الإدارية العليا تواصل استقبال الطعون على نتائج انتخابات مجلس النواب 2025    هل تزيد أسعار اللحوم في شهر رمضان 2026؟.. وزارة الزراعة تجيب    تحسين حياة المواطن بالأقصر تتصدر اهتمامات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    وزير الخارجية يلتقي رئيس مفوضية الإيكواس لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك    شوط أول سلبي بين ليفربول وتوتنهام في البريميرليج    مواعيد مباريات المجموعة الثانية في كأس أمم أفريقيا.. إنفوجراف    انطلاق مباراة سموحة والاتحاد السكندري في كأس عاصمة مصر    الداخلية تكشف ملابسات واقعة سرقة أسلاك وأدوات صحية من فيلا تحت التشطيب بالتجمع    محمد صلاح العزب يكشف كواليس زيارة سمية الألفي لفيلم ابنها «سفاح التجمع»    د. محمد العبد: مجمع اللغة العربية منارة ثقافية يواكب احتياجات التحول الرقمي| خاص    إيمى سمير غانم تكشف موقفها من زواج حسن الرداد عليها    موعد شهر رمضان 2026 «فلكيا»    أبو ريدة: إجراء تغييرات شاملة على منظومة المسابقات المحلية.. والأولوية للمنتخبات    خبير: إعادة التموضع الروسي في أفريقيا تعكس رؤية استراتيجية وتنموية    بدون إصابات.. إنقلاب جرار طوب أبيض أعلى كوبري طما بسوهاج    وزير الخارجية يلتقى مفوضة الاتحاد الأفريقى للتنمية الاقتصادية والتجارة    رئيس مركز ومدينة العياط يشدد على الانضباط ومواجهة الإشغالات ومخالفات البناء    الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري السابق يفتح ملف أمن مصر المائي في حوار مع «صوت الأمة»: القيادة السياسية لن تفرط في نقطة مياه واحدة.. والأمن المائي واجب وطني ومسؤولية جماعية    وزيرتا التخطيط التنمية المحلية ومحافظ الأقصر يتفقدون تطوير كورنيش ومناطق إسنا التاريخية والسياحية    فولتماده: لا أعرف كيف تعادل تشيلسي معنا.. وجمهور نيوكاسل يحبني    الدكتور أمجد الحداد: المضادات الحيوية ممنوعة تماما فى علاج نزلات الإنفلونزا    المتحف المصرى بالتحرير.. هل غابت شمسه؟    النائب العام يوافق على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر    خلال 10 أيام.. التفتيش على 3605 منشآت يعمل بها أكثر من 49 ألف عامل    السفير صلاح حليمة: المنتدى الوزارى الروسى الأفريقى آلية مهمة لتعزيز الشراكة قبل قمة 2026    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    رئيس جامعة بنها يحيل طبيبين بالمستشفى الجامعى للتحقيق    النبراوي أول نقيب مهندسين مصري يتقلد رئاسة اتحاد المهندسين العرب    بنتايك يعقد قرانه على ابنة أحمد سليمان    مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني والدعم السريع في جنوب كردفان    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    محافظ أسوان يبحث توصيل الخدمات والمرافق ل40 مصنعا.. اعرف التفاصيل    وزير الشباب من داخل ملتقى التوظيف بالمنيا: نطالب الشباب بالتفاعل لبناء الذات ولا وقت للكسل    رئيس جامعة الأزهر: الجميع مع القرآن فائز.. والإمام الأكبر حريص على دعم الحفظة    انهيار مبنيين متضررين من قصف للاحتلال الإسرائيلي على غزة    ماذا جاء في وثائق إبستين عن ترامب؟    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    الكويت تحتفل بالذكري الثانية لتولي الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم .    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    محمد عنتر: الزمالك "اختياري المفضل" دائما على حساب الأهلي.. والأندية الشعبية في خطر    رئيس هيئة التأمين الصحي في زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    رئيس هيئة التأمين الصحى فى زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    ضبط طن ونصف استربس دواجن وبسطرمة مجهولة المصدر بشبرا الخيمة    الدفاع الروسية: تحرير بلدتي فيسوكويه في مقاطعة سومي وسفيتلويه بدونيتسك    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    «المنشاوي» يستقبل أسامة الأزهري وزير الأوقاف بجامعة أسيوط    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    مقتل عروس المنوفية.. الضحية عاشت 120 يومًا من العذاب    بعد الأزمة الصحية.. تامر حسني "اللي جاي أحلى"    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر «المتنورة»
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 05 - 2009

أعلم أن البعض سينبهنى إلى أن الكلمة الواجب استخدامها هنا وفقا لقواعد اللغة العربية هى «المستنيرة» ولكن الحقيقة أن لفظ «المتنورة» هو التعبير الشعبى الواقعى عما أريد الحديث عنه، حيث اعتاد المصريون البسطاء التعبير عن إعجابهم بآراء وأداء المتعلمين واصفين الشخص بأنه «متنور»، مشيرين بذلك إلى حسن الفهم واتساع المعرفة وحكمة التصرف إلى جانب العقلانية وحسن إدراك الأمور ووضعها فى نصابها الصحيح، وبهذه المعانى مجتمعة كانت مصر إلى وقت قريب «متنورة».
فلم تصنع مصر مكانتها الرائدة والمتميزة وتحافظ عليها عبر التاريخ استنادا إلى موارد مادية، بل لطالما قادت عالمها العربى اعتمادا على كونها مصدرا للإشعاع الحضارى فى محيطها ومنبرا لإطلاق المبادرات الإصلاحية الرائدة فى مجالى الفكر والثقافة، وفى هذا اعتمدت مصر على ثروتها الحقيقية «مثقفيها ومفكريها» مفاخرة بهم الأصدقاء قبل الأعداء ومباهية بدورهم فى دعم دورها التنويرى الرائد.
وفى ظل هذا المناخ الفكرى المنفتح على مختلف الثقافات والتوجهات، تشربت أنا والكثيرون من أبناء جيلى قيم التسامح واحترام الرأى الآخر وإعلاء قيمة العقل، ودرسنا مختلف التوجهات الفكرية وتيارات العالم الثقافية والاجتماعية، فرحبنا بالحوار واحترمنا الخلاف فى وجهات النظر تأسيا بمقولة الإمام الشافعى الشهيرة: «ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ، فرأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».
وفى ضوء ذلك يثير فزعنا حاليا تصاعد نبرة التعصب والغضب وتطاير الاتهامات فى الفضاء السياسى والاجتماعى، ما أسهم إلى حد بعيد فى زرع مفاهيم استهجان الآراء المخالفة وعدم احترام الحق فى الاجتهاد القائم على إعمال الفكر فى نفوس الأجيال الشابة.
ويبدو تذكر هذه الإشارات والمظاهر ضرورة ملحة فى هذه الأيام التى تشهد مساجلات عنيفة بين رموز دينية وثقافية وسياسية لها وزنها لدى الرأى العام، حول قضايا تثير البلبلة وتكرس الانقسام إلى معسكرات، تجاهر بالعداء وترفض الخلاف فى الرأى ولا تقبل الاجتهاد فيما هو مطروح للجدل. وذلك رغم أن الأديان جميعها قد أعلت من قدر الفكر والعقل وجعلته مناط التكليف.
وتتمثل مظاهر الخلاف الحاد فى الرأى فى نطاق واسع من القضايا يمتد من النواحى القانونية مثل قانون بناء دور العبادة مرورا بالقضايا السياسية مثل دور الجماعات الدينية وانتهاء بالقضايا الصحية مثل قرار نقل الخنازير وذبحها.
ملاحظين أنه قد أصبح من السهل علينا توجيه أقسى الاتهامات وإصدار أشد الأحكام التى تصنف المخالفين لنا فى خانة الأعداء مزايدين على بعضنا البعض فى درجة التزمت والانغلاق بهدف إقصاء الآراء المخالفة، ولو على استحياء، من الساحة..
ولا مراء أن الأمر قد أضحى يستلزم نظرة فاحصة إلى ما يحيط بنا من نتائج الجمود الفكرى والتعلق بمظاهر الخلاف الثانوية، ما يوشك على ابتلاع الطمأنينة التى لطالما تمتع بها هذا الشعب على هذه الأرض. فالاحتقان سيستمر فى التصاعد لطالما اكتفينا بتبنى إصلاحات تجميلية على السطح، دون إخراج الأمر إلى العلن.
فالعنف فى رد الفعل المستخدم من جانب شباب غض لا يعبر فى حقيقة الأمر عن موقف دينى بقدر ما يعكس غضبا من العالم المحيط يحرق الصدور الشابة ويتحين الفرصة للانفجار فى وجوه الآخرين. وهو فى جوهره احتجاج صارخ النبرة على الافتقار إلى مشروع ثقافى واضح يحتوى ويحترم ويجمع التيارات المتنوعة فى توجه تنويرى نحو المستقبل.
فعلى من يجب أن ننحى باللائمة فى ما وصلنا إليه؟ الحقيقة... علينا جميعا فقد أسهم كل منا بشكل أو بآخر فى الوصول إلى هذا الوضع إما إيجابا أو سلبا، أى إما كفاعلين أو كمشاهدين.
وإننى إذا استطعت أن أفهم دور الفاعلين من المتطرفين الذين لديهم أجنده خاصة لا يعلم بحقيقة أهدافها سوى الله وحده يتم تنفيذها بدأب ومثابرة مترقبين كل ثغرة أو خلل لإذكاء نار التعصب والبغضاء بين أبناء هذا الشعب فإننى أعجز عن تفسير موقف نسبة لا يستهان بها من المثقفين والمفكرين، الذين آثروا السلامة ونكصوا عن إعلان موقف واضح من استخدام الغطاء الدينى لتحقيق أغراض خاصة. بل وساعدوا فى تصنيف بعضهم البعض لأسباب مختلفة، مساهمين بذلك فى زيادة حيرة وبلبلة الأجيال الشابة.
فماذا عسانا أن نفعل لاسترداد مصر التى نعرفها! المخرج الوحيد هو الانتقال الفورى من خانة المشاهدين إلى مربع الفاعلين، متخذين موقفا يرفض أن نورث لأبنائنا وطنا ضعيفا فى وحدته وانسجام نسيجه، لا يحترم حرية التعبير والخلاف فى الرأى ويستهجن سعى المرأة إلى الحصول على حقوقها غير منقوصة. فمصر كما نعرفها هى بالفعل «أم الدنيا» فى الحضارة والتسامح والفكر المستنير فلم تقد منطقتها بأموالها ولا بقوتها العسكرية أو مواردها الاقتصادية بل بأفكارها وانفتاحها واستيعابها للجميع ودفاعها عن الحق والعدل.
ولا شك فى أن مصر ما زالت تتمتع بجميع المقومات التى تؤهلها لاستعادة دورها التنويرى القائد استنادا إلى قيامها بتبنى مفاهيم الحوار ودعم قيم المواطنة وتقبل الاختلاف فى الرأى واحترام حقوق المرأة وحرياتها. وتستطيع أن تحقق ذلك من خلال إيجاد مناخ ثقافى تنويرى يسعى نحو توسيع دائرة النقاش الحر ودعم حرية الاختيار بين البدائل المتاحة دون تحيزات مسبقة.
إن ما نحتاج إليه بشدة الآن هو دعم جهود التنوير المبذولة فى جميع المجالات بهدف إيجاد بيئة ثقافية تحترم حقوق الأفراد، على اختلاف انتماءاتهم الفكرية فى إطار معتقداتهم الدينية. وهنا يأتى الدور الفاعل للمثقفين والمفكرين لمساندة الجهود التى تبذل فى مجال إصلاح البيئة الثقافية ومنظومة القيم السائدة، سعيا نحو تغيير الوضعية الذهنية الحالية التى أضحت أسيرة لبعض الدعاوى الرامية إلى جذب المجتمع المصرى إلى الوراء، ما ينعكس سلبا على حرية الاجتهاد والتفكير؛ ويتمثل فى النظرة غير المنصفة إلى دور المرأة وقدرتها على المساهمة فى الانتقال بمصر إلى مصاف الدول القائدة لمسيرة التقدم الإنسانى.
فدعونا سيداتى وسادتى نجتمع على هدف واحد جامع هو استرداد «مصرنا المتنورة»، مدركين أن «التنوير» يساعد على «الاختيار» ويدعم حسن «اتخاذ القرار». وذلك فى ظل مناخ ثقافى يسعى إلى إعلاء قيم الحوار الموضوعى واحترام حقوق المواطنة والتواصل المجتمعى الإيجابى. مؤمنين فى أعماقنا أننا جميعا مواطنون مصريون متساوون فى الحقوق والواجبات، نعيش على نفس الأرض فى ظل التاريخ نفسه، ساعين إلى ذات المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.