تعمل وزارة المالية على وضع نظام جديد للتأمينات الاجتماعية ليطبق على الداخلين الجدد إلى سوق العمل، بهدف إعادة الكفاءة للنظام الحالى الذى أصبح يعانى من العجز المالى المتزايد. من المنتظر أن يطرح مشروع قانون التأمينات الاجتماعية الجديد للنقاش فى الفترة المقبلة، على أن يقدم لمجلس الشعب قبل نهاية العام، بينما يستمر العمل بالقانون القديم، المطبق حاليا، لمدة 50 عاما مقبلة تغطى مدة تأمين المشتركين الحاليين، كما سيتاح لمن يقل عمرهم عن 35 سنة عند صدور القانون أن يشتركوا فى النظام الجديد إذا رغبوا فى ذلك. ورغم أن تفاصيل المشروع لم يتم الإفراج عنها بعد، إلا أن الخطوط الرئيسية له تقدم بعض الحلول للأزمات الناتجة عن النظام القائم، كما تثير المخاوف لدى بعض المتخصصين من الظلم الذى قد تنطوى عليه التعديلات بالنسبة للفئات الأقل دخلا بشكل خاص. ويتجلى أحد جوانب الخلل فى النظام التأمينى القائم فى تزايد الفجوة بين الاشتراكات المحصلة وبين المعاشات والتعويضات المستحقة والتى بدأت تظهر منذ عام 1997 1998، وبلغ صافى الاشتراكات فى العام المالى 2006 2007 نحو 19 مليار جنيه، مقابل معاشات منصرفة بلغت 27.9 مليار، تبعا لدراسة عن التأمينات أجراها عبدالفتاح الجبالى، رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات، والمنشورة فى كتاب «الموازنة العامة والمواطن المصرى». ويسعى النظام المقترح لمعالجة هذا الخلل من خلال تغير المنهج الذى يبنى عليه، وذلك بالانتقال «من نظام المزايا المحددة إلى الاشتراكات المحددة، بما يتوافق مع اتجاه عالمى بدأ منذ أكثر من عشرين عاما»، كما يقول هشام توفيق، خبير اقتصادى. فالنظام الحالى يقوم على مزايا تأمينية يحصل عليها الشخص بصرف النظر عن حجم اشتراكاته الفعلية، تبعا لتوفيق. فيتم حساب قيمة المعاش على أساس نسبة محددة من متوسط الأجر الشهرى خلال العامين الأخيرين من الخدمة (حوالى 2.2%) مضروبة فى عدد سنوات الاشتراك التأمينى، بغض النظر عن المساهمة الفعلية التى دفعها من خلال اشتراكاته. ويوضح محمد معيط، مساعد وزير المالية، المشكلات العملية المرتبطة بهذا النظام فى حساب المعاش، حيث تشترك جهة العمل للموظف فى العديد من الحالات ب100 أو 200 جنيه فقط فى التأمينات، على أساس أجر أقل مما يتقاضاه فعليا، لأنها توفر أموالها، ثم يقوم برفع نسبة التأمين فى السنوات الأخيرة من الخدمة. ولأن المعاش يحسب على آخر سنوات الخدمة، «يستفيد الموظف لأنه دفع أقل واستفاد بمزايا أكبر فى النهاية كما تستفيد جهة العمل التى وفرت نفقاتها، فى مقابل التحميل على النظام التأمينى». وتبلغ نسبة المشتركين عند الحد الأدنى (100 جنيه) نحو 77% من عدد المشتركين فى القطاع الخاص، كما تشير الدراسة التى أجراها عبدالفتاح الجبالى، فيما يرجعه إلى ارتفاع نسبة الاشتراك التى تزيد على 30% من الدخل الشهرى، مقابل معدلات تصل إلى 12 و14% فى الدول العربية. من جهة أخرى يعانى نظام التأمينات القائم من قدم بعض البيانات الأساسية التى لم تعدل منذ الثمانينيات، مثل العمر المتوقع للفرد، حيث ارتفع من 59 سنة فى عام 1980 إلى 72 سنة فى الوقت الحالى، أى أن «المشتركين كانوا يموتون قبل استحقاقهم المعاش، والآن يحصلون على معاشهم لمدة 12 سنة»، كما يقول هشام توفيق. وبالإضافة لتزايد عدد المطالبات التأمينية، فإن قيمة المعاشات نفسها تزيد بشكل سنوى مع إعلان رئيس الجمهورية كل عام عن العلاوة الاجتماعية، وبذلك فإن «الالتزامات على النظام التأمينى تتزايد فى الوقت الذى لم تزد فيه الاشتراكات». كل هذا يؤدى إلى «عجز اكتوارى»، تبعا لتوفيق، وقد أشارت الدراسات منذ عدة سنوات إلى أن عدم تغيير نظام التأمينات المعمول به حاليا سيؤدى به إلى الإفلاس بحلول عام 2010. الجدير بالذكر أن عدد المؤمن عليهم تطور بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث بلغ إجمالى عددهم وفقا للقوانين التأمينية المختلفة إلى 20.376 مليون فرد فى العام المالى 2006 2007 مقابل 14.44 مليون فرد فى العام المالى 1990 1991. ويسعى النظام الجديد الذى تعده وزارة المالية إلى تلافى هذه العيوب من خلال تغيير الفلسفة التى يقوم عليها إلى الاشتراكات المحددة بدلا من المزايا المحددة، حيث يحصل المشترك فى هذا النظام على مزايا بقدر ما دفع من اشتراكات، بالإضافة لعوائد استثمارها، وبالتالى لا يكون النظام معرضا للإفلاس، كما يرى توفيق. ويفصل النظام المقترح بين الحسابات الشخصية والتكافلية، على عكس النظام الحالى الذى يضم أموال التأمينات كلها كحساب واحد للجميع، تبعا لمحمد معيط، بحيث يكون لكل شخص حساب تأمينى باسمه يدفع فيه اشتراكه. وتخصص من الاشتراك الشهرى نسبة محددة، سارية على الجميع، 1 أو 2% مثلا، لتوضع فى الحساب التكافلى، وهو الحساب المشترك لكل المؤمن عليهم، مما يحول دون استغلال النظام بشكل سيئ لصالح طرف على حساب أطراف أخرى، كما يحدث حاليا فى بعض الأحيان. وعند استحقاق التأمين يتم الصرف أولا من الحساب الشخصى، فإذا لم يكف يستكمل الباقى من الحساب التكافلى، بحسب معيط الذى يرى أن ميزة هذا النظام إنه يشجع الناس على الاشتراك بأجورهم الفعلية، لأن هذا سيعود عليهم مباشرة فى حساباتهم الشخصية. ويرى معيط أن هذا النظام يعيد توزيع الدخول لصالح أصحاب الدخول الأدنى، ففى حالة العجز أو الوفاة «الغلابة هم المستفيدون، لأنهم الأكثر تعرضا للحوادث، إللى بيتشعبط فى الأتوبيس والقطر معرض للخطر أكثر ممن يركب سيارته»، وهؤلاء سيكونون أكثر استفادة من الحساب التكافلى، لأن حسابهم الشخصى لن يكفى للوفاء بالتعويضات نتيجة تدنى اشتراكاتهم. وسيغير القانون الجديد النظام المعمول به مع فئة «العمالة غير المنتظمة»، فتبعا للقانون الحالى من حق أى شخص بلغ سن الستين ولم يكن مؤمنا عليه من قبل أن يتقدم للحصول على معاش مقابل دفع مبلغ رمزى، جنيه واحد فى الشهر، لمدة خمس سنوات، وفى المقابل يحصل على معاش شهرى قيمته 100 جنيه طوال حياته. هذه «بلاعة كبيرة» كما يقول هشام توفيق، لأن الحكومة تمول هذا بالكامل. بينما فى النظام الجديد سوف تحصل الفئة غير الممولة تلك على 100 جنيه شهريا، كإعانة اجتماعية وليس كتأمين، ولا ينتقل هذا المبلغ للورثة كما يحدث الآن، «أما إذا أراد شخص غير مشترك أن يكون لديه تأمين لمواجهة حالات العجز والوفاة، فعليه أن يدفع اشتراكا» كما يوضح توفيق. وتعد الخطوط العامة للقانون الجديد جيدة، فى رأى عبدالفتاح الجبالى، «لكن الشيطان يكمن فى التفاصيل، لذلك نريد أن يخرج مشروع القانون للنور حتى يمكن مناقشة التفاصيل»، كما صرح ل«الشروق». فالنظام الذى تتبناه الحكومة مبنى على مقترحات البنك الدولى، وهو يقدم نوعا من الروشتة الموحدة فى هذا المجال، لذا يجب أن تدرس التجارب التى قامت بتطبيقها، مثل شيلى، حتى لا تتكرر الأخطاء والعيوب. ويقوم النظام الذى تقدمه الحكومة على فكرة «على قدر ما ستدفع ستحصل على قدر ما ستحصل عليه»، وهو بذلك «أقرب لنظام الادخار منه لنظام التأمين الاجتماعى»، كما يرى الجبالى، بينما يمكن تنمية الموارد ومعالجة الاختلالات القائمة دون تغيير طبيعة النظام. ويخفض القانون الجديد الاشتراك التأمينى، فى مقابل النسبة الحالية شديدة الارتفاع سواء بالنسبة لصاحب العمل أو للعامل، كما يرى الجبالى، وبالتالى سيساعد هذا التخفيض، من حوالى 40% من الدخل كما هو متبع حاليا إلى نحو 23% تبعا للمقترح الجديد، على دخول شريحة من المتهربين من التأمينات إلى النظام. كما سيحفز الناس على الاشتراك بأجرها الحقيقى بدلا من تسجيل أنفسهم عند الحد الأدنى للاشتراكات من خلال تقديم بيانات عن الدخل أقل من الواقع. إلا أن تخفيض نسبة الاشتراك من الدخل، من جهة أخرى، مع تبنى نظام الحسابات الشخصية تعنى أن الأفراد لن يجدوا معاشا له قيمة عند بلوغهم الستين عاما.