ما هو رد الفعل الطبيعي الذي قد ينتابك إذا ما داهمك غريب وانتزعك من حياتك الطبيعية وألقي بك في محبس يمتلك هو وحده مفاتيحه، عزلك عن العالم واحتفظ بك أسيراً يمارس عليك كل تسلطه وطغيانه فجعلك عبداً لنزواته وهو أمنك وحريتك وحياتك لفترة لا يعلمها إلا الله؟. لا أظن أن هناك خلافاً علي الإجابة إلا لمن يعانون من الإصابة بمتلازمة استوكهولم! فهم وحدهم الذين يقعون في حب جلاديهم. متلازمة استوكهولم Stockholm Syndrome أحد تعبيرات علم النفس الحديثة والتى كثيرا ما يرد ذكرها إذا ما تناقلت وسائل الإعلام خبرا عن العثور على إنسان تم أسره أو اختطافه وظل رهن إرادة إنسان آخر مارس عليه تسلطه ونجح فى أن يستعبده بعيدا عن أعين الناس. تعود التسمية التى قد يكون من مرادفاتها أيضا Terror - Gonding عبودية الرعب أو Traumatic Gonding عبودية الصدمة! إلى حادثة أذهلت العالم عام 1973، فى هجوم على أحد بنوك استوكهولم (السويد) فى شهر أغسطس احتفظ الخاطفان جان إيرك أولسون وزميله كلارك أولسفون بأربعة من موظفى البنك كرهائن تحت تهديد السلاح فى قبو تحت البنك لمدة ستة أيام كاملة حتى نجح البوليس السويدى فى إخراجهم بعد استسلام الخاطفين. رصدت وسائل الإعلام لحظة خروج الضحايا واقتياد منفذى العملية للسجن الأمر الذى أربك العالم فقد ودع الضحايا جلاديهم بالعناق والبكاء لفراقهم! جاءت التسمية كناية عن رد الفعل غير الطبيعى بالمرة، الذى أبداه الضحايا فى مواجهة من تسلطوا عليهم وهددوا أمنهم وأنذروهم بالموت فى كل لحظة على مدى ستة أيام كاملة. وقد أطلقها عالم النفس المتخصص فى الجرائم (Nill Beyerot) الذى ساند جهود البوليس السويدى فى تلك القضية والذى شرحها بأن استعباد النفس فى ظروف مماثلة قد يخلق فى النفس إحساسا بالحب المشوه الذى يربط بين الإنسان ومن يتسلط عليه، الأمر الذى يجعله وفيا خاضعا لجلاده محبا له مخلصا فى طاعته. رغم أن تلك المتلازمة تلقى النقد لمردها العلمى فإن هناك العديد من الأمثلة التى تؤكد سلامة فرضيتها. من أشهر الأمثلة الدالة على ذلك قصة ابنة الطبقة الارستقراطية باتريشيا هرست التى اختطفها أفراد من حركة Symbiones liberation Army عام 1974 فخضعت تماما لهم وأعلنت تأييدها الكامل لمبادئهم الأمر الذى دفعها للمساهمة فى عملية اقتحام وسرقة بنك. فى سنوات لاحقة تمت عمليات مماثلة منها اختطاف طائرة شركة TWA بعد أن غادرت أثينا وأجبر خاطفوها الطيار على الهبوط فى بيروت واحتفظوا بركابها رهائن تحت تهديد نسف الطائرة بل وأعدموا أحد الركاب وألقوا بحثته على الممر حينما تأخر الرد على مطالبهم. حينما أفرج عن الركاب فى وقت لاحق أدهش العالم تعليق أحدهم الذى أجاب عن سؤال عن شعوره تجاه خاطفيه «لقد كانوا طيبين للغاية تركونى آكل وأنام لقد منحونى حياتى وحريتى». أما أكثر الأمثلة إرباكا للعقل فهو رد فعل جيسى لى دورجارد التى اختطفت فى عمر الزهور (أحد عشر عاما) وأجبرها خاطفها على الاختفاء عن أعين العالم ثمانية عشر عاما فى حجرة خلفية من بيته بعد أن اغتصبها، كان لها أن تحين فرصة للهرب إذا ما أرادت فقد كان يعهد إليها بمهام منها الرد على التليفون وإرسال الرسائل الإلكترونية واستقبال بعض عملائه لكنها لم تحاول رغم كل محاولات عائلتها المستميتة لاقتفاء أثرها لم تفكر لمرة واحدة الاتصال بأمها إلى أن اكتشف الجيران أمرها بالمصادفة. مازالت جيسى تعيش فى كاليفورنيا ولا ترحب بالحديث عن تجربتها وإن كانت تبكى حينما يأتى ذكر خاطفها الذى يعيش الآن وراء القضبان. الأمثلة فى الواقع كثيرة لتلك العلاقة الشائبة بين الضحية والجلاد الأمر الذى يؤكد حقيقة وجودها كظاهرة نفسية مرضية وإن كانت الاستثناء وليس القاعدة.