انتخاب اللواء أحمد العوضي والمستشار فارس سعد وكيلين لمجلس الشيوخ    رئيس قطاع الإرشاد الزراعي يشارك بافتتاح مهرجان النباتات الطبية والعطرية ببني سويف    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    وسائل إعلام سورية: انفجار قنبلة في بلدة خربة غزالة بريف درعا أدى إلى إصابة عدد من الأطفال بجروح متفاوتة    كارولين ليفيت من بائعة آيس كريم إلى المتحدثة باسم البيت الأبيض    عاجل- الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزًا عسكريًا في دير جرير شرق رام الله ويمزق صور شهداء    تشكيل الأهلي إيجل نوار في دوري أبطال إفريقيا    موعد مباراة الأخدود ضد الحزم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لعامل لاتجاره فى الهيروين بشبين القناطر    الأرصاد: طقس خريفي غدًا مائل للبرودة صباحًا وحار نهارًا.. العظمى بالقاهرة 30 والصغرى 20    كشف ملابسات فيديو تضمن قيام شخص بإطلاق النار على قائد سيارة بالإسماعيلية    أمن المنافذ يضبط 77 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    نجمات اخترن تسريحة ذيل الحصان فى مهرجان الجونة 2025    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    2700 مظاهرة.. ذا هيل: احتجاجات لا للملوك ضد ترامب تدخل لحظة حاسمة اليوم    وزير المالية يلتقي نظيره اليوناني بواشنطن لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين    النفط يتكبد خسارة أسبوعية وسط مخاوف تخمة المعروض    موقف الدوسري من اللحاق بمباراة الهلال والسد القطري    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ ضد بوروسيا دورتموند في الدوري الألماني.. والموعد    بعثة المصري تغادر طرابلس فى طريقها إلى القاهرة بعد التعادل مع الاتحاد الليبي    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    ميناء دمياط يستقبل 33 ألف طن قمح قادمة من روسيا    قالي عايز تتعلم ادخل شعبة ب1400.. طالب يقاضي والده أمام محكمة الأسرة: رافض يدفعلي مصاريف الكلية    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    ضبط منادى سيارات اعتدى على سائق وطلب إتاوة فى الجيزة    اليوم.. استكمال محاكمة 37 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية ب«خلية التجمع»    «شؤون التعليم والطلاب» بجامعة أسوان يناقش خطة الأنشطة الطلابية للعام الجديد    الدويري: خروج مروان البرغوثي سيوحد حركة فتح ويمنح الموقف الفلسطيني زخمًا    لا تدَّعِ معرفة ما تجهله.. حظك اليوم برج الدلو 18 أكتوبر    الثقافة: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى من أعظم المعجزات الفلكية فى التاريخ    ياسر جلال بعد أداء القسم بمجلس الشيوخ: لحظة فخر ومسؤولية كبيرة    ما هو حكم دفع الزكاة لدار الأيتام من أجل كفالة طفل؟.. دار الإفتاء توضح    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح 7 فضائل لإطعام الطعام.. اعرفها    تعليمات جديدة من «الصحة» لضبط معدلات الولادات القيصرية في الإسكندرية    رئيس هيئة الدواء: 91% من استهلاك مصر ينتج محليا ومخزون المواد الخام يكفي 7 أشهر    ضمن «رعاية بلا حدود».. إجراء 64 ألف زيارة طبية منزلية لخدمة كبار السن وذوي الهمم بالشرقية    نجوى إبراهيم عن تطورات صحتها بعد الحادث: تحسن كبير واستكمل العلاج بمصر    ثلاث حفلات كبرى وندوات علمية في ثالث أيام مهرجان الموسيقى العربية    عبير الشرقاوي ترد على تجاهل ذكر والدها: نقابة المهن خسرت كتير    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    الدفاع الأوكراني يتصدّى لهجوم جوي روسي واسع    دميترييف: العمل على فكرة النفق بين موسكو وواشنطن بدأ قبل 6 أشهر    ضبط محطة وقود لتصرفها في 13 ألف لتر سولار.. وتحرير محاضر لتعطيل أجهزة ATG بالبحيرة    100 مُغامر من 15 دولة يحلقون بمظلاتهم الجوية فوق معابد الأقصر    «الصحة» تواصل برنامج «درّب فريقك» لتعزيز مهارات فرق الجودة بالمنشآت الصحية    فيديو.. منى الشاذلي تمازح حمزة نمرة: أنت جاي تتنمر عليا    تعرف على عقوبة عدم التصويت في الانتخابات البرلمانية    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    جولة لمدير الرعاية الصحية بالأقصر بوحدة طب أسرة طيبة لمتابعة خدمات المواطنين    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    وزير الري: مواصلة إدارة الموقف المائي بصورة ديناميكية وفقا للرصد اللحظي في أعالي النيل والتنبؤات الهيدرولوجية    استقرار أسعار الدواجن والبيض في الأسواق المحلية بعد زيادة أسعار البنزين والسولار    تعادل مثير بين سان جيرمان وستراسبورج في الدوري الفرنسي    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    المصري هيثم حسن يقود تشكيل ريال أوفييدو أمام إسبانيول في الليجا    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تقتلوه ولا تدعوا لقتله
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 03 - 2011

قالوا عن ليبيا إنها صندوق رمال تمر عليه فى طريق ذهابها وعودتها جيوش الإمبراطوريات، تلقى فيه ما تحمله من ثقافات وأفكار وإنجازات فتبتلعها الرمال ولا يبقى منها على السطح شيئا يذكر بمرور هذه الجيوش أو تلك الحضارات. وإن غصت فى الرمال حتى القاع فلن تجد أثرا يؤكد أن غرباء متحضرين مروا من هناك. لم أقتنع يوما بهذا الرأى فى مسيرة التاريخ الليبى، وكتبت وحاضرت ضد هذا الرأى وضد مناصريه، وعلى رأسهم العقيد معمر القذافى.
أفهم أن يكتب مؤرخون ودارسو حضارات رأيا أو آخر يقابل بالانتقاد الشديد، إما لأن الرأى يعكس موقفا عنصريا أو يعبر عن قناعات أيديولوجية أو دينية معينة. انتقدنا الكثير من كتابات المستشرقين ونشر إدوارد سعيد تشريحا أكاديميا راقيا لكتاباتهم وتوجهاتهم ونواياهم وعشنا عقودا غير قليلة ندفع ثمن ما استوعبه قادة دول غربية، بخاصة بريطانيا والولايات المتحدة، من الأفكار الشريرة التى كان يبثها كبير المستشرقين المعاصرين برنارد لويس، حتى إن دولا أعادت صياغة أو تعميق سياساتها الخارجية بناء على أفكاره العنصرية والمعادية للمسلمين بصفة عامة وشعوب الشرق الأوسط بصفة خاصة. جاءت فترة كان إدوارد لويس وحواريوه يقودون قوافل من الأكاديميين والبيروقراطيين الأمريكيين، حتى أشعلوها فى العالم نارا بدأت بالتحريض ضد الدول الإسلامية والثقافة الإسلامية، وانتهت بحرب عالمية ضد الإرهاب بعد أن مررنا، معا نحن وهم، بصدام الحضارات.
أفهم أن يفعل هؤلاء المؤرخون والمستشرقون ما يسىء إلى شعوبنا ويهين إنسانيتنا، ولكن ما لم أفهمه على الإطلاق، ولن أفهمه، هو أن يتعامل قادتنا وحكامنا العرب مع شعوبهم على أساس هذه النظرة اللئيمة أو على أساس ما هو أسوأ. وأقول أسوأ، لأنها نظرة من ائتمنتهم الشعوب على حياتها وأمنها. بعض هؤلاء دافعنا عنهم ضد خصومهم حين هوجموا، ووجدنا لهم الأعذار حين انهزموا، وأشفقنا عليهم حين مرضوا، ومع ذلك استمروا يتعالون على شعوبهم وإن عبرت عن رأيها أهانوها وإن عصيت اعتقلوها وإن تمردت أبادوها.
لا أبالغ فى إطلاق صفة الكره على شعورهم تجاه شعوبهم رغم ما كشفت عنه انتفاضات الشعوب فى الأسابيع الأخيرة من حقيقة المشاعر، التى يكنها الرؤساء والحكام الذين انتفضت عليهم شعوبهم. كشفت عن مدى احتقارهم للشعوب وكرههم لها.
بالنسبة لى لم تكن الأسابيع الأخيرة وحدها هى الكاشفة عن حقيقة شعور حكامنا تجاه شعوبهم، بل كانت سنوات عديدة من الممارسة العملية لعلاقات مع شعوب عشت بينها وراقبت عن كثب كيف يعاملها حكامهم، ومنها الشعب المصرى وحكامه. رأيت حكاما يتجاهلون الشكاوى لأنها صادرة من شعب «لا يفهم»، ويعتبرون فضول الشعب أو حاجته ليعرف تطاولا من شعب «لا يقدر»، وحين يأتى علماؤنا من الخارج ومعهم نصيحة أو تجربة ويتلقاها الشعب بالفرحة والأمل ويفرح بها وببتهج ويستبشر خيرا يتهمونه بالسذاجة وقصر النظر لأنه لم ينتبه إلى أن العلماء العائدين سعوا لمنصب كبير أو لشهرة تتجاوز شهرة الرئيس.
فى جعبتنا حكايات لا آخر لها، حكايات عن حكام فى تونس واليمن والعراق وسوريا والجزائر والسودان وليبيا ومصر، تفننوا فى إهانة شعوبهم والاستهزاء بها. كان فى العراق رجل امتلأ يقينا بأن شعبه لا يؤمن جانبه إلا إذا ضرب بالعصا وأهين وذلت أعناقه. كان يستند إلى التاريخ، وما أطوله، ليثبت أن العراق لم يعرف استقرارا إلا عندما تولى أمره حاكم لا يعرف الشفقة، ولا يعرف غير الدم المسفوك أنهارا سبيلا إلى طاعة الشعب. رأيته يستقبلنا بابتسامة عريضة لا تتناسب مع شرارات الشر التى تطلقها عينان قاسيتان، ولكنها ابتسامة على كل حال. هذه الابتسامة التى كانت تختفى فى كل مرة توجه بها بالحديث إلى مسئولين عراقيين موجودين معنا بالغرفة. الزعيم لا يبتسم فى وجود مواطنين خشية أن يشعر المواطن حتى وإن كان وزيرا أو محافظا مسئولا عن ملايين البشر، إنه آمن على نفسه وبيته وممتلكاته.
وفى مصر، إن نسيت الكثير وأرجو ان أنساه، لن أنسى فرحة عدد كبير من الإعلاميين والمثقفين يوم إبلاغهم الدعوة للقاء سنوى كبير يحضره السيد الرئيس. جرت العادة أن جانبا من اللقاء كان يذاع على الهواء مباشرة أو مسجلا، جرت العادة أيضا أن يكشف هذا الجانب المذاع أو المسجل عن أجزاء من حوارات يتعمد فيها رئيس الدولة الاستهزاء بأفكار مثقف أو آخر، ويتعمد التعالى عليهم جميعا بأنه وحده، الذى يعرف الحقائق كافة، وهم لا يعرفون. وكان يأمر بدعوة رجال أفاضل ويستعد لهم بكمائن للإساءة إلى أشخاصهم وما يمثلون.
ومن ليبيا جاء لزيارتنا فى جريدة الأهرام العقيد القذافى ولم يكن قد تجاوز بعد الثلاثين من عمره بكثير. وفى اجتماع ضم عشرين أو ما يزيد، بعضهم من قيادات مصر الثقافية باعتبارهم من أركان الأهرام التى تفخر بها المؤسسة، عرض العقيد رؤية لمستقبل يعود فيه العرب إلى العصر الذهبى للإسلام. وحين سأله أحد الحاضرين عن العصر الإسلامى، الذى يعتبره ذهبيا، بمعنى أن السلطة فيه كانت تتداول أو تتوارث سلميا والإنسان فيه يعيش فى ظل قانون يحترم حقوقه وحياته، راح العقيد يختار عصرا بعد آخر فينتقده حاضر أو آخر حتى انتهى إلى أنه ربما كان عصر الخلفاء الراشدين. هنا انبرت مثقفة كبيرة للإعراب نيابة عن كل الحاضرين عن السعادة لأن «العلى الكريم أرسل لنا أخيرا خليفة سينهض بالأمة ويعيد إليها امجاد العصور الذهبية». ويبدو أن هذا التصريح شديد النفاق كان سببا فى أن يضع السيد العقيد الأهرام بندا دائما فى جدول زياراته لمصر.
يحكى زميل يحتل مكانة محترمة فى الصحافة اللبنانية إن الدعوة وجهت له لمقابلة العقيد الذى تصادف وجوده فى بلد عربى ثالث فى ذلك الوقت. وعندما ذاع الخبر اتصلت بالزميل اللبنانى شخصية ليبية كبيرة مقيمة فى البلد نفسها يطلب منه العمل على ترطيب الأجواء مع العقيد القذافى تمهيدا للقاء بينهما. استجاب الزميل وخلال اللقاء طلب من العقيد الالتقاء بهذا الشخص ليصحح له معلومات وصلته عنه، ولكن العقيد لم يدعه يكمل الطلب، فبمجرد أن سمع عن شخص يريد مقابلته سأل هل هو ليبى؟، وعندما جاءته الإجابة بنعم قال.. « ليبى؟ يعنى بهيم» واستطرد فى لهجة غاضبة وباشمئزاز واضح: «أنا لا أريد أن أقابل بهائم». تذكرت وأنا أسمع هذه القصة أحاديث عديدة جرت فى القاهرة مع العقيد، وفى كثير منها كان يوجه نقدا شديدا إلى الشعب الليبى، وأذكر جيدا أنه قال ذات مرة أتمنى لو أمكننى استبدال شعب ليبيا بشعب آخر. وفى مرة أخرى، وكان قد مضى عليه فى الحكم خمسة عشر عاما أو أكثر، قال، إن الشعب الليبى غير قادر على الارتقاء إلى مستوى تفكيرى»، قدرى أن أكون زعيما لشعب لا يفهم».
تذكرت هذه المشاهد والحوارات وكثيرا غيرها وأنا أستمع إلى العقيد يصرخ بأعلى صوته، «أنا المجد.. مجد ليبيا والعرب وأفريقيا وأمريكا اللاتينية». ها هو بعد أربعين عاما فى الحكم والزعامة يؤكد مجددا قناعته الأساسية، وهى فى الوقت نفسه قناعة أمثاله من الحكام العرب. هو وهم أرقى من شعوبهم التى لا تستحقهم، شعوب ناكرة للجميل، شعوب لم تفهمهم، ولابد من سحقها وذبحها إن تمردت أو رفعت صوتها.
ومع ذلك، ورغم هذه الطباع الاستبدادية، والوحشية أحيانا، لا أستطيع ان أقبل من شيخ وقور له احترامه بين مريديه وأتباعه، دعوته الناس لقتل القذافى. إن توجيه دعوة من هذا القبيل والقبول بها تحت ضغط المأساة الواقعة فى ليبيا تجعلنا فى نظر الإنسانية والتاريخ نبدو فى صورة أقل تحضرا وإنسانية من صور الملايين المسالمة المتحضرة، التى خرجت تطالب بإقصاء حكامها ولم تطلب، ولا يجب تشجيعها على أن تطلب، سفك دمائهم.
إن الثورة العربية الكبرى، التى نعيش أعظم أيامها، تاج على رءوسنا جميعا. دعونا نحافظ عليها بيضاء ونقية وطاهرة، لا يلوثها تعصب أو اندفاع أو تصفية حساب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.