيعى أن تبدأ أسعارها محليا فى الانخفاض، ولم يحدث ذلك إلا بعد 3 أشهر على الأقل. وأرجعها التجار إلى وجود كميات كبيرة من المخزون تم الحصول عليها بالأسعار المرتفعة، وبدأت معدلات التضخم التى تشمل أسعار السلع فى الانخفاض منذ بداية العام الجارى، لكنها عاودت الارتفاع فى شهر أبريل ليصل إلى 12.2% مقابل 11.6% فى مارس الماضى. محمود 32 سنة أنهى دراسته فى كلية تربية، وعمل فى التجارة بسبب عدم توافر وظائف، ولا يستطيع أن يتزوج حتى الآن لأنه فشل فى الحصول على مسكن، وقال إنه لا يمتلك خمس المبلغ المطلوب لدفعه «مقدم»، فكيف سيفكر فى الزواج، وأشار إلى أن كثيرا من أقاربه نصحوه بالانتظار كى تنخفض أسعار العقارات كما حدث فى العالم كله، «لكن أسعار الشقق أصبحت أعلى من الأول» حسب تعبيره. أما علية 43 سنة ربة منزل، وحاصلة على بكالوريوس علوم، ففشلت فى أن تنال وظيفة تساعد بها فى تربية طفليها فى المرحلة الإعدادية، وتقول «هم الرجالة لاقيين شغل لما أنا هلاقى»، وأضافت أن زوجها يعمل مدرسا فى الصباح. وخطاطا بعد الظهر ولا يستطيع تلبية الاحتياجات الضرورية، «حتى فول ب50 قرشا مش مكفى وجبة لطفل واحد»، وتحكى علية أنها اشترت علبة «طحينة» ذات مرة حتى تضعها على الفول لزيادة قيمته الغذائية، وتغيير طعمه كى تشعر بالتجديد فى الطعام لكنها كانت المرة الوحيدة، لأن موارد زوجها لا تقدر على رفاهية الطحينة. وشريفة 59 سنة التى تعمل فراشة فى مدرسة خاصة، تشكو من القهر الذى تتحمله حتى لا تفقد وظيفتها، فى وقت «أسعار القوت الضرورى أصبحت نار»، حسب قولها، وأشارت إلى أنها تستيقظ فى الساعة الرابعة والنصف صباحا حتى تنهى أعمالها المنزلية. ثم توقظ ابناها الذين تخرجوا من الجامعة ولم يحصلوا على وظيفة مناسبة منذ 4 سنوات، وتذهب إلى العمل، الذى تنال من صاحبته أفظع الإهانات إذا تأخرت دقيقة واحدة، وعادة ما تقول لها صاحبة المدرسة الخاصة «اللى مش قادر على شروطى يسيب الشغل، دى مدرستى وأنا حرة فيها». مبلغ الألف جنيه الذى يتقاضاه حسن 70 سنة كان يعمل فى إحدى الوظائف الحكومية، يبدو مرتفعا كدخل شهرى ولكن عند مقارنته بالأسعار فهو لا يساوى شيئا، لأنه لا يكفى شراء الأدوية أو مساعدة أبنائه الثلاثة المتخرجين من الجامعة ويعملون فى أعمال حرة، «يوم يلاقوا رزق و10 لأ»، وأيضا احتياجاته هو وزوجته المسنة. مشيرا إلى أن الحكومة لا تساوى بين أصحاب المعاشات وغيرهم فى العلاوة السنوية، «وفى النهاية ظلمت الكل» كما جاء على لسان حسن مشيرا إلى قرار الحكومة الأخير بخفض العلاوة الاجتماعية إلى 5% فقط من الأجر الأساسى، بعد أن كانت 30%، بسبب عدم وجود موارد فى ظل الأزمة الاقتصادية.