اولا التحية لمن حقق الحلم و المعجزة التي لا تقل بأي حال عن نصر اكتوبر المجيد. حيث اعاد نصر اكتوبر الكرامة و العزة لجيش مصر و من ورائه الشعب، و اثبت ان لمصر جيشا يحميها و يدافع عنها و شعبا يفخر و يلتحم بهذا الجيش، بينما اعادت ثورة 25 يناير الكرامة لشعب مصر و من ورائه الجيش، و اثبتت أن لمصر شعبا لا يقبل الذل و لا الإهانة و جيشا يحتضن الشعب و يحميه. اما الإعتذار، فهو لأننا و في معرض خوفنا عليكم و على وطننا ارسلنا لكم الرسائل بأنه كفاية، و كويس كده، و اللي اتحقق ده ما كناش نحلم بيه الأمر الذي فهمه البعض منكم على انه تخاذل و رضا بالأمر الواقع من ناحيتنا و خيانة و إضعاف لثورتكم. و لكننا بجد كنا خايفين عليكم. كنا خايفين من رد فعل النظام المحاصر و المترنح كالثور الهائج ان تصيبكم منه ضربة تؤذيكم و تؤذينا فأنتم اولا و اخيرا اخوتنا و اولادنا. كمان كنا خايفين على بلدنا من ان تحترق ليس بنار الثورة الطاهرة و لكن بنار البلطجية و اللصوص و المخربين و راكبي الموجة من اصحاب الأهداف الخفية. بينما انتم و في جمال و نقاء و قوة ثورتكم رفضتم التراجع او المهادنة و اكملتم طريقكم لنهايته. كنتم ابعد نظرا و احسن تقديرا و قراءة للأحداث منا. حددتم هدفكم و ركزتم ابصاركم عليه و لم تحيدوا عنه حتى وصلتم اليه. و الحقيقة اننا قلنا ما قلناه لعدة اسباب. بداية فقد تربى معظم ابناء جيلي على مبدأ "احنا مالناش في السياسة" هكذا قال لي والدي و انا متجه لكليتي في اول يوم لي في الحياة الجامعية. و كثير مثلي من جيلي و من الجيل السابق له و التالي كذلك. و اعترف انني واحد من الذين "سمعوا الكلام" و اعتبرت ان رسالتي في الحياة ان اؤدي عملي بأمانة و كفى. و هذا المبدأ و ان كان صحيحا في اوله"الأمانة في اداء العمل" الا ان كلمة "و كفى" في نهايته هي المشكلة. فقد تجنبت و كثير مثلي المشاركة في العمل العام. الى ان وصل الحال الى ما هو عليه. و على الجانب الآخر فقد كان شعور بالدهشة الممزوجة بالرضا ينتابنا كلما رضخ النظام لمطالبكم المرة تلو الأخرى و نجد احلاما كنا نراها بيعيدة المنال تتحقق فنخشى على ما تحقق من الضياع. الا انني و كثير من جيلي برغم من اننا لم ننزل ميدان التحرير و لم نمشي في المظاهرات فقد طالنا حماس الثوار و ايقظ فينا روحا كانت نائمة جعلتنا نشارك قدر جهدنا. فنحن و لا فخر من نزلنا الى الشوارع لنحمي بيوتنا التي هي بيوتكم فحمينا ظهوركم و امنّاكم على اهلكم في وقت كان هناك من يعول على ان يدخل المصريون بيوتهم و يقفلون عليهم ابوابهم من الرعب و الهلع تاركينكم بالخارج لتلقوا مصيركم وحدكم، و منادين من خلف الأبواب و الشبابيك المغلقة على النظام "احنا آسفين يا صلاح". اما التعقيب فهو عن ماذا بعد اسقاط مبارك المشكلة ان بعض الناس حملوا كل المشاكل على صورة حسني مبارك حتى صار و كأن برحيله سوف ينصلح حال الدنيا كلها و هذا تسطيح و تبسيط للأمور. فبرغم من ان مبارك و نظامه كانوا رؤوس الفساد، الا ان القاعدة تقول "كيفما تكونوا يولّ عليكم". فإذا كان مبارك و زمرته كانوا يمثلون الفساد الكبير الذي تراه بالعين المجردة و من بعيد، فإن الفساد الصغير موجود و مستشري في كل مكان، موجود في الموظف الذي يعتبر العمل الحكومي ليس سوى دخل ثابت و معاش و تأمين صحي بينما هو :يزوّغ من عمله و يقلّب عيشه بره " في مواعيد العمل الرسمية. موجود في الموظف الذي يأخذ من تحت الترابيزة ليخلص لك المصلحة. موجود في الموظف الكبير الذي يستفيد من موقعه في تسهيل اعماله الخاصة. موجود في تعيين الأقارب و المحاسيب في الوظائف التي تدر دخولا كبيرة بالواسطة و المحسوبية و اقصاء الاكفاء و المتفوقين. موجود في المقاول او الصنايعي الذي يغش في عمله او التاجر الذي يغش في الميزان او في نوعية البضاعة.موجود في من يكسر اشارة المرور او يمشي عكس اتجاه السير او يطمس لوحاته المعدنية حتي يتحمل غيره قيمة مخالفاته المرورية، و غير هؤلاء كثير. صحيح ان مبارك سقط و لكن هؤلاء موجودون و بقوة. و المشكلة ان كثير من هؤلاء يتميزون ببجاحة نادرة الوجود و صوت عالي و يركبون الموجة بامتياز. فتجد الكثير منهم يهتفون ضد فساد الحكم و ربما خرج بعضهم في المظاهرات او حتى وصل لميدان التحرير مناديا بعلو صوته "الشعب يريد اسقاط النظام" و هو من داخله فاسد حتى النخاع. هؤلاء هم اعداء المرحلة القادمة الذين يجب تسليط الضوء عليهم و كشفهم و محاسبتهم. و من الطرائف انه و فور اعلان مبارك تخليه عن السلطة و صلتني رسالة رائعة المحتوى على المحمول تقول"من النهاردة دي بلدك انت، ما ترميش زبالة، ما تكسرش اشارة، ما تدفعش رشوة، اشتكي اي جهة تقصر في شغلها.......برجاء نشر الرسالة" اما الطريف في الموضوع ان الذي ارسل هذه الرسالة هو شخص فاسد و مفسد كما اعلم و يعلم غيري مممن يعرفه. و لا يختلف ذلك عن اناس في مجال الإعلام كانوا ابواق النظام السابق و بكل فجاجة، حتى لم يكونوا قادرين على ان "يسبكوها شوية او يلعبوها صح" و تجد هؤلاء الآن يتكلمون بنفس الفجاجة عن فرحتهم بالثورة و عبقرية الثوار..!!! هؤلاء هم رجال كل العصور و الذين يمشون وراء من يمسك الدفة ايا كان و هؤلاء ايضا لا يجب ان يفلتوا من المسئولية. التحدي المهم الثاني هو ان من ينادي بالديمقراطية لا يصح ان يكون ديكتاتوريا في رأيه بنظام من ليس معنا فهو علينا و ان من يخالف رأينا فهو عميل او مأجور، و انتم عندما ثرتم ضد الظلم لم تكن ثورتكم لمصالح شخصية بل كانت لمصلحة شعب مصر كله، و بالتالي فمن الواجب عليكم احتواء شعب مصر و الأخذ بيده و احتواء حتى المختلفين معكم و احترام آرآئهم لأن الوطنية ليست حكرا على احد و اخطر آفة ممكن ان تصيب انسان هي مظنة امتلاك و احتكار الحقيقة التي قد تؤدي به الى الهلاك. التحدي الثالث هو بناء مصر ما بعد الثورة مطلوب منا جميعا ان نعمل على اعادة عجلة الحياة بمصر اقتصاديا و سياسيا. مطلوب ان يقف الاقتصاد المصري على رجليه من جديد و يعوض الخسائر التي لحقت به. كما هو مطلوب ان نري الملايين التي نزلت الى الشوارع تتحول الى ملايين الاصوات الانتخابية عند اول انتخابات برلمانية او رئاسية قادمة. مطلوب مننا جميعا ان نعود لعملنا و نفيد وطننا فيه ، كما هو مطلوب ان ننتخب ممثلينا السياسيين بناء على صلاحية برامجهم السياسية و ليس لأن "فلان ده راجل طيب او بتاع ربنا" او ان "مدير الشركة هدد العمال او حشد اوتوبيس من العمال" او ان "فلان دفع فلوس للناخبين" او ان علّان "بيخدم او بيجامل في الأفراح و المياتم". من الآخر، مطلوب من الثوار ان يأخذوا بيد الشعب حتى يفهم معني الديمقراطية و يمارسها لأننا ما زلنا في اول المشوار.